تعتبر التفرقة بين الأبناء من الظواهر السلبية التي تؤثر على نفسية الأبناء وعلاقاتهم الأسرية. ولها تداعيات وأبعاد مستقبلية على واقع ومستقبل الطفل.. في هذا التحقيق، سنناقش أسباب التفرقة بين الأبناء وتأثيراتها على الأبناء والأسرة، وفي هذا السياق أوضح مراقبون أن التفرقة بين الأبناء هي تفضيل أحدهم على الآخر في العطايا أو المعاملة، وهي ليست مستحبة شرعًا وقد تسبب آثارًا نفسية سلبية كالحقد والغيرة وانعدام الثقة بالنفس، حيث يبيح الفقهاء التفرقة في العطية فقط في حال وجود سبب شرعي مثل حاجة أحد الأبناء لمال إضافي بسبب مرض أو ضعف. بينما في المعاملة، يجب على الآباء المساواة بين الأبناء في الحب والاهتمام والتقدير لضمان بيئة أسرية سليمة:
الثورة / رجاء الخلقي
حسين محمد البالغ من العمر 13 عاما، يعتبر نفسه مظلوماً بسبب الحب الزائد والاهتمام الكبير من قبل والده لأخيه الأصغر منه سنا.
ويقول حسين:(أبي لا يحب الجلوس معي كأخي الذي طالما يجلس معه ويمازحه ويبادله النكت والطرائف ويميزه في العطايا والمال، حتى إذا غلط فسرعان ما يسامحه عكسي تماما.. ودائما يكون معي شديد الغضب والصراخ لأتفه الأمور، بل ويتهمني بالقسوة على أخي حينما أذكره بسوء تعامله معي وتمييزه لأخي، رغم فشله الدراسي وحتى عصيانه له).
ولي الأمر محمد سعيد 47 عاما أب لخمسة أبناء يقول: الأبناء هم من يجعلونا نميز ونعدل بينهم والمساواة فيما بينهم، مثلا الولد البار بوالديه العطوف والحنون عليهما يكسب منا محبة أكثر من اخوته الذين لا يهتمون لوالديهم ولا يعيرهما أي اهتمام وهذا أمر طبيعي.
أبعاد اجتماعية
فيما تقول الدكتورة حنان سمير- أستاذة علم اجتماع بجامعة صنعاء: إن تمييز الوالدين الذكور عن الإناث له جانب سلبي، فبعض الآباء يفضلون الذكور على الإناث أو العكس، وهذا التفريق قد تكون له جذور ثقافية واجتماعية وكذلك قد يفضل الآباء الأبناء الذين يمتلكون صفات معينة، مثل الذكاء أو الروح المرحة والاهتمام بالرياضة وكذلك الطاعة للوالدين.
وتضيف سمير قائلة: قد يفضل الآباء الإبن الأكبر(البكر) أو الأصغر على غيرهما من الأبناء، وأيضا الأبناء، ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب مرض أو إعاقة، أو غيرهما ذلك من الأمراض الصحية، قد يؤدي الاهتمام بهم إلى شعور بقية الأبناء بالتفرقة وقلة حب الوالدين لهم كونهم أصحاء.
مبينة أن التفرقة بين الأبناء تؤثر بشكل مباشر على نفسية الأبناء وعلاقاتهم الأسرية، حيث تشمل هذه التأثيرات حدوث مشاكل النفسية، مثل القلق والاكتئاب والاضطرابات السلوكية وتدهور العلاقات الأسرية، ما قد يصل الأمر إلى حد الكراهية والحقد بين الأبناء.
وأشارت سمير إلى ما قد تسببه هذه الظاهرة من مشاكل في النمو الاجتماعي، حيث يجد الأبناء صعوبة في التكيف مع المجتمع، وقد يعانون من مشاكل في بناء علاقات صحية مع الآخرين. وكذلك فقدان الثقة بالنفس، حيث يشعر الأبناء الذين يتعرضون للتفرقة إلى فقدان الثقة بأنفسهم، وقد يجدون صعوبة كبيرة في إمكانية تحقيق أهدافهم مستقبلا.
المساواة بينهم
وتوضح عبير سمير أنه لتجاوز مشكلة التفرقة بين الأبناء، يمكن للآباء اتخاذ بعض الخطوات، منها المساواة في المعاملة، حيث يجب على الآباء معاملة جميع أبنائهم بالعدل والمساواة، وعدم إظهار أي تفضيل لأحد منهم على الآخر وقضاء وقت كاف مع كل الأبناء دون تمييز.
مؤكدة على ضرورة تخصيص وقت كاف لمتابعة الأبناء والاهتمام بهم والتأكد من غمرهم بالحب والاهتمام، بالإضافة إلى التركيز على نقاط القوة لدى كل ابن، حيث يجب على الآباء تشجيع أبنائهم وتطوير نقاط قوته ومهاراتهم، وعدم مقارنتهم بالآخرين والتحدث مع الأبناء عن أهمية تعاونهم وحبهم لبعضهم البعض كون الآباء يكنون لهم نفس المشاعر من الحب دون تمييز أحدهم عن الآخر.
أفراد فاعلون:
فيما أكد المختصون النفسيون أن التفرقة بين الأبناء مشكلة خطيرة تؤثر على نفسية الأبناء وعلاقاتهم الأسرية. ويجب على الآباء أن يسعوا إلى تحقيق المساواة في المعاملة بين أبنائهم، وأن يشجعوا كل ابن على تطوير مهاراته وهواياته بهذه الطريقة، يمكن للأبناء أن ينموا بشكل صحي وسليم، ويصبحوا أفرادًا فاعلين في المجتمع.
رأي الدين
حرّم الإسلام التفرقة بين الأبناء والتمييز بينهم، ونبذ كل أفعال الجاهلية في هذا الشأن، حيث كانوا يغضبون إذا بشروا بولادة الأنثى، كما أخبر الله- عز وجل في كتابه-: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)، لذلك ربّى الله- عز وجل- المسلمين على الرضا بقسمته، فالمسلم يحمد ربه على الولد ذكرًا كان أو أنثى.
وأمر الله- جل وعلا- بالتسوية بين الأبناء في الرِّعاية والعطية وسائر الشؤون، وذلك في الآيات التي تتحدث عن ضرورة العدل، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).