أكاديميون: تنويع هياكل الاقتصاد

اعتمدت الحكومات السابقة سياسات اقتصادية تختلف باختلاف الحالة الاقتصادية والظروف التي يمر بها البلد.. ورغم ذلك كثير من الخبراء الاقتصاديون أكدوا فشلها بسبب نفوذ القوى السياسية المسيطرة على المشهدين السياسي والاقتصادي في البلد.
“الثورة” ناقشت مع عدد من الأكاديميين والباحثين الاقتصاديين الواقع الاقتصادي الذي يعيشه البلد وكيفية الخروج منه وما هي السياسة الاقتصادية الملائمة والممكن تنفيذها خلال الوقت الحاضر للوصول إلى استقرار اقتصادي وإيقاف أي خلل اقتصادي قد يحدث.. إلى التفاصيل:
الدكتور علي سيف كليب – نائب عميد كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء- يقول: الواقع الاقتصادي اليمني يعاني من أزمة مركبة منذ فترة طويلة تتمثل في ضعف الهياكل الإنتاجية في الداخل إضافة إلى الاختلال في الموازين الاقتصادية وموازين المدفوعات وأيضا الاختلال في الموازنة العامة للدولة  ويصاحب ذلك تباطؤ في معدل النمو الاقتصادي وارتفاع في معدلات الفقر والبطالة وأيضا مشكلة الديون الداخلية والخارجية, وكل هذه المؤشرات الاقتصادية في مجملها تمثل مشكلة كبيرة جداٍ للواقع أو المشهد الاقتصادي اليمني.
أزمة تغييب
يضيف الدكتور كليب: الإشكالية الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد اليمني بأنه دائما ما يعاني من أزمة تغييب لدور الاقتصاديين في إدارة الاقتصاد, فمعظم من يدير الاقتصاد هم السياسيون أو من يتطفلون على الاقتصاد وبالتالي نحن نلاحظ بأن المكون الاقتصادي دائما ما يغيب عن أي حوار أو عن أي معالجات ودائما ما يثار الجانب الاقتصادي عندما تثار قضايا سياسية ويتم اتخاذ البعد الاقتصادي كمبرر لأي تصرفات لتغيير الواقع الاقتصادي والمعيشي ولكن مع الأسف لا يتم الاهتمام الجدي والحقيقي بهذا الوضع, وكما رأينا في الفترة الأخيرة بأن المكون الاقتصادي كان حاضراٍ وبقوة في إسقاط النظام ونلاحظ الآن بأن الجانب الاقتصادي غائب تماما عن الحوار ويتم معالجة الاختلالات الأمنية ومعالجة البعد السياسي وبالتالي دائما ما يطغى البعد السياسي على البعد الاقتصادي.
وأكد أستاذ الاقتصاد أن المشهد الاقتصادي غائب في الماضي وغائب في الحاضر عندما تم الحديث في الفترة الماضية عن المكون الاقتصادي وعن المعاناة التي يعيشها الشعب وعن ارتفاع الأسعار وغيرها كان هناك مطالبة بتشكيل لجنة اقتصادية تفاءلنا خيرا لكن عندما تم تشكيل هذه اللجنة كانت خالية من خبراء الاقتصادي إلا من بعض من يمثلون الأحزاب أو ممثل للحكومة وبالتالي يمكن أن تستقرئ الوضع الاقتصادي من خلال تشكيل اللجنة الاقتصادية التي تمت والمهام التي أوكلت إليها.. وسيظل المشهد الاقتصادي يترنح وسيظل غائبا طالما والمشهد السياسي هو الذي يطغى على المشهد الاقتصادي.
