مرت اليمن بتقلبات اقتصادية خلال فترات زمنية متعاقبة ما أدى بها للوصول لمنحدر اقتصادي ليس بالسهل ساهم ذلك في استشراء ظاهرة الفساد وعدم معالجتها أو اجتثاث أسبابها كذلك أسباب أخرى أدت إلى التدهور الاقتصادي الحاصل في البلد..
” الثورة ” استطلعت آراء مختصين حول رؤيتهم للسياسات الاقتصادية المْتبعة خلال الفترة السابقة.. وماهية السياسة التي يجب إتباعها مستقبلاٍ لتلافي الوقوع في انهيار اقتصادي.. إلى التفاصيل :
* حدثنا في البدء هشام علي السنباني – ماجستير تنفيذي إدارة عامة عن السياسات الاقتصادية خلال الفترة السابقة قائلاٍ : لقد كان لتسابق العديد من الدول النامية – ومنها بلادنا – لتطبيق برامج الإصلاحات الاقتصادية وفق منظور صندوق النقد والبنك الدوليين العديد من الآثار السلبية بالمقارنة مع النتائج والمؤشرات الإيجابية التي حققتها تلك البرامج ويعزوا الاقتصاديون تلك الإخفاقات إلى أنه لم يسبق تنفيذ تلك البرامج تقييم دقيق لواقع كل دولة للتعرف على إمكانياتها المادية والبشرية وتحديد الصعوبات والمعوقات التي ستواجهها كما لم يتم مراعاة الهيكل الاقتصادي والخصائص الاجتماعية لكل دولة الأمر الذي ترتب عليه تعثر العديد من الإصلاحات وتسببت بتدهور الوضع الاقتصادي في تلك البلدان كما تعرضت تلك البرامج للانتقاد من قبل العديد من المؤسسات المتخصصة بما فيها المؤسسات الراعية لها.
ويضيف : ففي عام 1995م وجدت الحكومة اليمنية نفسها مضطرة لتبني برنامج الإصلاح المالي والإداري والاقتصادي بدعم كل من صندوق النقد والبنك الدوليين ومجتمع المانحين متجاهلة كافة المآخذ على تلك البرامج وذلك بهدف تجاوز الأزمة المالية الحادة التي كانت تمر بها وحل المشاكل المترتبة على دمج النظامين الاقتصاديين لشطري الوطن الضعيفين أصلاٍ بالإضافة إلى معالجة الآثار المترتبة على حرب صيف 1994م.
ومضى بحديثه : وبالرغم من النتائج والمؤشرات الإيجابية التي حققتها تلك البرامج في السنوات الأولى لتطبيقها وكان أبرزها: الحد من العجز في الموازنة العامة وتدهور سعر العملة بالإضافة إلى تخفيض مديونية اليمن الخارجية وإعطاء الأولوية للإنفاق الاستثماري والاجتماعي وإن كان البعض يعزوا القدر الأكبر من تلك النتائج إلى ارتفاع عوائد النفط خلال الفترة 1996 – 1998م والتي لم تستغلها الحكومة الاستغلال الأمثل لمعالجة الآثار المترتبة عن برامج الإصلاح تلك يضاف إلى ذلك ما ترتب على عملية التحول نحو اقتصاد السوق من تدني للإيرادات الضريبية وتدني عائدات الدولة من فائض الأرباح.. ومع ذلك فإنه لا يمكن إعفاء الحكومات المتعاقبة من مسئولية تعثر برامج الإصلاح المالي والإداري وتدهور الوضع الاقتصادي كونها لم تتخذ عدد من الإجراءات التي كان من الضرورة تزامنها مع الإصلاحات الاقتصادية وأهمها مكافحة ظاهرة الفساد التي استشرت إلى كافة قطاعات ومرافق الدولة بالإضافة إلى عدم الاهتمام بتأهيل كوادر الدولة المناط بهم تنفيذ برامج الإصلاحات المالية والإدارية كما لم يتم إرساء مبدأ الكفاءة كأساس لشغل الوظائف بعيداٍ عن الولاءات الحزبية والمحسوبية الأمر الذي وقف عائقاٍ أمام تحقيق النتائج المرجوة من تبني تلك البرامج وتسبب بتدهور الوضع الاقتصادي ورفع معدلات الفقر والبطالة وخلق بيئة طاردة للاستثمار.
