¶المشهد السياسي اليمني انعكاس لتراكمات الماضي والحيلولة دون تفاقم التداعيات مرهون بمدى سمو اليمنيين على الجراحات
¶الأمن القومي هو منظومة الاستراتيجيات الحامية للوطن معيشياٍ واقتصادياٍ وثقافياٍ
¶ القوى السياسية مهددة بالسقوط ما لم تعد تنظيم نفسها وتتحمل مسؤولياتها الوطنية تجاه اليمن أرضاٍ وإنساناٍ
في تأصيل مفاهيمي وقراءة محايدة لواقع الأمن القومي اليمني الشامل أكد المحلل السياسي والثقافي رئيس المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل المهندس عبد الرحمن العلفي أن أمن اليمن القومي الشامل لا يعني العمل الشرطوي والأمني والعسكري بقدر ما هو منظومة من الاستراتيجيات الحامية للوطن على مختلف الصعد الحياتية..
مؤكداٍ في حوار صحفي لـ الثورة : أن أمن وطننا القومي اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الأزمات وما يترتب عليه من توسيع الأجهزة الأمنية والشرطوية والاستخباراتية بقدر ما يحتاج إلى تفكير استراتيجي يرافقه برامج عملية تؤمن العملية البنوية لمؤسسات الدولة لما من شأنه تعزيز عوامل الأمن القومي اليمني أمنياٍ ومعيشياٍ واقتصادياٍ وثقافياٍ وتكوينياٍ معرفياٍ.
وتطرق العلفي في حوار صحفي لـ”الثورة” لمجمل القضايا المتصلة بالمشهد السياسي اليمني وواقع القوى السياسية اليمنية وواجباتها الوطنية والقومية تجاه المجتمع في المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن السياسي المعاصر وملفات الإرهاب وأثرها على المجتمع اليمني.. وغيرها من القضايا ذات البعد الاستراتيجي في أمن اليمن القومي الشامل….. إلى التفاصيل
• واليمن تمر بهذه الظروف العاصفة والاستثنائية كيف تقرأون واقع الأمن القومي اليمني من منطلق التأصيل المفاهيمي لجوانب الأمن القومي الشامل¿
– لا شك أن المرحلة التي تمر بها اليمن ذات خصوصية بالغة من التعقيد ومن الأهمية بمكان الحديث عن الأمن القومي اليمني الشامل في مثل هذه الظروف التي تهدد اليمن أمنياٍ وسياسياٍ واجتماعياٍ وثقافياٍ ومن منطلق التأصيل المفاهيمي تجدر الإشارة إلى الأمن القومي ليس عملاٍ شرطوياٍ واستخباراتياٍ أو أمنياٍ كما يتبادر إلى أذهان بعض النْخب وإلى أذهان العامة.. بل الأمن القومي تعبير شامل لمنظومة مترابطة من الاستراتيجيات والخْطط والبرامج البنيوية والنهضوية بعيدة المدى تتعلق بتأمين وضع البلد على المستوى المعيشي والتكويني المعرفي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني والثقافي والفكري.. وهي كلها تشكل منظومة واحدة تعني بحماية الوطن من تحديات الموارد الداخلية وحراسته من العدائيات الخارجية إضافة إلى تهيئة المناخات المناسبة والفرص الناهضة بالبلد في الداخل من أجل تعزيز أمن المجتمع القومي على مختلف الصعد المذكورة…
• من هذا التأصيل.. ما الأهم في أجندة الأمن القومي اليمني أو بالأحرى ما الأولويات الأهم على طريق تحقيق أمن قومي شامل.. ¿
– عندما نفكر ونعمل ونرسم الخطط في وضع البلد المعيشي بشكله العام (الغذاء الكساء الدواء) فهذا هو العنوان الأمثل لأمن البلد القومي بل الأولوية الرئيسية والمحورية في دوائر الأمن القومي الشامل للوطن.. عندما نفكر بطريقة استراتيجية لتحديد الوضع الاقتصادي الذي يمكن أن تكون عليه اليمن بعد عشر سنوات أو عشرين سنة أو ثلاثين مع الأخذ بالاعتبار البرامج العملية الكفيلة بتنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات.. فهذا جزء من التخطيطي الاستراتيجية من أجل تحقيق الأمن القومي الشامل..
