ليس بالمستغرب أن يستمر مشهد استهداف العدو الصهيوني للشعب الفلسطيني في غزة، ومسرحية ترامب في شرم الشيخ لم تكن إلا مخطط في سياق التلاعب بالمجريات على طريق إعطاء الاحتلال مساحة أخرى للاستمرار في جريمة الإبادة.
هذا ما تكشف عنه مئات الخروقات التي ارتكبها جيش نتنياهو عقب حفلة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، ما يشير إلى أن الوضع مرشح للانحدار والعودة إلى حالة العدوان الأولى.
تهليل الكثير من الأبرياء لما تسمى بخطة ترامب بدوره يأتي في السياق الطبيعي، فالإنسان بطبيعته يميل إلى السلام ولا يقبل المشاهد الوحشية التي ينفذها الاحتلال في غزة، غير أن ما يجري حالياً لا يبدو في السياق الأخلاقي الذي يفرض على أمريكا وإسرائيل أن تكونا في مستوى المسؤولية واحترام الاتفاق، أو على الأقل عدم «إحراج» من شهدوا عليه.
الأكيد في ما حدث، أن ترامب حرص على التواجد في حفلة «الإشهار» تلك، من باب الاستعراض وتنشيط سلطته على دول المنطقة ليس إلا، أما الحديث عن سلام، فانه يبدو سمجاً، فلم تدخل أمريكا يوما في عملية تفاوضية أو عملت على إحلال سلام، خصوصاً عندما تكون دولة عربية أو إسلامية أحد طرفيها. كما ليس بالأمر الغريب على أحد أن واشنطن لا تخطو خطوة إلا ولها فيها غاية، أو يكون في مخططها أن تبقى هذه الخطوة تراوح مكانها وبهرجَتها بلا أدنى التزام بالعمل بمقتضياتها، كحال الشعب الفلسطيني الذي لا يزال منذ اكثر من (75) عاما يعاني ويلات الاحتلال بيننا ظلت المؤتمرات والاجتماعات الطارئة والاستثنائية تشهد تراكما كميّاً بلا أي فعل.
وفي ما يعني بوقف العدوان على غزة لم يشك أحد من العالمين أن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون في وارد الالتزام بالاتفاق، ومنذ اللحظة الأولى كانت عصابته المسلحة أو ما تسمى بالجيش، تخترق الاتفاق وتقتل وتمنع فتح المعابر، دون أن تتلقى أي تنبيه أو تحذير.
ووفقاً للمنهجية الصهيونية التي تنفذها أمريكا، فانه كالعادة يجري الحديث عن تهدئة وفي النوايا فرض واقع جديد مع بداية جديدة، إذ يقوم هذا السلوك على دفع الكيان للتراجع خطوة واحدة قبل أن يستأنف مسلسل الإجرام، ودائما ما كان الفلسطينيون يعيشون أثار هذا السلوك، وهو الذي يحدث اليوم في غزة.
لا ينسى العالم اتفاق أوسلو الذي تصور فيه أن العدو قد تنازل عن طموحاته بتوقيعه على الاتفاق بإشراف أمريكي، غير أن ما حدث لم يكن أكثر من امتصاص للغضب وثم تكريس حالة الاحتلال والاستهداف للفلسطينيين، بلا أدنى مبالاة بالاتفاق، وإلى اليوم لم ينفذ ذاك الاتفاق الكاذب.
الاحتلال اليوم باستمرار استهدافه للشعب الفلسطيني وإن بمستوى منخفض لم يخرج عن نص مسرحية ترامب في شرم الشيخ، وإنما تحرك في اتجاه امتصاص الرفض العالمي لممارساته في غزة ووقع على الاتفاق بشروط المقاومة، لهذا من الصعب القول أن هناك تنفيذ للاتفاق فكل أشكال الاستهداف والحصار مستمر، بينما يغيب الرد العقابي المفترض على هذه التجاوزات.
القتل مستمر والحصار مستمر ويزيد على ذلك إطلاق أيد الغاصبين لمهاجمة الفلسطينيين بكل وحشية ومنعهم من ممارسة حياتهم، وهذه النتيجة التي أعقبت حفل الاتفاق تزيد من إثبات أن الأمريكي والإسرائيلي لا يزالان يعيشان نفس دور البلطجة والاستخفاف بكل العالم الذي تابع المسرحية الأمريكية. غادر العدو الإسرائيلي الاتفاق إلى ممارسة ما يشاء بلا أدنى اعتبار لأحد. بينما لا يزال العالم يتحدث عن وهم السلام المزعوم.
