عن كتاب ” مسرح شباب الربيع و ما بعده في اليمن ” للكاتب هايل المذابي


مؤلفه هو الكاتب والناقد هايل المذابي وهو باحث رصين له إسهامات كثيرة في الكتابة عن المسرح توثيقا ونقدا ودراسة . والكتاب الذي بين أيدينا هو آخر نتاجاته في هذا الشأن . كتاب ” مسرح شباب الربيع وما بعده في اليمن ” دراسة نقدية بين فعل التثوير والتغيير ومسرح شباب الربيع وما بعده في اليمن ” لهايل المذابي يقع في 74 صفحة الكترونية وصدر عن سلسلة حروف منثورة للنشر الالكتروني , يناير 2015 م.
يقوم الكتاب على عرض نظري ومن ثم التطبيق النقدي على نص مسرحي مطبوع يتناول الثورة والتغيير وهو مسرحية ” ملامح شظايا ” الفائزة بجائزة دبي الثقافية للعام 2011 م للكاتب عبدالخالق سيف الجبري والنص – بحسب المذابي – أول عمل مسرحي يمني تعاطى دراميا مع موضوع الثورات العربية .
عبر الفصول العشرة للكتاب ,يقدم المؤلف استعراضا فكريا للاتجاهات الأساسية في المسرح كفن ورؤية وإبداع , وهي تصورات صميمية تبلورت حول المسرح عبر تاريخه الطويل .
المسرح كونه فعل تطهير أم فعل تثوير وتغيير , بهذا التساؤل يتناول الكتاب المسرح الدرامي عند أرسطو والمسرح الملحمي عند بريخت بوصفها اطر نظرية يقوم عليها فن المسرح . المسرح باعتباره فعلا والفعل يعني القدرة على تغيير أوضاع تؤثر في عالم الموجودات كون المسرح ليس ألا فعلا تغييري يسعى إلى أثبات الذات وتحقيق الوجود ..ثم يطرح الكتاب سؤالا ما هي غاية الفعل ,هل هي التطهير أم التثوير والتغيير ¿ ..وللإجابة على هذا السؤال الصميمي في فلسفة الفنون المسرحية يطرح الكتاب كل مفهوم على حدة ” التطهير ” و”التثوير ” و”التغيير ” فأرسطو قدم نظرية ” الكاترزيس” – التطهير – في كتابه ” فن الشعر “والتي تفترض أن على المسرح أن يجعل المتلقي
بالضرورة يتطهر من مخاوفه الحقيقية على الواقع بطريقة مقبولة فنيا وجميعها صور ومشاهد غير مقبولة البتة واقعيا , لكن المسرح يعالجها فنيا ويظهر المتلقي منها فنيا ولا يتحقق التطهر ألا بالمشاركة الإدراكية والوجدانية والحركية
بين العمل المسرحي والمتلقي , فحين يعرض العمل المسرحي لا اخلاقيات وخطايا النفس البشرية فانه يساعدنا على تجاوزها والتطهر منها على الواقع وتلك هي غاية المسرح بحسب نظرية ” الكاترزيس ” لأرسطو .
النظرية الثانية هي أطروحة المسرح الملحمي عند برشت , وهذه النظرية تستفيد من فكرة البطل الملحمي حيث التغير مستمر في أفعال الشخصية الملحمية على غير البطل الدرامي
لثابت الطباع .
وذلك ما يشكل فارقا واضحا في المعالجة المسرحية للإحداث والشخصيات وهكذا تختلف أسس ومنطلقات المسرح الدرامي عن نظيره الملحمي واللذان يستندان فلسفيا على فكرتين نقيضتين هما المثالية عند هيجل والتي تقول أن الفكر سابق للوجود و ذلك ما يتبناه المسرح الدرامي و في المقابل المادية عند ماركس التي تقول أن الوجود سابق للفكر وذلك أساس المسرح الملحمي .
بعد عرض نظريتي المسرح الدرامي التطهري والمسرح الملحمي التغييري واللتان تختلفان كثيرا فيما بينهما وتتفقان على فكرة أن المسرح فعل وليس مجرد سلوك , يصل الكاتب عبر طرح جدلي تركيبي إلى حقيقة أن التطهر والتغيير هما وجهان لعملة واحدة طالما انهما يحققان الارتقاء بالإنسان وتخليصه مما يخيفه أو يعيقه ويرى الكاتب أن النظريتين التقتا في المسرحية قيد الدراسة وأن الملحمي ما هو ألا امتداد للدرامي .
بعد وضع الإطار النظري , ينتقل الكاتب إلى قراءة مسرحية ” ملامح شظايا ” ليستقرءها مضمونيا وفنيا , فيعرض لجوانب من الحوار و ا لشخصيا ت .ابتداءا مع رمزية أسماء الشخصيات داخل المسرحية ” رجل السلة ” , “كاتلوج السيد الكبير ” ليكشف ما وراءها من دلالات , فرجل السلة يحيل إلى كل ما يقولب المجتمع ويضعه في نمطية جامدة , ” السيد الكبير ” هو رمز لرجل الدين أو للحاكم المستبد أما الشخصيات المغطاة فترمز للطليعة من المجتمع الذين يؤمنون بالحقوق والحريات وكما يشير المذابي في دراسته فان الأسماء داخل المسرحية ارتبطت جوهريا وموضوعيا بفكرة الثورة والتمرد والرفض .
المسرحية ذات الخمسة مشاهد والتي يتناولهاالكتاب كمثال تطبيقي لمسرح شباب الربيع العربي تقدم معالجة رمزية للواقع العربي و تدور إحداثها حول قصة ” رجل السلة ” وهو مؤلف مسرحي يسعى لإرضاء سيده الغامض عن طريق تقديم نصوص تقدمها مسرحيا شخصيات كثيرة تنتظر دورها في الظهور وهي تحت أغطية من القماش , والتي سرعان ما تثور على رجل السلة كاتب المسرحيات ومخرجها إذ تبدأ الشخصيات بالخروج عن النص تحقيقا لذاتها وانتصارا لإنسانيتها المسلوبة ومع الوقت يتضح لرجل السلة أن كاتب الخاتمة لنصوصه المسرحية هو ضميره الذي خانه ليقف مع الشخصيات وتنتهي المسرحية بإحراق رجل السلة وسيده .
فكرة الكتالوج داخل المسرحية تشير إلى المرجعيات و التعميمات السابقة التي وجدنا أنفسنا عليها في مختلف جوانب الحياة . انها تمثل مؤسسات الدين والدولة والتربية والأسرة والعمل التي جعلت من الفرد عبدا خاضعا لها فاصابته بالاغتراب عن نفسه وعن واقعه وفرضت عليه نسقا مسبقا في السلوك والتفكير والفعل واستفحلت هذه الحالة الاغترابية لتقود إلى التفكك الاجتماعي واختلال القيم والتبعية والطبقية وسلطوية الانطمة وغياب الديمقراطية . وفكرة رفض التقليد أو الإتباع والثورة عليها هي فكرة أصيلة في المسرحية فالثورة على القيم هي السبيل الوحيد لتغييرها .
الكتاب إضافة نوعية لمكتبة المسرح اليمني الذي لا يزال بحاجة إلى إثراء نقدي وبحثي يكشف عن الجماليات و يؤصل للرؤى والمعالجات الخلاقة .

قد يعجبك ايضا