ولد الهدى فالكائنات ضياء .. وفم الزمان تبسم وثناء


بهذا أوجز الشاعر أحمد شوقي بروح الشاعر صياغة خالدة تصف الانقلاب الكوني الذي أحدثه مولد خير البرية وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين والذي انطفأت بمولده نيران المجوس وانشق إيوان كسرى وهرقل وكانت البشرية به أسعد وأرقى وأنعم.
في التالي نطوف في رحلة مع هذا الحدث الذي نحتفي في هذه الأيام المباركة بذكراه العطرة.. نتابع:
حال العرب قبل النبي الأعظم
بداية يحدثنا فضيلة الشيخ أحمد الحداد عضو البعثة الأزهرية في اليمن عن حالة العرب قبل المولد المبارك لنبي الإسلام فيقول: في ذلك الزمن نسى العرب التوحيد وعبدوا الأصنام من دون الله تبارك وتعالى وكان أول من أدخل عبادة الأصنام هو عمرو بن لحى أحد زعماء العرب.
وكان هناك قلة من العرب وقريش لازالوا متمسكين بالحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام وكان منهم ورقة بن نوفل الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة وقليل من العرب اعتنق اليهودية والنصرانية لكن السواد الأعظم ظل وثنيا يعبد الأصنام.
أما عن الحالة الاجتماعية للعرب آنذاك فيقول الحداد: انتشرت بين العرب الطبقية فكانوا سادة وعبيداٍ ومغتربين ومنبوذين .. وغير ذلك من الطبقات. وكذلك انتشرت أنواع من الأنكحة الجاهلية مثل نكاح الشغار والاستبضاع وغير ذلك وكذلك انتشر البغاء وأصحاب الرايات الحمر وغير ذلك وكان لا يوجد للمرأة قيمة في المجتمع فكانت مسلوبة الحقوق والحريات.
ومن الناحية الأخلاقية يقول الشيخ الحداد: كان العرب قوم سوءُ القوي منهم يأكل الضعيف والغني يحتقر الفقير انحدرت الأخلاق بشكل كبير. قلت الأمانة وكثرت الخيانة وانتشر القتل لأتفه الأسباب وكان هناك إساءة للجوار.
وللحقيقة يقول الحداد: كان العرب يتميزون عن غيرهم من الأمم بوجود بقايا أخلاق مثل الشجاعة والمروءة ونصرة المظلوم ولذلك اختارهم المولى تبارك وتعالى دون غيرهم لرسالة الإسلام ونبوءة آخر الزمان وخير الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي الحالة الاقتصادية والسياسية للعرب قبل ميلاد النبي يشير الشيخ الحداد بقوله: كان العرب يعتمدون في حالتهم الاقتصادية على التجارة وموسم الحج فقط ولم يكن لهم موارد كثيرة.
ولذلك كانوا أمة ضعيفة أمرها بيد غيرها من الأمم القوية الموجودة آنذاك فبعضهم كان ولاؤه للفرس والبعض الآخر ولاؤه للرومان وكانوا مضطرين لذلك لأنهم قبائل متفرقة يعادي بعضها بعضا ويحارب بعضها بعضا لحساب غيرهم وظلوا هكذا إلى أن أنقذهم الإسلام ووحدهم النبي خير الأنام وتحولوا من رعاة للغنم إلى قادة للأمم بفضل نبوءة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
إرهاصات الميلاد:
وحول الإرهاصات التي واكبت مولد النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام يقول فضيلة الشيخ إبراهيم أحمد أحمد عضو البعثة الأزهرية.
كان لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم مقدمات وبشارات كثيرة ومتعددة تدل على أن هذه النسمة المباركة ليست مولوداٍ عادياٍ لأن السماء قد احتفلت بميلاده والأرض قد تهيأت لقدومه بعلامات في الأرض والسماء ويذكر الشيخ إبراهيم من هذه المقدمات والإرهاصات على سبيل المثال لا الحصر:
أولاٍ: ظهور الشهب في السماء:
لقد كان السحرة والمنجمون يسترقون السمع عن طريق أولياءهم من الجن والشياطين الذين كانوا يتسمعون خبر السماء عن طريق التنصط على قلم اللوح المحفوظ ويكذبون على كل خبر ألف كذبة فكانت الشهب بشارة من الله بميلاد النبي حفظاٍ ورعاية لهذه النسمة المباركة فكانت تحرقهم وتترصدهم.
ثانياٍ: ما روي عن السيدة آمنه أم النبي صلى الله عليه وسلم أنها رأت أن نوراٍ خرج منها أضاءت منه قصور الشام فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل ما كان أول بدء أمرك: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نوراٍ أِضاءت منه قصور الشام” ودعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام هي قول الله تعالى “ربنا وأبعث فيهم رسولاٍ منهم يتلوا عليهم ءايتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم أنك أنت العزيز الحكيم” سورة البقر.
وبشرى عيسى عليه السلام قول الله عزوجل “ومبشراٍ برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد..” سورة الصف.
وقوله صلى الله عليه وسلم “ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام”. قال ابن رجب: “وخروج النور هذا عند وضعه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض وزالت به ظلمة الشرك منها كما قال الله تعالى “ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراٍ مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين”.
