المؤسسة العسكرية بين تركة الماضي وتحديات المستقبل

رؤية الجيوش تنهزم يصنع في النفس ألف حسرة خاصة عندما تهزم بسبب أبنائها أو تتحول إلى آلة عمياء لضرب نفسها نقول هذا ونحن مصدومون مما تعرضت وتتعرض له المؤسسة العسكرية من تدمير ممنهج وهي المؤسسة التي بنيت من عرق الشعب وعلى حساب التنمية وتطوير التعليم وعلى حساب أيضا الكثير من تضحيات أبناء المؤسسة العسكرية وكوكبة كبيرة من الشهداء الذين بذلوا أرواحهم رخيصة من أجل تراب الوطن.
وهنا نؤكد أن المؤسسة العسكرية اليمنية تعرضت للاختراق عندما لم تبن على أسس علمية كما هو حال بناء الجيوش في كل دول العالم إضافة إلى تحملها لما أحدثته الولاءات داخل صفوف المؤسسة العسكرية سواء كانت ولاءات قبلية أو مناطقية أو حزبية وعسكرية أيضا وهذه الأخيرة للأسف كانت ذات ارتباطات بأشخاص وجماعات مارست الكثير من التدمير داخل المؤسسة الدفاعية الأولى ولا تزال آثارها تعمل في اليمنيين حينما عجزت هذه المؤسسة على القيام بدورها عندما جاءت الحاجة الماسة لذلك وتحولت إلى مجرد خيوط عنكبوت ولو يعلم أولئك الذين سلبوا المؤسسة العسكرية وقارها في الماضي ما الذي جنوه بحق وطنهم لفضلوا الانتحار على مشاهدة صنوف الإذلال التي تتعرض لها ومن مختلف الأطراف ولكن بمبررات متعددة.
كل الحروب التي خاضتها مؤسستنا العسكرية كانت حروباٍ عبثية من أجل أشخاص وجماعات وعندما حان وقت الحروب المقدسة كانت المؤسسة العسكرية اليمنية أول من فقدت قدسيتها بل يمكن أن نقول عذريتها أيضا.
لقد مارس البعض صنوف الإذلال والامتهان ضد الجيش والأمن من خلال نهب مستحقات الجنود والضباط ونهب الممتلكات ونهب مخصصاتها المالية واستثمارها في تأسيس شركات خاصة واستثمرت في كل القطاعات ولكن ليس في ما يفيد بنية وتنمية وتطوير الجيش والأمن بل في صالح زيادة الثروات للمجموعة انتهازية لها ارتباطاتها الاجتماعية والقبلية وحققت بالفعل الكثير من الثروة وأسست الكثير من الشركات من رحم المؤسسة العسكرية ومن عرق الأفراد والضباط.
مع ذلك يمكن أن يطلق عليها مؤسسة عسكرية لكن غالبيتها تعمل في المنازل توجد فقط في كشوفات الراتب يوزعها عادة كتاب المعاش وفي اليمن حصريا توجد أسواق للتجارة ممتلكات المؤسسة العسكرية من غذاء وعتاد وسلاح وعندما تحولت المؤسسة العسكرية إلى سوق غاب التأهيل العلمي وحضر العنصر الحزبي مع أن الحزبية محرمة داخل صفوفها مع ذلك يمكن أن يكون وزير دفاعها قيادياٍ حزبياٍ.
كان الطلاب في الزمن الماضي يسابقون الزمن من أجل إنهاء الثانوية وتأدية خدمة الدفاع الوطني في سلك المؤسسة العسكرية والأمنية وتشرب قيم البذل والتضحية في سبيل الوطن لكن هناك من عمل على إيقاف العمل بقانون خدمة الدفاع الوطني دون أية مبررات ففقدت المؤسسة العسكرية تجديد الدماء في صفوفها وحضرت الولاءات الحزبية والجهوية وتحول رجالها إلى مرافقين مع مشايخ وقيادات اجتماعية وعادة من يحظون بالفرصة للانتساب للمؤسسة العسكرية لا يحملون أية مؤهلات فغاب العنصر المؤهل وحضرت الأسماء التي تشغل حيزا من الفراغ من أجل خاطر قائد أو شيخ أو حزب.
وأعتقد أن مارس تجهيل وإفساد المؤسسة العسكرية والأمنية ينتج تابعين لم يدر بخلدهم أن تلك الثغرات التي أحدثها في بنيان المؤسسة العسكرية يمكن أن تكون الطريق لمرور آخرين يمارسون ممارسات أشد وألعن.
تابعنا الكثير من الحوادث عن طائرات تسقط بدون مبررات والكثير من كوادر المؤسسة العسكرية والأمنية تقتل في وضح النهار وتقيد الحوادث في المجمل ضد مجهول وأسلحة وعتاد يباع على قارعة الطريق ومع كل جزء من المؤسسة العسكرية والأمنية يباع أو يدمر أو ينهب كانت تلك المؤسسة تفقد جزءاٍ من كرامتها التي هي من كرامة الشعب والوطن.