عندما نهتم بالأمن والسكينة والتعايش بين كل التنوع والمختلف في البلد على الصْعد العقدية والسياسية والفكرية.. فهذا الأساس والمحوري في رسم الصورة الذهنية الأنصع عن حضارية المجتمع اليمني وبما يعكس مستوى راقياٍ من العلاقات المتكافئة مع المحيط الإقليمي والدولي وهذا جزء من الأمن القومي اليمني الذي يتوقف عليه تعامل الجار الإقليمي والصديق الدولي مع دولة ووطن وشعب اسمه اليمن سواء على المستوى الدبلوماسي من خلال البعثات والخطاب الرسمي من وإلى اليمن أو على المستوى الشعبي من خلال حضور الجاليات اليمنية في الخارج ولدى شعوب الشرق والغرب.. عندما نفكر في إعادة بناء نسيج العلاقات اليمنية اليمنية بين الداخل ومع الهجرات والجاليات اليمنية التاريخية في المحيطين الأفريقي والأسيوي هذا جزء أصيل من مقومات الأمن القومي.. لذا فإن المفهوم الحقيقي والحديث للأمن القومي بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية يقوم على قاعدة عريضة من ضرورات الإدراك بأهمية التفكير والتخطيط والعمل على تحقيق ما سبق ذكره خصوصاٍ في هذه المرحلة الصعبة.. فلسنا اليوم بحاجة إلى مزيد من ضياع فرص العمل والتوجه نحو أمن قومي شامل للوطن بل نحن بحاجة إلى تفكير قومي استراتيجي حقيقي من شأنه تحديد موقع اليمن من الفضاء الدولي بحاجة لتفكير استراتيجي يعيد مسار العمل السياسي الوطني إلى مسار التنافس النزيه والتعاون الصادق لتنمية أمن واقتصاد واستقرار اليمن الموحد..
• أمام هذه الأجندة الهامة على طريق الأمن القومي الشامل تعيش اليمن حالة سياسية استثنائية من المخاضات والتحولات على الصعيد السياسي.. فكيف تنظرون لهذه الحالة التي تعيشها اليمن ¿
– ما تمر به البلد من مخاضات وتحولات عكست بتفاعلاتها خصائص جوهرية على قدرة اليمنيين على تجاوز الصعاب والتحديات هي بداية عنوان الحقيقة ربما لأن الخلاف والصراع سنة الحياة وأن اشتداد الظروف تعني بدايات انفراجها ويجب علينا أن نتفاءل ولا نتشاءم أو نشعر بحالة من الإحباط فما تشهده البلد من حراك شعبي يبحث عن قيم التعايش والانفلات من قيود الماضي والجمود السياسي إلى فضاء الحاضر وأفق المستقبل والدولة المدنية الحديثة.. وكنا نتمنى أن يحدث هذا من قبل لكننا كنا في حالة موات واليوم نحن في حالة بعث جديد مهما كانت التحديات والصعاب والمسألة الأهم هنا هي كيف نـحسن توجيه هذا الحراك الوطني باتجاه حلم اليمنيين المنشود الدولة المدنية الحديثة والقوية القادرة على تحقيق وتحصين وتأمين البلاد سياسياٍ وسيادياٍ واقتصادياٍ ومعيشياٍ..
• هل نفهم من هذا أن المشهد السياسي الحالي لا زال جزءاٍ من تبعات الماضي.. وليس لتفاعلات الحاضر دور في تعقيده ¿
– بكل تأكيد المشهد السياسي اليمني حصيلة تراكمات من المشاكل المرحلة من الماضي وهذا أبرز ما يعاب وما يثقل كاهل البلاد بأسرها وبقواها السياسية ونخبها المثقفة والعالمة واستتباعاٍ لذلك فمن الطبيعي أن يكون المشهد السياسي اليمني بدرجة عالية من التعقيد والتباين والتداخل وذلك لأن القوى السياسية التي عاشت ثلاث مراحل من العمل السياسي تتمتع كل مرحلة بخصائص معينة ومغايرة لخصائص المراحل الأخرى…
• مقاطعاٍ- ما هي هذه المراحل..¿
– المرحلة الأولى هي مرحلة ما بعد النظام الجمهوري (الجمهورية العربية اليمنية) و(جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وهذه المرحلة لها خصوصيات ذات أبعاد خطيرة وثقيلة إذ رحلت معضلات الفقر والجهل والتصدعات في الكيان اليمني الواحد بسبب الإمامة في الشمال والاستعمار والتنافر بين دويلات وإمارات وسلطنات ومشيخات متعددة في الجنوب..
المرحلة الثانية: هي مرحلة ما بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وما تميزت به من تفاعلات كانت إيجابية وحضارية لكنها انتهت بصراعات سياسية أنتجت واقعاٍ مثقلاٍ بالأخطاء التي أساءت للمشروع الوحدوي المصيري لكل اليمنيين- وباعتراف كل الساسة الذين عاشوا وصنعوا المرحلة- وهي حرب صيف 94م التي أفضت إلى أزمة 2011م وما تلاها من تصدعات في مسار العمل السياسي اليمني..
أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة اليمن الاتحادي الذي ارتضاه اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومن الطبيعي أن تكون هذه المرحلة مليئة بالتناقضات والتنافر لدى الأحزاب والتنظيمات والقوى الوطنية المشترك وشركاؤه والمؤتمر وحلفاؤه أنصار الله والحراك الجنوبي وما إلى ذلك.. ولكن مع هذا التناقض والخلاف فهي ظاهرة اجتماعية سياسية طبيعية وفي نفس الوقت ظاهرة بالغة الأهمية لأنها تعطي مؤشراٍ أكثر وضوحاٍ للشعب عن مناهج القوى السياسية القديمة التي كانت متحالفة مع بعضها وتنافرت اليوم لتجد نفسها أمام متغيرات جديدة غيرت قواعد اللعبة السياسية برمتها…
• من هي هذه القوى السياسية.. ¿ وما المتغيرات الجديدة.. ¿
– المؤتمر وحلفاؤه والمشترك وشركاؤه كانوا هم القوى التي تتحالف والتي تتنافس على قاعدة عريضة من الجماهير ومناهج معروفة صار الشعب على إدراك كبير بهذه المناهج القائمة على التحالفات..