وقال ابن كثير وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوءته ببلاد الشام ولهذا تكون الشام في آخر الزمن معقلاٍ للإسلام وأهله.
ويختتم الشيخ إبراهيم بقوله: وهناك من البشارات والإرهاصات الكثير منها انطفاء نيران المجوس ولم تنطفئ منذ زمن طويل وكذلك سقوط أربعة عشر شرفة من أيوان كسرى وغارت بحيرة ساوه وبطهور هذه البشارات عرفت اليهود أنه ولد نبي آخر الزمان الذي كانوا يتوعدون به العرب ويقولون يوشك أن يظهر نبي قد أطل زمانه نقتلكم معه فتل عاد وأرم ظنا منهم أنه سيخرج منهم ولكن الله أخزاهم وخيب ظنهم وميز به العرب فكان نبياٍ عربياٍ من ولد اسماعيل.
النشأة المباركة
وعن طفولة النبي الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم يقول فضيلة الشيخ السيد مصطفى الدقرة عضو البعثة الأزهرية:
كانت طفولة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ونشأته وصباه مليئة بالأحداث العظيمة التي لا تنسى وقد سجلها التاريخ لتكون دلالة صادقة على نبوءته وعظيم قدره وعلو شأنه وارتفاع منزلته (صلى الله عليه وسلم) بدأت مع مرضعته السيدة حليمة السعدية -رضى الله عنها- والتي أتت من بني سعد لتحصل على طفل رضيع ميسور الحال لترتفع أجرتها حالها كحال رفيقاتها من المرضعات غير أن ضعف دابتها جعلها تتأخر عن الركب ولم تجد من قريش إلا طفلاٍ يتيماٍ تركته المرضعات ليتمه وفقره فرضيت به وقبلته.
ويضيف الدقرة: كان من عادة العرب أنهم يبعثون بأطفالهم الرضع إلى البادية لينشأوا نشأة قوية صلبة ليتحملوا الجلد والعزم والصبر وما أن حملته حليمة على دابتها حتى نشطت الدابة وأسرعت حتى لحقت الركب وسبقته فتعجبوا وما إن نزل بأرض بني سعد حتى أنبتت الأرض بعد جدب ودر الضرع وكثر اللبن بعد جفاف ونزل الغيث والمطر بعد قحط فعلموا أن له شأناٍ عظيما صدق فيه قول الشاعر حين قال:
جْعلت حياتك للزمان ربيعاٍ.. ومشى بشيرك في الأنام مذيعاٍ
الله أكبر حين بشر قائلاٍ.. وهب الإله إلى الأنام شفيعاٍ
تحولت حياة حليمة إلى ربيع وخير بقدوم هذا الطفل العظيم وما أن وصل سن السنتين حتى رأوا ما هو أعجب.. بينما يلعب (صلى الله عليه وسلم) مع ابن حليمة وأخيه في الرضاعة إذ أتى ملكان على هيئة رجلين فأضجعاه وشقا صدره الشريف (صلى الله عليه وسلم) وأخرجا منه ما يكون في بني آدم من الغل والحقد والضغائن وغير ذلك كما قال أهل العلم فظن أخوه أنه مات فأخبر أمه حليمة فخافت عليه وأرجعته إلى أهله فطمأنتها آمنة وهي التي سمعته يسبح الله في بطنها ورأت نوراٍ خرج من بطنها أضاء لها قصور الشام ولما نزل وليدا على يد القابلة (الشفاء بنت عوف) وجدوا نوراٍ أضاء لهم ما بين السماء والأرض, فأخبرتها أن لابني هذا شأناٍ فلا تخافي فعادت به فتربى مع حليمة حتى وصل سن الرابعة فعادت به إلى أمه وأصبح في حضانتها حتى وصل إلى سن السادسة فأرادت أمه أن تزور أهلها من بني النجار في المدينة فخرج معها في زيارة لأخواله وفي الطريق ألم بها المرض واشتد فماتت ودفنت أمامه (صلى الله عليه وسلم) فاحتضنته أم أيمن الحاضنة وعوضته حنان الأم حتى قال لها أنت أمي بعد أمي. وأصبح في كفالة جده عبدالمطلب سيد قريش والذي كان ينصب له الفراش أمام الكعبة فلا يجرؤ على وطأه إلا الطفل محمد (صلى الله عليه وسلم) فيزجره أعمامه فينهاهم جده عبدالمطلب ويقول دعوه فإن لابني هذا شأن. ولما مات عبدالمطلب والنبي (صلى الله عليه وسلم) في سن الثامنة من عمره تكفل به عمه أبوطالب كثير الولد قليل المال فكثر المال عنده وزاد الخير فأحبه حبا جما فعلمه رعي الغنم واصطحبه معه في التجارة وهو ابن ثمانية عشر عاماٍ حتى رآه بحيرى الراهب بالطريق ورأى خاتم النبوة بين كتفيه فأوصى عمه أن يحميه من اليهود لأنه النبي الخاتم فمنعه عمه وحماه حتى صار نبيا مرسلاٍ وهو الذي كان يلعب طفلاٍ مع أقرانه ويرفع الحجر مثلهم فتنكشف عورته فيسمع صوتا في السماء يا محمد اخفض ثوبك فإن عورتك على الناس حرام.. فصلوات الله وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله.

قد يعجبك ايضا