أما من يتعرض للحادث من المنتسبين لها وفقد حياته فيه وهو يدافع عن مقدرات الوطن وأمنه واستقراره فأول تكريم له المطالبة بالعهدة التي عليه ومن أجل تلك العهدة وهي عادة قطعة سلاح أو ذخيرة يتم توقيف الراتب فكيف يمكن إيقاف راتب جندي قضى وهو يدافع عن الشرف العسكري في وقت تنهب معسكرات ولا أحد ينطق ببنت شفة وللأسف تحولت هذه المفاهيم الخاطئة إلى ثقافة تكرس داخل المؤسسة العسكرية لكنها لا تنال إلا الجنود ومن ليس لهم ظهر يستندون عليه.
إذا المؤسسة العسكرية هي أول من شجعت على العدوان عليها عندما لم تعمل على حماية نفسها وحماية من يعملون فيها الحماية المطلوبة بالأنظمة والقوانين وهذه للأسف حقيقة مرة يجب الاعتراف بها ثم مراجعتها وبما يسهم في الاستفادة من تأثيراتها لا يزال شعبنا اليمني رغم كل ما حدث للمؤسسة العسكرية والأمنية يكن لها الاحترام والتقدير ولا يزالون يتذكرون المواقف الشجاعة للجيش والأمن وخاصة عندما كان بعض من المشايخ يؤون القتلة والهاربين من العدالة للدوافع قبلية أو حزبية وكيف استطاع وزير الدفاع في حكومة دولة الوحدة هيثم قاسم طاهر أن يحرك المدرعات بحثا عن مجرم هارب احتمى بشيخ قبلي.
ومن صور الاعتزاز بالمؤسسة العسكرية تلك المشاريع الصناعية والزراعية والاقتصادية التي حققت فيها المؤسسة العسكرية خطوات سريعة في إحداث التنمية عندما كانت تعمل من أجل الأهداف الوطنية لم تؤثر عليها رياح الولاءات القبلية والحزبية والعسكرية ومن إنجازات المؤسسة العسكرية حملات التشجير التي يحسب للراحل الرئيس الحمدي أول من دشنها في مختلف المحافظات.
نتحدث اليوم عن المؤسسة العسكرية من واقع حاجتنا جميعا أفراداٍ وجماعات وأحزاباٍ وسلطة ومعارضة إلى سلطة يجب أن تكون صمام أمان للثوابت الوطنية وضامناٍ وطنياٍ للانتقال السلمي للسلطة والالتزام بالديمقراطية وحماية الحريات وحقوق الإنسان وحرية الصحافة وهي المكاسب التي ضحى شعبنا من أجل الوصول إليها بالكثير من التضحيات المسجلة في سفر النضال الوطني وعندما نقول (ضامن) نعني أن تكون محايدة تمارس عملها من أجل حماية السيادة وتقف في مسافة واحدة من الجميع وتستطيع أن تكسر اليد التي تمتد لإحداث الفوضى وضرب مقدرات الوطن بعيدة من العمل السياسي تحمي نفسها بالقوانين والأنظمة وفرض هيبتها على الجميع دون تمييز أو خوف من قوى قبلية أو جماعات حزبية إذا سمحنا للجيش أن يتحول إلى حمل وديع فكيف يمكن أن نتحدث عن هيبة الدولة وقدرتها على الوصول إلى من يكدرون حياة اليمنيين من جماعات دينية متطرفة وأصحاب نفوذ قبلي يبتزون الدولة وأصحاب دعوات تدمر النسيج الوطني.
إن عملاٍ مثل هذا يمثل انتحاراٍ للدولة وضياعاٍ لكل الأموال التي أنفقت من أجل المؤسسة العسكرية والأمنية طوال السنوات السابقة وتغييب للقوانين التي تحتاج للقوة لتطبيقها على الجميع أستطيع أن أقول إن الوقت حان لإصلاح بنية المؤسسة العسكرية والمحافظة على ما تبقى من مقدراتها وإمكاناتها المادية والبشرية والوقوف مع صيغة الحل السياسي الذي سيصل إليه المتحاورون ويمثل مخرجاٍ مناسباٍ للحالة اليمنية التي لا أعتقد أن مزيداٍ من تعقيداتها إذا ما استمرت ستصب في صالح اليمنيين جميعاٍ.
أشعر بالمرارة وأنا أتحدث عن المؤسسة العسكرية وما تتعرض له من تدمير أخلاقي وقيمي ومقدرات ولا زلت على يقين أن أبناء هذه المؤسسة يشعرون بما أشعر وسيتداعون لإنقاذ المؤسسة الوطنية الكبرى والعين الساهرة وبما يجعلها مصانة من كل صنوف الاعتداء والتضليل وتحويلها إلى آلة عمياء تعمل دون عقل وفي أحيان كثيرة ضد مصالحها الوطنية وهذا الوضع لا نريده أن يستمر فشعبنا يراهن على وعي وإرادة المؤسسة العسكرية في تفويت الفرصة على من يريدون إشعال الحروب الداخلية ومن يعملون على تمزيق اللحمة الوطنية.

قد يعجبك ايضا