علي حسين علي حميدالدين
الأقدار كثيرة ونحن فيها لا نعلم ماذا سيكون، لكننا نحيا بأضواء خفيفة، تلك الأضواء هي التي تخط حياتنا، عندما كنا صغاراً لم نكن نعلم، وعندما كبرنا في العمر ذهبنا نحو الموت، الموت يأتي تدريجيا لمن لا يعرف، وهكذا نتجه بالبداية إلى النهاية، والخيال هو رفيق دربنا جميعا، حياتنا خيال وهنالك من يكتب، من الواقع والخيال ما ستجدون هنا عن بشرى .
كنت صغيرة حينها ألعب مثل الفتيات.
أختي تلعب بجانبي وأنا أشد الحبل .
أبي يأتي ليرانا، فيضحك .
أما أمي فكانت تضع لنا الطعام .
ألبس ثيابي تلك الجميلة .
كنا أنا وأختي دائما نتطلع لحياه جميلة.
أما اخوتي فهم يلعبون خارج المنزل .
أفكر أحيانا، هل سنكون سعداء؟.
وتارة أخرى أفكر هل نحن أحياء؟.
لم أكن أعلم أن المرء يولد بمرض ما .
عندما كنا نذهب لأماكن بعيدة، كنت سعيدة جدا.
وعندما نعود للمنزل، كان المعتاد الممل .
مراحل الحياة متعددة، لكننا لا نذكر شيئاً .
ما نذكره هو تلك اللحظات الحزينة دائما .
هنالك من يحيا كثيرا، لكن قدري كان العشرينيات من عمري.
يا بشرى كوني متفائلة يا ابنتي، بالتأكيد يا أمي سأكون كذلك .
في بعض الأحيان كنت أخلد إلى النوم فأجد نورا يأتي إليَّ .
أقوم بعدها للصلاة، ولم أكن أصدق .
لعله ذلك الضوء الذي يأتي لمن سيرحل .
تتجه أمي للحياة، وكنت أبتعد قليلا .
ولعلي كنت طفلة مرحة أيضا .
ما أجملها السماء عندما كنت أنظر إليها .
تأتي الشمس صباحا، فأجد يوما جديدا .
أين أختي يا أمي، كانت تذهب للمدرسة، وحينها كنت أساعد أمي في بعض الأحيان.
أبي دائما مشغول في عمله، لكنه يحس بي كلما رآني .
وعندما أتجه لتلك الثياب التي في دولابي، أشعر أنها لا تناسبني، فأرى ذلك النور في وجهي بثياب بيضاء .
هل ستأتين معنا يا ابنتي لعرس صديقتك !
سوف أرى !
أفكر بعدها لماذا الجلوس في المنزل هكذا؟!
فلنذهب لعل النور الأبيض يذهب من لديك .
لم تكن أمي تحس بما أحس به .
هم يمرحون ويتبادلون التحايا وعيناي تقولان يا لها من حياة قصيرة .
أختي تذهب من جانبي فأراها بعيدة .
أما أمي، فلعل صوتها هو الذي يظل في خاطري .
ما هذا الذي حصل؟، لعله الفراق على مراحل الأيام، أو السنوات من عمري.
أما زوجي فلعله يذهب بعيدا عني بلا شعور .
ما بالك يا زوجتي حزينة؟!
لا أعلم !
كنت أفكر لماذا الأضواء بدأت تخف؟.
ذلك الطفل في أحشائي يكبر .
لكن أمه لا تنظر إليه .
يتحرك دائما، وروحي تبتعد عنه ,
زوجي إلى جواري، لكنني كنت أراه مع امرأة أخرى .
هل غادرت روحي حياتي، ماذا ؟!
الألم يشتد، وهذه هي الولادة.
وقبلها كنت أشكوا من الوجع الذي أثر عليَّ .
فرحوا جميعا بأنني قد وضعت مولودي الأول، وأخذته إلى حضني، لكنه ذهب لأراه يرضع من غيري .
ماذا يحدث لي ؟!
قرروا أخذي للطبيب لكي يراني، وعند الطبيب كانت الأضواء أيضا خافتة .
تلك الممرضة إلى جانبي، ووالدي يقول ستكونين بخير يا ابنتي .
كان أبي يأمل بأنني سأكون في أفضل حال .
وكان يفكر دائما بنقلي للعلاج في الخارج .
لكن الأمر جاء مخالفاً لكل ما كان يدور في بالي .
لعل العملية ستكون مناسبة هنا، هذا ما قاله الجميع .
أمي لعلها فرحت بأنها ستكون معي هنا إذا ما أجريت العملية لي .
ولعلي أيضا كنت سعيدة، كون ابني الرضيع لن يفارقني .
عدنا للمنزل وقرر الطبيب إجراء عملية للقلب .
تلك العملية التي قالوا إنها لن تكون صعبة .
وكنت أصلي في المنزل كما أنا دائما، وادعو الله أن يوفقني لذلك .
اخوتي واختي ووالدي ووالدتي وجميع من يعرفني اتجهوا للصلاة لكي تنجح عمليتي.
ذهب أبي ليدفع التكاليف للمستشفى .
وكان المستشفى هنالك وليس ببعيد .
فعاد والدي وقد تأكد موعد العملية .
وقبلها كانت الصمامات قد وصلت من الخارج .
لكن مقاسها لم يكن مناسبا .
فماذا حدث؟
دخلت غرفة العمليات لأجد نفسي خارج الحياة .
تلك المغذية التي وضعوها في يدي كانت تتجه بي نحو الوفاة.
رفعت عيني وقلت يا رب .
وكان الطبيب على استعجال من أمره، فأخذ يبدأ بخطوات العملية .
هنالك من يقول له إن المقاسات مختلفة، لكنه يقول إنه طبيب ماهر .
ولحظات وأخذ الطبيب تلك المقاسات للصمامات التي تم إحضارها من بلد آخر .
فوجد الطبيب نفسه في ورطة مع القدر .
ماذا يصنع وقد أصبحت بين الحياة والموت؟.
ازداد النزيف لدي .
ذهب أبي ليحضر الدماء .
كانت تلك الدماء كثيرة.
لكنهم فاجأوه بأنني قد مت.
مستحيل ذلك على الجميع .
وقد كنت أحسست بذلك مسبقا .
لكن الذي لم أستوعبه، كيف سيحيا طفلي؟ .
ذهبت بقدمي إلى نهايتي وموتي .
فماذا الآن يا ترى؟
هي قصة مثل تلك القصص التي لا يفكرون بعواقبها مسبقا .
البرد هو ما أجده حولي .
ذلك السرير الذي يخافه الجميع .
وتلك الثلاجة التي كانت نهايتي فيها .
أبي كنت أحبك كثيرا، أمي لم أكن أفكر بأن حياتي ستكون قصيرة هكذا .
اختي أرجو الله لكِ حياة أفضل، واخوتي لا تنسوني من الدعاء .
وداعا جميعا .
هذه أنا بشرى .
وانتهى كل شيء.
