وإن جادل المسحورون بالنموذج الأمريكي «البلاستيكي» في الشكل والمضمون، ما تنشأ حرب في أي مكان من العالم إلا وتجد لهذه الدولة المارقة يد فيها، أكانت هذه الحرب بين دولتين أو في إطار الدولة الواحدة.
في أي حرب ابحث وستجد أمريكا، إما طرفا مباشرا فيها أو مشاركة عبر وكلاء، أو هي من تقف خلف تأجيجها وإشعال فتيلها.
تعيش أمريكا على هذا الواقع منذ وجّهت اهتمامها بثروات العالم ومقدراته بما في ذلك المواقع الاستراتيجية اقتصاديا أو عسكريا، تنتشر بأساطيلها وقواعدها العسكرية في اتجاهات الأرض الأربع لتكون قريبة ومتحكمة بمواطن التوتر، يساعدها في ذلك قطبيتها وتحكمها بالقرار العالمي.
وربما من المهم معرفة أن أمريكا التي غيّرت اسم «وزارة الدفاع» إلى «وزارة الحرب» الشهر الماضي فهي إنما أعادت الأمور إلى أصولها التي تعكس نهم هذه الدولة لرؤية العالم يحترق، فحتى الحرب العالمية الثانية كان اسم الوزارة «وزارة الحرب» واستعادة التسمية يشير بوضوح إلى توجهها الذي لا ينفصل عن طبيعة شخصيتها وتركيبتها الإجرامية وهي التي ظهرت على وجه الخارطة بعد أن أبادت الملايين من أصحاب الأرض الأمريكية.
خلال مراسم توقيع الأمر التنفيذي لقرار تغيير اسم الوزارة، أكد وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث، «أن التغيير ليس مجرد إعادة تسمية، بل هو استعادة لهوية الوزارة»، مشدداً على «أهمية الكلمات وتأثيرها». وقال: «سوف نهاجم، لا ندافع فقط. فاعلية قتالية قصوى، لا قانونية فاترة. تأثير عنيف، لا تصحيح سياسي. سنُربي محاربين، لا مجرد مدافعين».
تظن أمريكا أن إلهاب العالم على الدوام هو الشكل الأمثل لرفد خزينتها بالمال وخزّاناتها بالنفط وبنوكها بالمعادن، بما يجعلها محافظة على الصدارة في القائمة الدولية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ظنونها تصور لها أن استقرار العالم سيقوده إلى العمل على محاربتها، أو عرقلة مشاريعها، لهذا كانت ولا زالت الفترات الرئاسية المتعاقبة لرؤساء البيت الأبيض دائما ملتهبة بالحروب، فتشن حربا هنا أو هناك، أو تختلق صراعات وتوترات، أو تجدها مرجعية يتسم طرحها بالمراوغة، ولا تنتهي بالمشكلة إلى «تهدئة» إلا متى ضمنت في ذلك مصلحة.
طوال تاريخها كانت هذه المنهجية من تضمن لأمريكا الاستمرار في وضعية صدارة العالم في ظل غياب منهجيات مضادة تتسم بالجرأة والقدرة على المواجهة، ما يمنحها المجال لتهيئة كل الظروف من أجل البقاء في مأمن من تكتلات قد تضر بمصالحها، كما يمنحها فرصة النهب بصورة مكشوفة.
أمريكا هي الوحيدة التي تنشر قواعدها العسكرية وبوارجها وحاملات طائراتها حول العالم، وأمريكا هي الوحيدة التي تختلق الأسباب للتدخلات السافرة، وهي الوحيدة التي تحاول بكل صفاقة تحجيم طموحات الدول المتطلعة لشغل مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية في مجالات التصنيع والاكتفاء الذاتي وامتلاك أدوات القوة.
وقد لا يكون بالغريب القول إن كثيراً من الدول- إن لم يكن غالبيتها- لها سقوف معينة ومحددة في مجالات التصنيع سواء في الجانب المدني أو العسكري على أساس ما يسمح به الأمريكي، وحتى في الاستيراد وطبيعة المواد المستوردة. هذه الهيمنة هي خط أحمر بالنسبة للصهيونية العالمية لذلك فهي تحرص على بقاء أمريكا في هذا الموقع لتظل يدها الطولى في البلطجة وقمع العالم باستثناء الكيان «الإسرائيلي».
من أجل ذلك تعمل أمريكا على امتلاك أوراق مساومة وابتزاز للدول، تمكنها من توجيه المسارات لخدمتها أو اللعب بهذه الأوراق لإثارة التوترات، كما وتوجيه الكيانات الشرعية وغير الشرعية في الدول بقصد رسم سياسات مرنة تتماشى مع رؤاها كلما غيرت في شكل علاقات الدول وصولا إلى تمرير أجندات جديدة أو معدلة تتوافق مع متغيرات التقادم الزمني.
