المهندس هلال الجشاري لـ »الثورة«: إحلال 2,800 طن دجاج محلي يمثل قفزة نحو قرار سيادي بوقف الاستيراد الكامل

أعدنا الحياة إلى أكثر من 800 هنجر، و200 مزرعة استفادت مباشرة من الزراعة التعاقدية

 

تمكنّا علميًا من استبدال 75% من الذرة المستوردة بالدخن المحلي.. وحققنا شبكة أمان لمدخلات المزارع التي تشكل 70% من التكلفة

إقرار تسعيرة الكيلوجرام بـ 1550 ريالاً للمجمد ينهي جشع الوسطاء ويعيد الثقة للمربي والمستهلك

الثورة/ يحيى الربيعي

يشهد قطاع الدواجن المحلي تحولاً جذرياً ومدروساً، إذ انطلقت خطة تنموية متكاملة لم تهدف إلى تعزيز القدرة الإنتاجية فحسب ، بل رسمت مساراً استراتيجياً نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من لحوم الدواجن المجمدة، وفي الوقت ذاته، ضخّت دماءً جديدة في شرايين الاقتصاد الريفي الواعد. تلك الإنجازات لم تتوقف عند مجرد الأرقام الكمية، بل امتدت لتشمل جوانب تنظيمية، استثمارية، وبحثية عميقة، مما يشي بمستقبل مستدام وراسخ للقطاع.

حجر الزاوية للانطلاق

وفي تصريح خص به «الثورة»، قال المهندس هلال محمد الجشاري، ضابط سلاسل القيمة للدواجن والبيض بوزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية: لقد تأسست خطة النهوض على إطار معرفي وتخطيط استراتيجي جوهري، يقوم على الفهم الدقيق للواقع الحقيقي للقطاع. وتجسد هذا الفهم في تنفيذ مسح شامل للبنية التحتية، الذي أثمر عن «معرفة دقيقة وشاملة للطاقة الإنتاجية والاستيعابية الفعلية للمزارع والمسالخ، وتحديد كمية الاحتياجات الدقيقة من المدخلات كالأعلاف والأدوية»، وذلك بحسب مصادر التخطيط. وقد وفر هذا المسح «بيانات أساسية موثوقة سمحت بصياغة خطط واقعية وتوجيه الاستثمارات والتدخلات التنموية نحو مناطق وأنشطة محددة تحقق أقصى استفادة».

وأضاف «كما جاءت دراسة سلاسل القيمة للدواجن (التجاري والبلدي) لتحدد الوضع الراهن لكل مرحلة في سلاسل الإمداد وتكشف عن الفجوات التي تعيق الكفاءة، ووضعت في ضوئها مصفوفات وخطط تنفيذية موجهة. هذا التدقيق الاستراتيجي ضمن أن تكون التدخلات مستهدفة وذات أثر عالٍ، تركز على تحسين ربحية المربين، وتقليل الهدر، وضمان جودة المنتج النهائي».

تحويل المستوردين إلى داعمين

في سياق تعزيز الإنتاج المحلي وتمكين المربين، قال الجشاري «كان للمبادرات الاقتصادية الداعمة لصغار المربين الأثر الأكبر في ضخ الحياة مجدداً في شرايين القطاع. ويأتي ذلك من خلال تفعيل الزراعة التعاقدية عبر الجمعيات التعاونية. ونتيجة لذلك، تم بنجاح تسويق 2,800 طن من الدجاج المجمد المنتج محليًا كبديل قوي للمستورد، مع الاستمرار في زخم الإنتاج».

وأشار إلى أن الأكثر عمقاً هو عملية تحويل شركات الاستيراد إلى شركات تسويقية للمنتج المحلي، وتفعيل دورها في الاستثمار. هذا التحول الاستراتيجي يهدف إلى ضمان سوق ثابت ومستقر لصغار المربين، مما خفض بشكل ملموس من مخاطر الإنتاج. هذا الدمج للقطاع الخاص التجاري (المستوردين سابقاً) في دور داعم للإنتاج المحلي، يوفر قنوات تسويق واسعة وممولة، وفقاً للجشاري.

ولفت قائلاً: «لقد أسفر الإحلال المحلي ووقف الاستيراد عن نتائج ملموسة، حيث استفادت 200 مزرعة من الزراعة التعاقدية، وعادت 800 حظيرة (هنجر) للعمل، بالإضافة إلى إعداد مشروع قرار وقف استيراد الدجاج المجمد. هذا الإحلال يمثل قفزة نوعية نحو الاكتفاء الذاتي في شريحة الدجاج المجمد، ويعمل على تدوير رأس المال محليًا، موفراً آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، مما يعزز صمود الاقتصاد الريفي».

بوابة الجودة والتصدير

في إطار توسيع البنية التحتية والاستثمار، أكد الجشاري أن الجهود تركزت على سد الفجوة الحرجة في البنية التحتية اللازمة لعمليات الذبح والتبريد والتجميد. وشهد القطاع توسعاً استثمارياً مذهلاً شمل تشغيل 5 مسالخ متوقفة بطاقة إنتاجية تصل إلى 120 ألف حبة دجاج يوميًا. فضلاً عن ذلك، يجري العمل على إنشاء 3 مسالخ آلية جديدة بطاقة إنتاجية 80 ألف حبة دجاج يوميًا، إلى جانب إنشاء 3 ثلاجات مركزية بسعة تخزينية ضخمة تبلغ 10 ملايين حبة دجاج.

