الثورة / متابعات
ينتظر الطفل عبدالعزيز عامر بفارغ الصبر أن يعاد فتح معبر رفح كي يتمكن من السفر لتلقي العلاج في الخارج.
أصيب عامر (14 عاما) بجروح بالغة في أفقدته إحدى ساقيه، فيما تهدد شظاها صاروخية قدرته على المشي إذا ما تحركت من مكانها.
تقول والدته إن طفلها يحتاج إلى طرف صناعي، والأهم من ذلك عملية جراحية دقيقة لإزالة شظايا عالقة قرب النخاع الشوكي، مشيرة إلى أن الأطباء أخبروها بأنهم لا يملكون أي إمكانيات لإجراء تلك العملية داخل قطاع غزة، لعدم توفر الأجهزة والمعدات الطبية، عوضا عن النقص الحاد الذي تواجهه في مستلزمات العمليات من أدوية ومستهلكات طبية.
ويعيش المرضى والجرحى في قطاع غزة بين فكي المرض والحصار، وسط آمال معلّقة على ورقة تحويل طبي قد تفتح لهم طريق السفر، لكن قرار رئيس حكومة الإحلال بالإبقاء على المعابر مغلقة، يجعل الوقت سيفاً على رقابهم.
وأوعز رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعدم فتح معبر رفح الحدودي حتى إشعارٍ آخر، في خطوة تهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى.
وقال مكتب نتنياهو، إن إعادة فتح المعبر ستُبحث فقط وفق الطريقة التي ستنفّذ بها حركة حماس الجزء المتعلق بها من الاتفاق، والمتمثل في إعادة جثامين الأسرى الإسرائيليين وتنفيذ التفاهمات الأخيرة، رغم تأكيد الحركة في أكثر من مناسبة أنها سلّمت جميع الجثامين التي تمكنت من العثور عليها.
وجاء القرار الإسرائيلي عقب إعلان السفارة الفلسطينية، أمس السبت، عن إعادة فتح معبر رفح اعتبارًا من يوم غد الاثنين، وذلك بعد إغلاق تام للمعبر منذ مايو 2024.
وتُقدّر وزارة الصحة في غزة وجود عجز دوائي خطير داخل مستشفيات القطاع، إذ وصلت 47% من الأصناف الدوائية إلى الصفر، إضافة إلى نفاد 65% من المستهلكات الطبية، وأكثر من 53% من أدوية الأمراض المزمنة، ما يجعل علاج أصحاب الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية، والمصابين بجروح خطرة شبه مستحيل في مستشفيات القطاع.
وفي ظل هذا الانهيار، لم يعد أمام آلاف المرضى سوى انتظار السفر للعلاج خارج القطاع، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين بآلية معقدة تتحكم فيها إسرائيل مباشرة.
آلية عقيمة
وأفاد مدير وحدة المعلومات الصحية في وزارة الصحة في قطاع غزة، زاهر الوحيدي، بأن أكثر من 17 ألف مريض وجريح في القطاع بحاجة ماسة إلى السفر لتلقي العلاج في الخارج، من بينهم مئات الحالات الطارئة.
وأشار إلى أن استمرار إغلاق المعابر يحرم هؤلاء من العلاج، في وقتٍ تشهد فيه المراكز الصحية تدهورًا خطيرًا في الخدمات والإمكانات الطبية.
وأوضح الوحيدي أن من بين المرضى المنتظرين للسفر 322 حالة إنقاذ حياة و2851 حالة عاجلة للغاية، مؤكدًا أن أكثر من 662 مريضًا فقدوا حياتهم وهم بانتظار استكمال تحويلاتهم الطبية.
وأضاف أن دور وزارة الصحة يقتصر على استكمال الإجراءات الطبية، وعرض الملفات على اللجنة المختصة، ثم إرسال الكشوف إلى منظمة الصحة العالمية التي تتولى التنسيق مع الجانب الإسرائيلي والدول المستضيفة.
ووصف الوحيدي هذه الآلية بأنها “عقيمة”، لأنها لا تسمح بخروج سوى 20 إلى 30 مريضًا كل أسبوعين أو ثلاثة، مشيرًا إلى أنه منذ أكثر من شهر لم يُسمح بالسفر إلا للأطفال، ولم يتجاوز عددهم 50 طفلًا في الشهر الواحد.
