عقليات الإجرام والاستعمار معلومة ومعروفة أنها تريد إبادة كل ما على الأرض كي تشعر بالأمان، لكن أن يتفوق عليهم الصنائع والدمى التي تنطق باللغة العربية وتستولي على خيرات الأمة وتسخرها لخدمة المشاريع الإجرامية، فذلك هو الجديد.
كانت فرنسا في أوج قوتها تحتمي بظل الخلافة العثمانية ولما شعرت ببوادر ضعفها(الخلافة)، احتلت الجزائر ونقضت المعاهدات واتبعت سياسة الإبادة للقرى والمدن التي تقاومها، ما جعل الشهداء يتجاوز عددهم مليوناً ونصف المليون شهيد في حرب التحرير فقط.
كانت تعتبر الجزائر فرنسا أفريقيا، دمرت الثقافة وغرّبت كل شيء لتأمين بقائها ولما سقطت فرنسا تحت الاحتلال كان جنود القارة السمراء هم من حرروها بصمودهم وبطولاتهم وباعتراف الجميع.
ولا تختلف الأساليب الإجرامية التي يستخدمها الإجرام الصهيوني عن تلك الأساليب، بل يتفوق عليها، لأن الإجرام والطغيان والاستبداد وكذلك الكفر ملة واحدة يستخدم كل الأساليب والوسائل الإجرامية لإخضاع الشعوب والأمم حتى تستسلم وتخضع بدون مقاومة.
القوة والإجرام والقتل والتنكيل، قد تتوزع بين ترغيب وترهيب، لكنها في المحصلة تهدف إلى رفع أثمان المقاومة وجعلها من المستحيل، لأنها هي الخلاص.
ليست المرة الأولى التي تتواكب فيها جرائم الإبادة والتهجير القسري مع الحرب الإعلامية الإجرامية التي يتحدث فيها المجرمون عن أنهم يدافعون عن القيم والمبادئ والأخلاق، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
الخطط الاستعمارية تتدرج في خطواتها؛ انسحب كيان الاحتلال من سيناء وقسمها إلى مناطق (أ، ب، ج) واحتل الجولان السوري وفعل الأمر ذاته وتفاوض مع السلطة وفق تقسيم الضفة إلى (أ، ب، ج) وخطة الهدنة الحالية تعتمد على ذات الأمر، يريدون تهدئة أحرار العالم المناصرين للقضية الفلسطينية.
الاتفاق أو الهدنة لم تصمد يوما منذ توقيعها وفي بنودها، ما يسمح لهم بمواصلة جرائمهم وعدوانهم مع أنهم لا يحتاجون إلى مبررات فـ”نتن ياهو” يريد الأسرى والجثث ونزع سلاح المقاومة، ما لم فالحرب سيواصلها وترامب يريد تهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر ما لم فسيرسل الأسلحة إلى (النتن) ويأمره بمواصلة جرائم الإبادة والتهجير، وقد أرسل صاحب المشروع الاستثماري العقاري صهره كوشنر الذي هاله ما شاهده: غزه تبدو وكأنها ضُربت بالقنابل النووية.
المفكر الأمريكي اليهودي(فنكشتاين)طرح معادلة واقعية “يجب نزع سلاح جيش الاحتلال الصهيوني لأنه من ارتكب جرائم الإبادة والتهجير العرقي والجرائم ضد الإنسانية؛ أما نزع سلاح المقاومة التي تدافع به عن نفسها فإنه كلام لا يستقيم مع العقل والمنطق والقيم والمبادئ والأخلاق”.
الإجرام الصهيوني لم يكن يستطيع الاستمرار في ممارسة تلك الجرائم لأكثر من سنتين بدون دعم وإسناد الأنظمة العربية، باستثناء اليمن وحزب الله وإيران ومحور المقاومة عموما.
التحالف الصهيوني الصليبي يريد من الشعوب العربية والإسلامية استسلاما غير مشروط، أما الأنظمة فقد استسلمت منذ أن أوجدها ومكنها من رقاب الشعوب؛ وأوكل اليها تدمير القدرات وتسخير الإمكانيات لغير مصالح الأمة، لكن لخدمة الإجرام والطغيان والاستعمار.
كيان الاحتلال يتحدث كمندوب للتحالف الصهيوني الصليبي وكوصي على الأنظمة العربية والإسلامية، يدمر كل مصادر الخطر التي يراها قد تهدد مصالحهم ولم يبق بينه وبين تحقيق أحلامهم التي يسعون إليها سوى القضاء على محور المقاومة، اعتدى على إيران وهدد باكستان واستكمل احتلال الجولان التي قالت عنها (ميريام اديلسون) إنها هدية من ترامب الذي وعد وأوفى، كما فعل في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
الأنظمة المتصهينة تريد القضاء على المقاومة، لأنها تمثل خطرا عليها، بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر؛ فقد خضعوا للإجرام ويريدون جعل الآخرين مثلهم.