معالجة العجز
* ويرى السنباني : أنه وللحد من الآثار المترتبة على الوضع الاقتصادي فلابد من إعادة نظر عاجلة للسياسة الاقتصادية الحالية وتبني إصلاحات وبرامج جديدة تتوافق مع الموجهات والمتطلبات المالية للمؤسسات الدولية مع الأخذ بالاعتبار للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به اليمن والمشاكل الإدارية والأمنية التي تعاني منها وذلك بهدف معرفة الفرص ومواطن القوة التي تمتلكها وتحديد التحديات والتهديدات التي تقف أمامها.
معتقداٍ وفي ظل الظروف التي يمر بها الوطن فلا بد على الحكومة أن تتبنى سياسة اقتصادية يكون من أهم أولوياتها معالجة العجز في الموازنة العامة للدولة وذلك من خلال زيادة الإيرادات الضريبية سواء بتفعيل الإجراءات العقابية ضد المتخلفين عن السداد ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي وزيادة الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية الواعدة كالزراعة والثروة السمكية والعمل على تشجيع الصادرات غير النفطية وحماية الصناعات المحلية بالإضافة إلى توجيه عوائد النفط نحو الإنفاق المنتج وليس النفقات الجارية وتفعيل كفاءة الإنفاق العام وفق رؤية اقتصادية وتنمية إستراتيجية تضمن تطوير وتنمية القدرات البشرية باعتبارهم محور التنمية والاستغلال الأمثل لموارد الدولة المحدودة وخلق بيئة جاذبة للاستثمارات كما يجب وضع معالجات عاجلة للآثار المترتبة على الارتفاع المتفاقم لعبء الدين العام الداخلي المتمثل بأذون الخزانة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة الثقة مع المانحين والعمل على تحقيق التنسيق والتكامل بين السياستين المالية والنقدية هذا ويعتبر الضامن الرئيس لتحقيق كل تلك الإجراءات هو توفر الإرادة السياسية الجادة لتنفيذ هذه الإصلاحات وتذليل كافة الصعوبات التي تواجهها وأهمها مكافحة الفساد باعتباره العائق الأكبر أمام أي برامج تنموية أو إصلاحات اقتصادية.
أول خطة خمسية
* من جانبه يستذكر سلطان أحمد العليمي مدير مالي في الجمارك اليمنية السياسة الاقتصادية السابقة قائلاٍ : خلال الفترة التي تلت قيام ثورة 26 سبتمبر لم يكن هناك أسس ومعايير وخطط اقتصادية سوى فترة رئاسة الشهيد إبراهيم الحمدي من العام 74 وحتى العام 1977 م حيث وضعت أول خطة خمسيه في تاريخ اليمن وحدث نمو اقتصادي ملحوظ في فترة وجيزة كان ركيزته الأساسية تحويلات المغتربين وقيام العديد من المشروعات الرأسمالية والاستثمارية في مجالات عديدة أدت إلى نمو وحراك اقتصادي ملحوظ ناهيك عن التشجيع والدعم اللامحدود للتعاونيات لاسيما في الجوانب الزراعية وشق الطرقات والتعليم والصحة على حد سواء إضافة لوجود توجه صادق لاقتلاع الفساد المالي والإداري من جذوره من خلال لجان التصحيح آنذاك الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تنمية موارد الدولة وتحقيق معدلات عالية في الناتج القومي الإجمالي وميزان المدفوعات ونسب عالية في مستوى دخل الفرد بشكل لم يشهد له مثيل..