عقد شراكة
أما الدكتورة نجوى الخزان – أستاذة الاقتصاد بجامعة صنعاء- فتقول: إن احتكار الدولة لإنشاء المشاريع الخدمية والاستهلاكية بكل أنواعها يؤدي الى إبعاد القطاع الخاص عن المشاركة في هذه التجربة وبالتالي اقتصار الخبرات والكفاءات الموجودة على العمل في المشاريع العامة وبهذا تفقد الدولة عدة نواح مهمة في الجانب التنموي منها فتوجه اهتمام الدولة الكلي بتنفيذ المشاريع الخدمية والاستهلاكية من قبلها يعمل بكل ما تحتويه هذه المشاريع من صعوبات ومشاكل معروفة من سوء الأداء أو الهدر في المال العام سيعمل على إضافة ثقل إضافي على كاهل الدولة كان من الممكن إن وجد بنسبة معينة يوفر للدولة المجال للتخطيط نحو الممارسات التنموية للسكان أو الاقتصاد بكل الأوجه المعروفة.. ولما له من دور سلبي في إضعاف القطاع الخاص والحد من تطويره وإنعاش مفاصله وإضعاف الفرصة لمشاركته مع الدولة في تنفيذ الخطط التنموية فاحتكار القطاع العام لتنفيذ كل المشاريع رغم وجود السلبيات لا تسنح الفرصة للقطاع الخاص على خوض هذه التجارب وتوفير أمور كثيرة والتخفيف على الدولة من السلبيات الحاصلة في المشاريع عندما تدار من قبل قطاعها العام وبالتالي ستوفر الدولة الكثير من الأموال والجهود التي يمكن أن تتبدد بشكل غير مثمر كما إنها يجب أن تعمل على بناء مؤسسات القطاع الخاص وهي مؤسسات وطنية لابد أن تقف وتصطف مع الدولة في مسيرة التنمية بشكل مباشر أو غير مباشر. فعدم الاستفادة من طاقات الشباب خريجي الكليات المتوظفين في القطاع العام بشكل مثمر وبناء سيكون الأداء الوظيفي والإنتاج الصناعي في المشاريع العامة عبارة عن روتين متكرر بعيداٍ عن التطوير والتحديث حيث تبقى هذه الطاقات العلمية حبيسة هذا الواقع الروتيني وبهذا لا تساهم هذه المشاريع العامة على تهيئة الكوادر والخبرات بشكل يواكب التطور الحاصل في البلدان المتقدمة وبما يمكن هذه الخبرات على مواكبة وتطوير النتاج ليدخل مجال المنافسة عند التصدير بكل إمكانية وثقة كما أن معظم حالات البطالة المقنعة تكون داخل المشاريع العامة فهي بهذا تشكل عاملاٍ سلبياٍ باتجاه استغلال الطاقات وتوظيفها في العملية التنموية للبلد.
وأضافت الدكتورة الخزان: إن تحجيم مشاركة القطاع الخاص في المساهمة في تنفيذ المشاريع سيقلل من فرص الاستثمار وبالتالي تفويت الفرصة على القطاع الخاص لتوظيف الادخارات وهي معظمها وطنية وبعكس ذلك تقوم بعض الدول النامية بزيادة الاقتراض من الخارج لغرض دعم مشاريعها العامة وهي خطوة لا توصف بالذكية خصوصاٍ أنها تزيد من التزام الدولة بتسديد الفوائد التي تترتب على هذه الديون وبالتالي التأثير على الاقتصاد الوطني وخطط التنمية. فاستمرار الدولة في الانفاق على المشاريع العامة المتلكئة وذات النتائج الضعيفة التي تقدمها للاقتصاد القومي سيحرم خطط التنمية من موارد مالية مهمة يمكن استخدامها في تنشيط العديد من المجالات. وايضاٍ قلة الفرص الممنوحة للإنتاج الزراعي لإقامة المشاريع الخاصة وزيادة الاستثمار من قبل القطاع الخاص لا سيما مع وجود سياسة سعرية تغلب عليها روح المنافسة الحرة والمحددة بقوانين وطنية تسعى الى التطوير والتحديث وغلبة واقع البحث العلمي لتحسين الإنتاج خصوصاٍ مع وجود محفزات مادية تدعمها الدولة للمشاريع الخاصة أو التشاركية مع قطاعها العام.. حيث أن انخفاض نسبة الدعم الحكومي للقطاع الخاص من ناحية التسهيلات المصرفية وحجم القروض المقدمة لإنشاء المشاريع واقتصار ذلك على مشاريع القطاع العام مما لا يشجع على استغلال إقامة وتحفيز مشاريع القطاع الخاص وبالتالي المشاركة في الاقتصاد الوطني بشكل أوسع.