الإعلام (العربي والعبري) لا يتحدث عن الشهداء ولا عن جرائم الإبادة وما ارتكبه الإجرام في حق الأبرياء ولا عن جرائم تعذيب الأسرى الفلسطينيين حتى الموت، إنما يتحدث عن أسرى الاحتلال وجثث جنوده ونزع سلاح المقاومة؛ حيث اشترط صهاينة العرب نزعه مقابل دفع تكاليف الإعمار لغزة بعد أن دفعوا تكاليف جرائم الإبادة والتدمير.
الشراكة الإجرامية الاستراتيجية التي ربطت مصالح الأنظمة العربية بالأنظمة الاستعمارية، تمنع تحقيق السلام إلا أن يكون استسلاما غير مشروط، لأن التمويلات التي تشغّل كبريات شركات السلاح هم مساهمون فيها والحروب لازمة لتحقيق المكاسب والأرباح حتى وقد امتلكوا أسلحة الدمار الشامل؛ وسياستهم تدمير الآخرين بدعوى امتلاكها ومنعهم من الوصول اليها ويستكثرون على المقاومة السلاح الشخصي، حتى أن الاحتلال يفرض حظرا على استيراد السكاكين وإدخالها إلى غزه.
منذ أكثر من عشرين عاما و”نتن ياهو” يحذر العالم من سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية وحاول تدمير سلاح باكستان ولما تحرك للعدوان على إيران وقف التحالف الصهيوني الصليبي معه؛ صوروا المُعتدى عليه على أنه يمثل تهديدا للسلام، أما القاتل والمجرم فحمامة سلام.
على مدى سنتين وأكثر والعدو الصهيوني يرتكب أبشع الجرائم ضد شعب أعزل، لم يستطع العالم كله بهيئاته ومنظماته وقف تلك الجرائم؛ خرج الأحرار من شعوب العالم متضامنين مع مظلومية الشعب الفلسطيني ولم يستوعب قادة الإجرام والداعمون والمؤيدون له ذلك، فوزيرة الخارجية الصهيونية السابقة (تسيفي ليفني) تقول: إسرائيل منبوذة وإنهاء العدوان لن يغير الحقيقة، العالم يرى ما لا نراه –وتُحمل المسؤولية وزراء حكومة (النتن) الذين صرحوا: بالاستيطان والتهجير القسري وباستخدام الأسلحة المحرمة.
خلال أكثر من 740 يوما والعالم يشاهد إجراما لم يسبق له في التاريخ مثيل، لقد شنوا حملات التطهير العرقي والإبادة الجماعية وارتكبوا أبشع الجرائم وفرضوا حظرا إعلاميا وحصارا شاملا على غزة وغيرها وأسقطوا كل قرارات الأمم المتحدة ومن يعلن احتجاجه اقتاده من منزله صهاينة العرب والغرب بتهمة معاداة السامية.
قُمعت المظاهرات الطلابية وسُنت القوانين واستنفرت قوات الأمن والشرطة لتكميم الأفواه الداعمة لفلسطين وظهر زيف الديمقراطية التي يدّعونها من أجل حماية مشروع الاستيطان اليهودي واستمراره.
الإجرام الذي سُلط على غزة كشف للعالم اجمع حقيقة التحالف الصهيوني الصليبي، لأنه حصيلة تعاون بين السياسيين والعسكريين والإعلام، سقطت الأقنعة وتعرت الوجوه المجرمة.
من قال بالهدنة هو ذاته من أرسل الأسلحة وأعلن سعيه لفرض سيطرته على غزة وتهجير سكانها وحتى بعد موافقة المقاومة عليها، عاد ليؤكد عزمه على استكمال مشروعه الإجرامي: (سنعمل على نقلهم إلى مصر والأردن ونسميها أرض الحرية ونوفر لجميع سكانها منازل لائقة في جميع أنحاء المنطقة، مصر والأردن لديهما أراض شاسعة).
صهاينة العرب داعمون ومساندون للإجرام ولخطط التهجير القسري بالمال والسلاح، فالإمارات نظمت مع السعودية رحلات جوية وبحرية وبرية مباشرة لتزويد المجرمين بكل احتياجاتهم وكل الأنظمة المتصهينة شاركت معهم.
الصمود والثبات والقدرة على مواجهة كل ذلك الإجرام والتضحيات التي قدمها محور المقاومة أسقطت رهانات الإجرام والمجرمين حتى وإن ذهب البعض لتفضيل الخذلان على المواجهة طلبا للسلامة.
مواجهة الإجرام والمجرمين هي الأساس لإثبات صدق الإيمان والاستيطان لن يرحل بغير المقاومة والجهاد وهوما أكد عليه قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- (كل التضحيات التي نضحيها في سبيل الله هي محل اعتزاز وفخر وشرف وهي تضحيات مثمرة ومقبولة عند الله سبحانه وتعالى ولها نتائجها العظيمة في الدنيا والآخرة).
إن نصرة المستضعفين واجب ديني وإثبات لصدق الإيمان بالله وإرضاء لله رب العالمين الذي أمر بمواجهة الظالمين ونصرة المظلومين، فقد أمر الله رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ((فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا)) النساء84.