وأردف : كل هذه العوامل والعوامل الأخرى الايجابية التي رافقت تلك الفترة أدت إلى بروز اقتصاد متنامي في اليمن أذهل العالم والإقليم التي لو استمر الوضع في البلد بنفس الوتيرة لكانت اليمن من الاقتصاديات ذات الرقم الصعب في المنطقة والإقليم وليست مبالغة إذا قلت والعالم.. أما فيما تلا تلك الفترة فقد جاء على النقيض تماما حيث جرى الهدم والتدمير لكثير من المشروعات والخطط وتعويم العملة وزيادة معدلات التضخم الأمر الذي أنهك كاهل المواطن بشكل ملحوظ ناهيك عما تسببت به حرب الخليج الثانية عقب الوحدة اليمنية عام 90م وعودة مئات الآلاف من المغتربين في دول الجوار علاوة على استشراء الفساد والفاسدين وزيادة معدلاته وزيادة الإنفاق وشراء الذمم والولاءات كل ذلك أنهك الاقتصاد رغم وجود النفط..
ويرى العليمي : بأن السياسة الاقتصادية خلال الفترة القادمة بحاجة إلى وجود استقرار سياسي أولا وبذل جهود كبير ة لمكافحة الفساد وثانيا العمل على وضع خطط اقتصادية لتنمية مواردنا الزراعية والسمكية والسياحية والبحث عن مصادر جديدة للطاقة والتعدين وسن التشريعات واتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية الاستثمار والعمل على جذب المستثمرين للداخل لاسيما رأس المال المهاجر ولكن كل ذلك مرهون بتحقيق الأمن والاستقرار وسيادة القانون ليكون هو الذي يحمي ويصون جميع الحقوق والحريات في المجتمع..
توفر الأمن
* أما خالد الخولاني – مدير عام مكتب الصناعة والتجارة بالأمانة فيقول : السياسة الاقتصادية المتبعة غير مستقرة وآلية التطبيق متقلبة وغير ثابتة وهدفها غير طويل المدى فهي تعالج أوضاعاٍ آنية فقط ولا تخدم الاستقرار الاقتصادي للبلد مستقبلا حيث يتطلب الوضع إيجاد بنية تحتية لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي إضافة إلى توفر الأمن ومكافحة الفساد وتفعيل الجهات الرقابية ومواكبة دور القضاء بالإضافة إلى ذلك لابد من الاستقرار السياسي لحكم البلد..
كما أن الاقتصاد الآمن يتطلب توجهاٍ من القيادة السياسية في مجال تشجيع الصناعة وأن ترى المنطقة الحرة النور والدخول بشراكة مع القطاع الخاص وتقديم التسهيلات للرأسمال الأجنبي للاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة والحصول على الآلات والمعدات والتقنية الحديثة..
خطوط عريضة
* من جهته يقول عبد الوهاب السبسب محاسب بالمؤسسة العامة للاتصالات: شهدت اليمن نهضة اقتصادية كبيرة في الفترة الرئاسية للرئيس الحمدي حيث بدأ برسم ملامح للاقتصاد اليمني باستحداث خطة خمسية حيث ارتفع قيمة الريال لكن وبعد اغتيال الرئيس الحمدي تم توجيه عجلة الاقتصاد إلى الركود ومحاربة الزراعة والأعمال والحرف اليدوية وتم الاعتماد على الخارج في استيراد كل شيء من فواكه وحبوب ومواد أولية وأدوات منزلية وزراعية وكانت تلك خطوات أولى وموجهة لضرب الاقتصاد المحلي والتجاري وكانت السياسة الاقتصادية موجهة لجعل الشعب مستهلك لا منتج كما كانت تهدف إلى جعل اليمن سوقاٍ لمنتجات خارجية.. ومن جانب آخر الاعتماد على المعونات التي كانت تقدمها الدول المانحة لليمن أيضاٍ الثروات الوطنية والتي كانت تذهب لأشخاص نافذين في اليمن وهذا أدى بدوره إلى هبوط سعر الريال من ريالين ونصف في السبعينيات إلى 50 ريالاٍ في الثمانينيات وفي التسعينيات صعد إلى أكثر من 150 وبعدها إلى أكثر من 200..
ويرى السبسب : لابد من العمل على استنهاض الشعب من مستنقع الفساد والتخلص من رموز الفساد والتحرر من هيمنة الدول المستغلة للثروات والمتحكمة في قراره كذلك البدء باستدعاء أصحاب الخبرات والكفاءات في اليمن في المجال الاقتصادي ووضع خطوط عريضة لرسم ملامح اليمن الجديد بعيداٍ عن الهيمنة الخارجية..
قد يعجبك ايضا