وتقول أستاذة الاقتصاد: إن التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تواجه البلد لا يجب ولا يمكن أن تتعاطى معها الجهات المختصة بمفردها حيث يجب النظر بجدية إلى إشراك القطاع الخاص في حشد الموارد المالية اللازمة لتحريك عجلة الاقتصاد والتنمية وتنفيذ المشاريع بفاعلية فضلا عن تحقيق الشراكة الحقيقية مع السلطات والمجتمعات المحلية المستفيدة المباشرة من هذه المشاريع.. فيجب دعوة الجهات المعنية إلى دراسة فرص إشراك القطاع الخاص في مشاريعها والعمل على تسهيل دخولهم في المعركة التنموية التي تخوضها الجهات الحكومية وإعادة النظر في محافظ مشاريع جميع الجهات الحكومية والتدقيق في المشاريع التي مر عليها فترات زمنية طويلة وهي مازالت متعثرة ودراسة إمكانية إعادة برمجتها وتخصيصها للوصول للهدف المنشود منها في الأساس. فالتحديات التي تواجه هذه الجهات الحكومية كبيرة ولا يمكن أن تتغلب عليها بمفردها ما لم تعمل بروح التكامل وبروح الفريق الواحد وأن تضع نصب عينيها مصلحة الوطن والمواطن وهذا يتطلب من الجميع التكاتف نحو تسريع وتسهيل اجراءات تنفيذ المشاريع الممولة خارجياٍ وتقييم الإجراءات الحكومية المتبعة في الوزارات للخروج بحلول إبداعية لتسريع تنفيذ المشاريع وتسريع استيعاب التعهدات المالية الخارجية.
الشفافية والنزاهة
وتقول الدكتورة الخزان: يجب أن يْفعل مبدأ الشفافية والنزاهة في العمل بحيث لا تؤدي جهود الجميع في عملية التسريع والتسهيل في إجراءات تنفيذ المشاريع إلى تجاوز المصلحة العامة أو التشريع للفساد.. ولا يخفى على الجميع صعوبة المرحلة وقساوة الظروف التي يمر بها شعبنا في الوقت الراهن فالفقر أصبح اليوم يلقي بظلاله الكئيبة وآثاره القاسية على أكثر من نصف السكان كما أن البطالة تطال ستة من كل 10 شباب قادرين على العمل.. فالآثار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تطال شبابنا وما يمثله ذلك من مخاطر سلوكية وأمنية تقض مضاجع المجتمع وتهدد السلم الاجتماعي. فهناك مخاطر كبيرة تترتب على انتشار سوء التغذية بين أطفالنا وبصورة تهدد حياة 47% من الاطفال منهم أكثر من مليون طفل تحت سن الخمس السنوات يعانون من سوء التغذية الحاد.. وأن صبر المواطن اليمني الذي لازال متسلحاٍ بالأمل بغد مشرق ومؤملاٍ من حكومة الكفاءات الوطنية أن تعمل بجدية وبسرعة على تغيير واقعه البائس وتحقيق متطلباته المعيشية والتنموية. ونحن بدورنا نثمن الدعم الإقليمي والدولي للأشقاء والأصدقاء في تقديم الدعم لشعبنا ومن منطلق مسؤولياتهم الإنسانية ودورهم الحيوي في الحفاظ على الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي على التعاطي وبشكل جدي ومسؤول مع وضعنا الاقتصادي الخطير. فالوضع الاقتصادي والتنموي الآني صعب جداٍ وذلك بما يعيشه المجتمع من اوضاع نتيجة التحديات الراهنة وفي مقدمتها الجوانب المعيشية وتدني فرص العمل وبالتالي ازدياد البطالة فالبلد بحاجة إلى العمل المؤسسي البحت لخلق التناغم والتكامل السلس الذي يؤدي إلى تحقيق الدور والآثار المباشرة لنشاط الدولة في خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع بما في ذلك الاستفادة من تمويلات المانحين. فغياب الرؤية الاستراتيجية للدولة ساهم في تفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والتنموية على النحو الذي نعيشه اليوم.
إن المهم في هذه المرحلة هو كيف نحول تعهدات المانحين الى واقع تنموي مستقر يؤسس لحراك تنموي واقتصادي مستقر ومتطور. حيث يجب تصميم المشروعات بمراعاة البعد التنموي للمناطق النائية وتحفيز المجتمع على لعب دور إيجابي في مسار عملية التنفيذ والعمل بروح الفريق الواحد فالفرصة مواتية للحكومة الحالية بخلاف سابقاتها لإحداث تغيير حقيقي في واقع المجتمع وذلك بالنظر الى حجم التفاعل الشعبي وحجم الدعم السياسي والإرادة الجماعية لأعضائها في تحقيق إنجازات لصالح الوطن وأبنائه.. وكذلك يجب على السياسيين والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التعاون مع الجانب الحكومي لتحسين أوضاع المواطنين بجميع نواحيها والنأي عن المماحكات الحزبية والسياسية على حساب الوطن والشعب.

قد يعجبك ايضا