النظام ” السعودي” وتداعيات المرحلة..!

طه العامري..

 

 

كشفت زيارة ولي العهد والملك السعودي المستقبلي لواشنطن عن أزمة وجودية يعيشها نظام الرياض والتي يمكن وصفها بأنها أزمة مركبة، أزمة ربما يعيشها النظام السعودي الذي يجد نفسه اليوم بين المطرقة والسندان.. “المطرقة” تتمثل في أزمة داخلية تنهش مفاصل النظام من الداخل، من خلال خلافات متصاعدة بين أفراد الأسرة الحاكمة، وأزمة اقتصادية تعصف برؤية 2030 التي راهن عليها بن سلمان بعد معركة طاحنة خاضها مع أفراد الأسرة وكبار رجال الأعمال أدت إلى تحويل أرقى فنادق الرياض إلى “معتقل خمسة نجوم” أجبر فيه بن سلمان أمراء الأسرة وكبار رجال الأعمال على التنازل عن مبالغ خيالية من ثرواتهم بذريعة “مكافحة الفساد” فيما كانت الخطوة هذه تمثل أولى إجراءات بن سلمان في اختبار قدراته في التمكين والسيطرة، بعد أن اختبر قدرته الأمنية في تصفية أحد أبرز خصومه وهو مجرد صحفي جمال خاشقجي بجريمة تحولت إلى فضيحة غطاها بن سلمان من الخزانة العامة من خلال مليارات ضخها للخزانة الأمريكية، كما ضخ مبالغ خيالية لإغلاق ملف 11 ايلول سبتمبر..!
فيما «السندان» يتمثل في علاقة النظام الخارجية إقليميا ودوليا، التي تبدأ في علاقة استراتيجية وتحالف استراتيجي مع – واشنطن ترامب – بعد حالة فتور مع -واشنطن – بايدن – ولا تنتهي في محنة « علنية التطبيع» مع العدو، بعد عقود من « التطبيع السري»..!
إذ يجد بن سلمان نفسه أمام معظلة حقيقية أزمة مفصلية، المغامرة فيها تعد شكلا من أشكال الجنون، فإذا كان التسليم باستراتيجية العلاقة مع واشنطن فعلاً ممكناً ومعروفاً ومقبولاً داخليا وحتى إقليميا فإن «التطبيع العلني» مع العدو بعد حرب الإبادة التي يشنها العدو على الشعب العربي في فلسطين وما ارتكبه في لبنان وما يرتكبه في سوريا، وما ارتكبه في اليمن ظواهر تضع النظام ومستقبل بن سلمان علي كف عفريت، ومغامرة مثل « علنية التطبيع» مع العدو وإخفاق رؤية 2030 ودخول الاقتصاد السعودي في حالة ركود، والذي بدأت تباشيره أو مؤشراته في تجميد مشروع «نيوم» وكذا أبراج جده « ونهم وجشع إدارة ترامب في استنزاف قدرات الرياض المالية لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، كل هذه العوامل قد تقوي خصوم بن سلمان في الداخل وتعصف بكل أحلامه، إذا ما اضفنا لكل هذه العوامل العلاقة المعقدة بين السعودية واليمن، وما قد يترتب عليها من تداعيات إن لم يتم التوصل لحل للأزمة اليمنية تقبل به صنعاء التي غدت الطرف الأكثر حضورا في أجندة نظام الرياض، الذي أصبح على قناعة بعدم جدوى الشراكة مع « الشرعية» التي يرى أنها خذلته ولم تقدم له الخدمة المرجوة وكل ما قامت به هو ابتزاز وإثراء رموزها على حسابه..!
وهناك أيضا روزنامة من القضايا المعقدة في المنطقة يواجهها نظام الرياض ويصعب عليه تجاهلها مثل العلاقة بينه وبين لبنان و بينه وبين سوريا والعراق، وأيضا بين الرياض ومصر، والسودان، وليبيا، والأهم من كل هذا موقف الرياض من الحالة الفلسطينية، التي ربطت الرياض قيام دولة فلسطينية بحدود العام 1967م كشرط لـ «علنية التطبيع مع العدو»..!
يرى كيان العدو وقادته أن « التطبيع» مع الرياض مسألة حتمية ومفروغ منها، ويبدو هؤلاء القادة في كل تصريحاتهم وكذلك محلليهم السياسيين وإعلامهم أن « التطبيع مع الرياض» حقيقة راسخة، لأن ثمة قواسم مشتركة تجمع بين الكيانين أهمها العداء « للمقاومة وإيران « وطبعا العد لصنعاء، ويرى العدو ان «المقاومة وصنعاء وإيران والعراق» مكونات « إرهابية» ومخازن الإرهاب دون أن يغفل العدو الغمز من قناة مصر وتنامي قدراتها معتبرا أن تنمية مصر لمدن سيناء وتعميرها وتشييد قواعدها العسكرية فيها خطر يهدد وجود الكيان، لذا بدا الكيان يقود حملة في واشنطن وعواصم الغرب طالبا من هذه الدول الضغط على مصر لتحجيم قدرات الجيش العربي المصري..!
تداعيات تضع بن سلمان في حيرة كبيرة وعجز إلى حدٍ ما في التعاطي معها خاصة « علنية التطبيع»..!
إن تزويد الرياض بطائرات أمريكية حديثة مثل طائرات F35 خطوة ما كانت لتحدث لولا رضا الكيان وثقته من النظام السعودي الذي يرى فيه شريكا استراتيجيا في مكافحة الإرهاب، حسب المنطق الصهيوني، والإرهاب يتمثل في نظام صنعاء وفي المقاومة في فلسطين ولبنان والحشد العراقي وطبعا “إيران” راعية وممولة الإرهاب في المنطقة، حسب العدو وتوافق معه النظام السعودي في هذا الأمر..!
لذا كان “ التريليون دولار” بمثابة رشوة لواشنطن كي تبقى على رعايتها لبن سلمان وقد جاءت الإشارة من ترامب حين وصف بن سلمان خلال المؤتمر الصحفي لهما ب “ملك المستقبل”..!
لكن يبقى القادم هو الفيصل في إظهار قدرات بن سلمان، وهل سيجرؤ على تجاوز القضية الفلسطينية وحل الدولتين رغم هزالته ويجاهر بما كان سرا منذ عقود بين أسرته والكيان..؟ إذا ما أدركنا أن هذه الخطوة قد تؤلب عليه الداخل وخاصة خصومه داخل الأسرة الذين يجمعون أخطاءه السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية، وقد يستغلونها ليوجهوا له الضربة القاضية في الوقت المناسب إن لم يسبقهم هو في توجيه هذه الضربة، بمساعدة أمريكية-صهيونية..؟!
وحدها التداعيات القادمة من ستكشف ذلك.

قد يعجبك ايضا