أما المتغيرات الجديدة التي غيرت قواعد اللعبة السياسية فأهمها مكون أنصار (الحوثيون) كمتغير جديد فرض واقعاٍ آخر لم يكن في حسبان القوى السياسية قبل سنوات الربيع.. وهذا المتغير هو الأكثر حضوراٍ وجدلاٍ في هذه الظروف ونظرة الناس إليه وتفاعلهم معه يعكس حالة الغضب والملل من القوى السياسية التي حكمت منذ نهاية الدولة الشطرية التي أعلن فيها ميلاد اليمن الموحد يمن الثاني والعشرين من مايو 1990م.. إضافة إلى متغير الحراك الجنوبي الذي دخل ضمن قواعد التقاسم السلطوي وفق اتفاقية السلم والشراكة ووفق مخرجات الحوار الوطني الشامل..
• بالعودة إلى محور حوارنا أستاذ عبد الرحمن.. أمام هذا المشهد السياسي اليمني المتداخل.. ما هو المطلوب وما الواجب على هذه القوى لتساهم في استراتيجيات أمن اليمن القومي الشامل..¿.
– على القوى السياسية اليمنية القديمة والحديثة بكل توجهاتها ومشاربها أن تعيد تنظيم نفسها وإعادة النظر والقراءة في برامجها وقواعد المنافسة التي تتبعها فليس من العقل أن تؤدي الخلافات في الرؤى والتوجهات إلى صراعات وحروب تنهك البلد ومقدراتها وتضر بأمنه القومي الشامل.. وعليها أن تدرك أنه بدون الأخذ في الاعتبار أن اليمن هي إطارنا العام ومظلتنا جميعاٍ ستدمر صراعاتنا وخلافاتنا كل شيء.. فمن أهم ركائز وعوامل أمن اليمن القومي هو أن الإحساس الوطني بضرورة التضحية والتنازل عن كل شيء حين تتعلق المسألة بأمن اليمن وسمعتها وعراقة إنسانها الحضاري وهذا التنازل والتضحيات هو المطلوب من الكل القوى السياسية في الظروف الصعبة..
• انطلاقاٍ من ملامح المشهد اليمني العام ومعطياته التاريخية.. برأيكم كيف ينظر المجتمع الإقليمي والدولي اليوم لواقع اليمن السياسي والاجتماعي¿
– المجتمع الإقليمي ينظر إلى اليمن بترقب عجيب خاصة الذين لديهم حظ في التاريخ والثقافة وثقافة الأمم ينظرون إلى اليمن على أساس أنه مركز الفعل الثقافي والاجتماعي والسياسي لدول الإقليم بشكل عام ولا أبالغ إذا قلت أن له تأثيراٍ على المجتمع الدولي إذا ما استبعدنا الحديث عن اليمن في ظل الخصائص التي يتسم بها راهنه السياسي الحالي من وهن وتشظ لكن مع ذلك يظل مبعث هذا الترقب وبإيجابية هو الدور العظيم الذي لعبته اليمن على الصعيد الحضاري عبر القرون المتعاقبة إذ ينظر أخصائيو التاريخ الفكري والثقافي المنصفون أن اليمن تنبعث من الأزمات متجددة بعراقتها الحضارية بل هذه النقطة هي مثار التفاؤل المعهود لدى كل العقلاء اليمنيين وبالتالي عليهم أن يستعيدوا توازن سفينتهم في يِم الحاضر المتلاطم الأمواج من هذا المنطلق التاريخي.. ولا أنسى هنا أن أكرر ما قلته سابقاٍ وهو أن على القوى السياسية اليمنية أن تعيد تشكيل نفسها لما يخدم الوطن إذ لا مكان لمن يعمل بذاكرة اليأس والإحباط..
• هل نفهم من هذا أن القوى السياسية وصلت مرحلة اليأس.. ¿ وما التحديات التي تواجه البلد والقوى السياسية..¿
– ليس بالضرورة وصولها لهذه المرحلة حتى نوجه لها هذه الدعوة ولكن هناك تعقيدات كبيرة ومحبطات أكبر وطبيعة القوى السياسية اليمنية عاشت في الفترة الماضية متكافئة واعتمدت على السلطة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ولذا فإن الأحزاب الحاكمة والمعارضة لها على مر الحقب الماضية هي التي تترنح في هذه المرحلة ذلك لأنها لم تعتمد يوماٍ ما على قواعدها وعلى جماهيرها لكنها كانت جميعها تتكئ على السلطة وعلى الخزينة العامة للدولة ولم تعتمد الأحزاب على التجديد والابتكار في الموارد والسياسات وإذا لم تعد تنظيم نفسها ورايات عملها الجماهيري فستنتهي..