الجهاد الأكبر

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

كل المعطيات والمؤشرات تؤكد أن حالة الانفراج الهشة بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة، لن تكون إلا استراحة محارب، خاصة إذا ما أدركنا أن ترامب يتوعد بإنهاء حماس من الوجود في دقائق “كما يقول” مع أنه عجز على فعل ذلك خلال عامين، إلى جانب أن كبار المسؤولين الأمريكان توافدوا إلى الأراضي المحتلة وكلهم يتوعدون ويتاجرون بالبشر ويستغلون احتياجهم من خلال منع دخول الشاحنات بالمواد الغذائية إلى غزة والناس يتضورون جوعاً، أي أن الخطر ما زال قائماً على كل أطراف محور المقاومة، ونتنياهو لن يستقر له قرار إلا بإزالة رأسه عن جسده وليس إلا رمزاً لكل الصهاينة المعتدين، فكلهم يتصرفون بخلفية دينية ملوثة تدعو إلى إبادة البشر من غير اليهود، بما في ذلك المسيحيون الذين يجتمعون معهم في الكتاب المقدس .

مع ذلك نقول إن قيادة الثورة في اليمن قد أدت دوراً هاماً ورفعت مكان اليمن، وأعلت شأن اليمنيين من خلال المساندة الفعلية والوقوف بحزم مع فلسطين ومجاهدي غزة، إلا أننا نأمل أن تطول الانفراجة وتضع الحرب أوزارها لكي تتفرغ قيادة الثورة للداخل اليمني، استناداً لحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد فتح مكة وانتشار الإسلام حيث قال (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس )، وهذا ما نحن بحاجة إليه اليوم، فالأمر يستدعي مراجعة شاملة في كافة الجوانب والتركيز على أهمها وفي المقدمة القضاء الذي أصبح مختلاً وغير ذي جدوى، إلا لمن يملكون المال والسطوة وأصبحت الأحكام مجرد أوراق لمن له الغلبة، وهذا يعتبر خللاً كبيراً جداً يُسهم في تأجيل النصر ويضاعف المآسي والمشاكل، إلى جانب التأكيد على استكمال مقومات الدولة الحقيقية، الدولة التي تحمي الحق وتصونه وتردع الظلم بكل أشكاله أينما وجد، حتى تُترجم كافة الأماني والطموحات على أساس عملي، يبدأ بالاختيار الجيد لمن يديرون هذه الأمور ويعرفون معنى المسؤولية ولديهم القدرة والإرادة على تصحيح المسار والاعوجاج الذي ترسخ في الواقع خلال عقود من الزمن .

فالمسؤولية ليست اختيار نتيجة الاستحسان الشخصي أو الإعجاب الذاتي، لكنها بحاجة إلى مؤهلات لا أقول علمية، فأحياناً المؤهلات العلمية تتحول إلى عامل إحباط، ولكن مؤهلات ذاتية تبدأ بالصدق والأمانة والإخلاص وتنتهي بقوة الإرادة والقدرة على الفعل واتخاذ القرار في الزمان والمكان بحسب متطلبات الواقع واحتياجات القضية الماثلة، وهذه الصورة تنطبق على المال كما تنطبق على القضاء، وتنطبق على السياسة كما تنطبق على شؤون الإدارة، وكل هذه الجوانب بحاجة ماسة إلى إعادة نظر وتقويم دقيق لمعرفة الحق من الباطل والوقوف إلى جانب الحق مهما كانت النتائج .

كما قُلنا، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حدد المسار وعلينا أن نقتدي به، وحيث أن البعض شكك في صحة هذا الحديث، إلا أن عدداً من المفسرين وأئمة الحديث أكدوا صحته استناداً إلى آيات قرآنية تدل على ذلك، وأيضاً اعتماداً على أن الإسلام جاء لتهذيب السلوك البشري وحدد قيم التعامل بين الناس على ذات الأساس، وفي هذا دلالة واضحة على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يُشير إلى ضرورة أن يلتزم الناس بتعاليم الدين وأن تكون معاملتهم في ذات الاتجاه الذي يُترجم المعاني السامية لقيم الإسلام، ويُحدد المسار الذي يجب أن يسير عليه البشر على ضوء قول الله سبحانه وتعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) “آل عمران “ .

وفعل الكينونة هذا يخص النخبة الراقية في الأمة التي تتبنى فعل الخير وتدعو إليه وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولتكن هذه النخبة ما كانت جماعة أو حزباً أو قبيلة أو أي جماعة، المهم أن تكون مجتمعة وعلى ذات الأفق وبنفس التوجه، لأنها مؤيدة بنص آخر في نفس السورة قال الله تعالى فيه ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر …)، فعل الكينونة في هذه الآية الثانية واضح، ليس كما حدد بعض المفسرين في أن الآية تخص زمناً معيناً، لكنه فعل مؤخر يدل على ذات الأمة التي تصل إلى هذا المستوى من الفهم والوعي والقدرة على ترجمة أحكام الدين، كما أراد الخالق سبحانه وتعالى .

وعلى ضوء هذه المقدمات، تتضح أهمية الحديث ومبدأ التفريق بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، وهذا ما نحن بحاجة إليه اليوم حتى تسمو النفوس وترتقي إلى مستوى الجهاد والدفاع عن العقيدة والوطن بأفق إيماني واضح، وبُعد إنساني عميق، والله من وراء القصد..

 

 

قد يعجبك ايضا