ويعد هذا التوسع خطوة أساسية على طريق ضمان استمرارية الإنتاج المحلي بكفاءة عالية، ويوفر قدرة تخزين كبيرة تحمي المنتج من التقلبات السعرية الموسمية، والأهم من ذلك، تجعله جاهزًا للانطلاق نحو التصدير مستقبلاً.

عدالة الأسعار للمنتج والمستهلك

لضمان وصول المنتج إلى المستهلك بشكل عادل، يتطرق الجشاري إلى إن ثمة آليات تنظيمية واضحة وضعت في إطار مشروع تنظيم سلاسل إمداد الدواجن والتسويق محليًا. وقد بدأ التسويق عبر الجمعيات في مديريتي باجل والزهرة بتسويق 2000 حبة يوميًا، مع تحديد أدوار الجهات المشاركة وفق آلية محكمة تضمن وصول منتج نظيف ومضمون بسعر عادل للمستهلك، مع تقليل الوسطاء لزيادة هامش ربح المربي.

مشيراً، في هذا السياق، إلى أنه تمكنت آلية تنظيم البيع بالوزن وتحديد الأسعار من تحديد أسعار عادلة ومدروسة للكيلوجرام من الدجاج: حي 1300 ريال، مبرد 1400 ريال، ومجمد 1550 ريالاً، وذلك بعد دراسة دقيقة للتكلفة. ويأتي هذا الإجراء لحماية المستهلك من المبالغة في الأسعار وفي الوقت ذاته حماية المنتج من الخسارة، مما يوفر بيئة تجارية مستقرة وشفافة، وتضاف نسبة هامش الربح للشركات التسويقية (10 %)، مع تفعيل الرقابة السعرية لضمان العدالة في السعر النهائي للمستهلك.

بدائل محلية لمستقبل آمن

في جانب البحث العلمي والاستدامة، يؤكد المهندس الجشاري على أن الإنجازات تضمنت تدخلات بحثية لمعالجة أكبر تحديات القطاع وتأمين مستقبله عبر استخدام بدائل الأعلاف وتحسين السلالات. وقد أثبتت الدراسات الرائدة إمكانية استبدال الدخن بدلاً عن الذرة الشامية بنسبة 75% في التغذية. وكذلك تم تنفيذ دراسات لتحسين سلالات الدجاج البلدي وتوزيعها للجمعيات، بالإضافة إلى تنفيذ دراسة إمكانية التصدير.

وأشار إلى أن أهمية هذه الخطوة تكمن في تخفيف الضغط على المدخلات المستوردة (الذرة)، وتخفيض تكاليف الإنتاج بشكل كبير باستخدام بدائل محلية كـ (الذرة الرفيعة والدخن). علاوة على ذلك، يوسع هذا النهج دائرة التمكين الاقتصادي للجمعيات عبر سلالات بلدية محسنة، ويفتح آفاقاً واعدة للتصدير لزيادة العملة الصعبة.

وفي خطوة أخرى نحو التنظيم والإدارة البيئية، ووفقاً للجشاري، فقد تم إعداد 14 دليلاً فنياً وإرشادياً، وإعداد مشروع قرار ينظم تداول مخلفات الدواجن وحصر استخدامها كـ سماد عضوي مخمر فقط. وهذه الخطوة تضع إطاراً تنظيمياً متكاملاً لضمان الجودة والسلامة الصحية، وتحول مخلفات المزارع من مصدر للتلوث إلى قيمة اقتصادية مضافة في القطاع الزراعي.

حل جذري لمعضلة التكلفة

أما فيما يخص تأمين المدخلات، التي تشكل 70 % من التكلفة الكلية، فقد جرى إعداد آلية واتفاقية لتأمين مدخلات الدواجن عبر الجمعيات التعاونية، بضمانة من شركة سهول اليمن وشركات المدخلات. ويمثل هذا إنجازاً يمثل حلاً جذرياً للمشكلة، حيث يوفر ضمانة للمربي لتأمين احتياجاته بأسعار عادلة وجودة عالية، بعيداً عن تقلبات السوق وتقلبات العملة، حسب الجشاري.

خارطة طريق للتنافسية

تؤكد هذه الإنجازات أن قطاع الدواجن يسير بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي المستدام، لا سيما في توفير وإنتاج الدجاج المجمد والبيض، مع تقليل الاعتماد على الواردات. كما تتجه الرؤية الطموحة إلى وضع خارطة طريق واضحة لزيادة الإنتاج بشكل يفوق الاستهلاك المحلي، مما يضمن القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية. ويجري العمل الآن على:

-تعميم نماذج التسويق التعاوني لتغطية كافة المديريات والمحافظات تدريجياً، والانتقال من مديريتي باجل والزهرة إلى مديرية يريم (للبيض).

-الإسراع في تشغيل 3 مسالخ آلية جديدة وتفعيل 3 ثلاجات مركزية بسعة 10 ملايين حبة استعداداً للتصدير.

-التطبيق الواسع لبدائل الأعلاف المحلية (استبدال 75 % من الذرة الشامية بالدخن والذرة الرفيعة) لخفض التكاليف على جميع المربين.

إن هذه الحصيلة تبرهن على إمكانية إحداث تحول تنموي يرتكز على المعرفة، والتمكين، والاستثمار المدروس، مما يرسم فصلاً جديداً من الازدهار الاقتصادي والغذائي.

قد يعجبك ايضا