وبيّن أن أوضاع المرضى والجرحى تتدهور يومًا بعد يوم نتيجة طول الانتظار، موضحًا أن العديد من الحالات التي كانت تحتاج إلى تدخلات جراحية بسيطة أصبحت الآن تحتاج إلى عمليات معقدة.
تعميم الأزمة الإنسانية
كما أشار الوحيدي إلى أن جميع مرضى الأورام تدهورت أوضاعهم بسبب غياب بروتوكولات العلاج المنتظمة ونفاد الجرعات الدوائية الأساسية، مؤكدا أن العجز الدوائي يهدد حياة مرضى الأورام والكلى، ويحرم الأطفال من التطعيمات الأساسية، مما ينذر بـ كارثة صحية وشيكة إذا استمر الوضع الراهن.
وناشد الوحيدي المنظمات الدولية كافة، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، التدخل الفوري والعاجل لفتح المعابر، وإدخال الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة، وتمكين المرضى من السفر لاستكمال علاجهم قبل فوات الأوان.
بدوره، اتهم مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة الاحتلال بالسعي لتعميم الأزمة الإنسانية، مؤكدا أن مماطلة إسرائيل وعدم فتح المعابر يعكس تجاهلًا واضحًا للالتزامات الإنسانية.
وحذر من تلاعب قرار نتنياهو بمصير آلاف الجرحى والمرضى، خاصة وأن نحو 17 ألف جريح و10 آلاف مريض بالسرطان بحاجة ماسة للسفر لتلقي العلاج.
تسارع معدل الوفيات
في حين، وثقت منظمات طبية وهيئات صحية فلسطينية، وفاة مئات الأطفال وهم ينتظرون الإجلاء الطبي، بحسب ما نشرته رويترز.
وذكرت منظمة الصحة العالمية، التي تولت إدارة العملية العام الماضي، أن 740 شخصا، بينهم 137 طفلا مدرجون في القائمة، توفوا منذ يوليو/ تموز 2024.
وأوضحت المنظمة لرويترز أن من بين هؤلاء طفلة اسمها جنى عياد توفيت بسبب سوء التغذية الحاد في سبتمبر، مضيفة أنه لم توافق أي دولة على استضافتها.
ووفق منسق مشروع الإجلاء الطبي بمنظمة أطباء بلا حدود، هاني اسليم، فإن 19 من مرضى المنظمة المدرجين في قائمة الإجلاء استشهدوا خلال الحرب، بما في ذلك 12 طفلا.
وتابع قائلا: “إنه لأمر مؤلم حقا رؤية ملفات هؤلاء المرضى، والتواصل المباشر مع هؤلاء الأطفال، ثم تعلم أنك فقدتهم بسبب كل هذه التحديات والصعوبات”.
وأضاف اسليم لرويترز أن رفض سلطات الاحتلال حال دون إجلاء المرضى. ولم تستجب وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق لطلب للتعليق. وسبق أن قالت إن الموافقات تخضع لفحوصات أمنية.
وقالت كيت تيكس المحامية في منظمة “أطفال لا أرقام”، وهي مؤسسة خيرية مقرها بريطانيا تعمل في غزة وتشرف على حالات أطفال بحاجة إلى الإجلاء، إن “معدل الوفيات يرتفع بشكل مأساوي، كما هو متوقع في ضوء تدمير المنظومة الصحية والبنية الأساسية”.
ويمر نظام التحويل الطبي بمراحل، تبدأ من المستشفيات حيث تقر لجنة طبية الأولويات، ثم تُرسل الملفات إلى منظمة الصحة العالمية للتنسيق مع الدول المستضيفة والجهات الإقليمية، لكن المرور النهائي يتطلب موافقات إسرائيلية أمنية وعملية على المعابر، مما يُحوّل العملية إلى عنق زجاجة سياسي/أمني وبطء مُدمّر.
وكانت التحويلات الطبية في السابق نافذة نجاة لمرضى غزة، إذ اعتاد آلاف المرضى سنوياً على التوجه إلى مستشفيات القدس والضفة الغربية، أو إلى مصر والأردن، لإجراء العمليات المعقدة، أو الخضوع لعلاجات غير متوفرة محلياً، غير أن الحرب الإسرائيلية المستمرة غيّرت المعادلة جذرياً، إذ أُغلق معبر رفح منذ مايو 2024، وأصبح معبر كرم أبو سالم هو المنفذ الوحيد المتاح، لكن بشروط مشددة.