غزة.. حين يرحل الدخان وتبقى الحرب في القلوب وبقايا المنازل

 

الثورة / متابعات

رغم مرور 9 أيام على دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ، إلا أن الحرب لم تغادر حياة الغزيين بعد.
فما زالت رائحة الركام تعبق في الأزقة، وما زال الناس يواجهون معارك يومية من أجل البقاء، وسط فقرٍ مدقع، وانعدامٍ للأمن الغذائي، ونزوحٍ متواصل يثقل كاهل أكثر من مليوني إنسان يبحثون عن مأوى وحياة كريمة في أرض أنهكها الحصار والدمار.
معاناة مضاعفة بعد الحرب
لم تكتف الحرب بإزهاق عشرات الآلاف من الأرواح، بل سلبت من بقي حيًّا أدنى مقومات العيش، مئات الآلاف من الأسر لا تزال تعيش في خيام مؤقتة أو مدارس مهدمة جزئيًا، دون كهرباء كافية أو مياه نظيفة، في ظل ندرة فرص العمل وانهيار شبه كامل للبنية الاقتصادية.
يقول المواطن سامي النجار، وهو نازح من حي الزيتون، إن الحياة بعد الحرب أصبحت أصعب من زمن القصف نفسه: “كنا نظن أن توقف الصواريخ سيجلب الراحة، لكننا اكتشفنا أن الحرب تركت فينا جوعًا وخوفًا لا ينتهي. اليوم لا نعرف كيف نطعم أطفالنا، ولا نملك ثمن الخبز إلا بشق الأنفس”.
الطعام… حلم يومي
في شوارع غزة، تتكدس طوابير المواطنين أمام نقاط توزيع المساعدات القليلة، العائلات تنتظر وجبة ساخنة من تكايا الإغاثة، بينما الأسواق شبه خالية من المواد الغذائية الأساسية.
الاحتلال الإسرائيلي ما زال يمنع إدخال كثير من الأصناف الحيوية، كاللحوم والدواجن والبيض والخضروات الطازجة، ويُبقي على مواد محدودة لا تسد رمق الناس ولا توفر لهم تنوعًا غذائيًا يحميهم من الأمراض، وفق مصادر للمركز الفلسطيني للإعلام.
تقول أم وسيم، وهي أم لخمسة أطفال أنها تطهو العدس والرز يومًا بعد يوم، “لأننا لا نملك غيرهما. لم نرَ الخضار منذ أسابيع، ولا نستطيع شراء الفواكه حتى لو وُجدت، فأسعارها تضاعفت ثلاث مرات”.
هذا أول يوم دراسي لأطفالي بعد عامين من الانقطاع بسبب الحرب، اللهم وفقهم واجعلهم من الصالحين.
حصار اقتصادي وجوع منظم
بحسب تقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن نحو 88% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة قد دُمّرت أو لم يعد بالإمكان الوصول إليها بسبب الدمار والألغام.
المزارعون الذين كانوا يعتمدون على زراعة الخضروات والفواكه فقدوا مصدر رزقهم بالكامل، ما فاقم أزمة الغذاء وأدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
وأكدت الأونروا أن معظم العائلات في القطاع لا تملك القدرة على شراء المواد الغذائية من الأسواق، مشددة على أن إدخال المساعدات الإنسانية أصبح أولوية قصوى إلى حين تعافي القطاع الزراعي.
غياب الدخل وارتفاع الأسعار
في ظل الدمار الواسع وغياب الوظائف، يعيش معظم سكان القطاع تحت خط الفقر، من كان يملك متجرًا أو ورشة صغيرة فقدها تحت الركام. العامل اليومي الذي كان يقتات على أجره البسيط بات بلا عمل.
ويشير المواطن محمود عوض إلى أن “كل شيء في غزة صار يُحسب بالدولار أو الشيقل المرتفع، حتى لقمة العيش صارت تجارة خاسرة للفقراء”.
ويضيف أن بعض التجار يفرضون أسعارًا مختلفة بحسب السيولة المتوفرة، مما جعل الفقراء عاجزين عن شراء احتياجاتهم اليومية.
تحذيرات أممية
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك شدد في بيان له على ضرورة أن تكون حقوق الإنسان محور جهود التعافي في غزة، داعيًا إلى ضمان وصول الغذاء والمياه والرعاية الصحية بشكل عاجل، ووقف سياسة العقاب الجماعي التي يتعرض لها السكان المدنيون.
أما برنامج الأغذية العالمي (WFP) فقد أكد أن استمرار إغلاق المعابر الشمالية حال دون بدء عمليات التوزيع في مدينة غزة، ولم تصل سوى إمدادات محدودة جدًا، ما يزيد من خطر تفاقم الجوع وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال والنساء الحوامل.
أرقام صادمة ومأساة مستمرة
تقول وزارة الصحة في غزة إن حصيلة العدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 بلغت نحو 67,967 شهيدًا و170,179 مصابًا، فيما يعيش مئات الآلاف من الجرحى والنازحين في ظروف قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
التقيتُ سيدة في مقبرة الشجاعية فقدت زوجها وأبناءها الثلاثة وبناتها الأربع وعشرة آخرين من أسرتها قبل وقف إطلاق النار بأسبوعين.
تقول إن أحد أبنائها ما زال تحت الأنقاض حتى الآن.
واحدة من آلاف الأمهات في غزة يزرن قبورًا لا يدرين من يرقد فيها وينتظرن انتشال أحبّتهن من الركام.
رغم القسوة، يتمسك الغزيون بالأمل. في خيامهم وأزقتهم، تُسمع قصص صمودٍ لا تنتهي. أمهات يخبزن على النار رغم قلة الدقيق، وشبانٌ يحاولون إصلاح ما تبقى من بيوتهم بأيديهم، وأطفال يرسمون على الجدران أحلامهم الصغيرة عن وطنٍ بلا حرب ولا جوع.
يقول الشاب أيهم العمور، وهو من سكان دير البلح: “نحن لا نطلب المستحيل، فقط أن نعيش كبقية البشر. نريد بيتًا آمنًا ووجبة طعام كريمة، وسماء لا تمطر ناراً.

قد يعجبك ايضا