الذكرى السنوية للشهيد..تجديد العهد بالمضي على درب مسيرة الإيمان والجهاد

استطلاع/ وفاء الكبسي

في هذه الذكرى السنوية، حين تتردد أصوات الشهداء في أرجاء الوطن، تتجلى أمامنا صور شهداء، هم أرواحٍ باعوا أنفسهم لله وكتب الله لهم الخير

في دمائهم وتضحياتهم، تتجلى معاني الجهاد والإحسان والوفاء لله والوطن، ويُستحضر وعد الله للمخلصين: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾.

هذه الذكرى ليست مجرد مرور الأيام، بل إيقاظ للضمير، واستنهاض للعزائم، ودرسٌ في الوفاء والعهد والصبر. في كل زاوية من الوطن، وفي كل قلب مؤمن، يُستحضر صدى أقدامهم، ونور قلوبهم، ودروس حياتهم.

الشهيد طه حسين الكبسي- المسؤول الذي أعاد تعريف البطولة، رجل المسؤولية الذي عرف أن المنصب ليس شرفًا بل أمانة أمام الله والوطن. كان مديرًا عامًا، عيشه رغيدًا، بيته مليئًا بالطمأنينة، لكنه قرر أن يترك كل ذلك ليقف في الصفوف الأمامية في الميدان.

ترك بيته وأولاده ورغد العيش وانطلق إلى الجهاد، يحمل البندقية والقرآن معًا، ارتقى شهيدًا، تاركًا خلفه أثرًا خالدًا في كل قلب عرفه، ونموذجًا حيًا في الذكرى السنوية لكل مسؤول يعرف قيمته أمام الله والوطن.

عهد ووفاء

الشهيد أشرف محمد الكبسي. حين رأى الأبرياء يُستباحون وبيوتهم تُهدّم، لم يساوره خوف، بل تضاعفت عزيمته على نصرة الحق وإعلاء كلمة الله.

قبل انطلاقته للجبهة ابتسم لأسرته وقال: “لا تحزنوا، فالشهادة حياة، ولن أفارقكم إلا مؤقتًا”.

الشهيد أشرف كان كريم النفس، شجاعًا مقدامًا، ناصرًا للضعفاء، محبًا لآل البيت وللسيد القائد عبد الملك الحوثي – سلام الله عليه –، لقبه الجهادي “أبو أحمد”، كانت محبته لإبنه أحمد تعكس وفاءه لكل من أحب.

في الميدان، كان يردد للرفاق: “لا نملك إلا أنفسنا وقلوبنا، فلتكن كل خطوة في سبيل الله”.

وكل طلقة يطلقها كانت عبادة، وكل خطوة يخطوها كانت وصية للأحياء: الصبر، الثبات، الوفاء.

استشهد وهو يحمل المدد لأخوانه المجاهدين، ليصبح درسه خالدًا في الذكرى السنوية، يذكر الأمة أن الشجاعة لا تعني القوة فقط، بل الوفاء بالعهد مع الله والوطن.

الإيمان والخلود

ولد الشهيد أحمد محمد أحمد الكبسي في بيت قرآني، نشأ على معاني الهدى والتقوى منذ نعومة أظفاره، فجعل من حياته قربى وعبادة وجهادًا في سبيل الله.

في جبهات عسير، كان صوته بالقرآن يعلو على أصوات المدافع، يذكر رفاقه:

﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾.

كان كريم النفس، يواسي الفقراء، ويعول أسر الشهداء، وينفق مما رزقه الله سرًا وعلانيةً، مؤمنًا: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

في اللحظات الأخيرة، ظل يتلو القرآن على رفيقه المصاب قائلاً: “اصبر، واعلم أن الله معنا، لن يصيبنا إلا ما كتب الله”.

ارتقى شهيدًا، تاركًا خلفه نورًا يهتدي به كل من سار على طريقه، ودروسًا في الإحسان، والتفاني، والثبات في وجه البلاء.

نور الاجيال

الشهيد ماجد يحيى الكبسي- نجم الملاعب، قلبه انتفض عندما رأى الوطن يُستباح، فانضم إلى صفوف المجاهدين، مزج شجاعته الرياضية بقوة الإيمان والوفاء لله.

في صرواح، كان بين خنادق الشرف، يقف مع رفاقه ضد المرتزقة والعدو، حاملاً روحه دفاعًا عن الأرض والعرض، متذكرًا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾

ترك الراحة والرياضة، وانطلق إلى ساحات الجهاد، وأثبت أن البطولة الحقيقية ليست في حمل الكؤوس، بل في الدفاع عن الوطن حتى آخر نفس.

ارتقى شهيدًا، تاركًا رسالة لكل الشباب: الجهاد أسمى بطولة، والشهادة تاج الشرفاء.

في هذه الذكرى، نستحضر كل موقف، كل ابتسامة، كل تلاوة قرآن، وكل دمعة صدق.

هذه الذكرى السنوية ليست مجرد تأبين، بل درس حي لكل الأمة في الوفاء لله والوطن، في الصبر والإحسان والجهاد.. إنها مناسبة لتجديد العهد، ولنتذكر أن هؤلاء الشهداء الأربعة يقولون: “واصلوا الطريق، فالله معنا، ولن يضيع الله إيمانكم”.

طه، أشرف، أحمد، وماجد، كل واحد منهم رمز خالد، وكل دمعة على فقدهم شهادة، وكل كلمة تذكرهم دعاء ونور للأجيال.

سلامٌ على آل الكبسي، سلامٌ على كل بيتٍ قرآني أنجب شهداء، وسلامٌ على أرواحٍ باعها أصحابها لله، فاشتراها الكريم بثمنٍ لا يُقدّر: الجنّة والرضوان.

 

قد يعجبك ايضا