مفارقات حربي دماج وغزة

بقلم/ محمد ناصر البخيتي


ما بين حرب دماج عام 2011 وحرب غزة عام 2023، اثنتا عشرة سنة من التيه والصراعات الداخلية التي أنهكت الأمة، وأهدرت طاقاتها، وأزهقت أرواح الملايين، وتسببت بخسائر مادية تُقدّر بتريليونات الدولارات.
كل ذلك جرى تحت لافتة “الدفاع عن السنّة والصحابة”، في حين كانت الأمة تُستنزف من داخلها لصالح اعدائها.

لذلك، على الأمة اليوم أن تقف أمام تلك الأحداث موقف المتأمل المتجرد، لسبر أغوار المفارقات التي تكشفها قراءة متأنية للفترة الزمنية الفاصلة بين حربي دماج وغزة.

المفارقة الأولى:
اتضح أن التيار السلفي التابع لمدرسة دماج ينحاز اليوم بشكل علني وكامل إلى جانب الصهيونية العالمية في حربها على غزة، عسكريًا وإعلاميًا وعاطفيًا.

المفارقة الثانية:
اتضح أن كل الذين اتُّهموا قبل طوفان الأقصى بمحاربة السنّة، هم وحدهم الذين تحرّكوا اليوم لنصرة سنّة غزة، ويقدّمون التضحيات في سبيلهم.

المفارقة الثالثة:
اتضح أن الذين شاركوا في العدوان على محور المقاومة بذريعة الدفاع عن السنّة، هم أنفسهم الذين تآمروا اليوم على سنّة غزة وخذلوهم في ساعة الشدة.

المفارقة الرابعة:
الجماعات الإسلامية التي شكّكت في صدق موقف محور المقاومة الداعم للقضية الفلسطينية، ووجّهت سلاحها لمحاربته، هي نفسها التي استسلمت للكيان الصهيوني بمجرد أن أصبح لها حدود متصلة معه، بالتزامن مع ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق أهل غزة.

تلك المفارقات تقودنا إلى نتيجتين مفجعتين:
الأولى: أن كل الحروب الداخلية التي أُشعلت تحت شعار “الدفاع عن السنّة والصحابة” لم تكن سوى حروبٍ أمريكية بالوكالة، هدفها استنزاف طاقة الأمة وإضعافها من الداخل، وصرفها عن معركتها الحقيقية مع العدو الصهيوني.

الثانية:
اتضح أن التصهين اللاشعوري لدى الجماعات الإسلامية أخطر من التصهين الصريح لبعض الحكومات العربية كالسعودية والإمارات، إذ كان وما زال وقودًا للفتنة الداخلية، ولولا طوفان الأقصى لما تَسنّى لنا كشفه وتعريته.

لقد أدرك قادة الصهيونية العالمية خطورة مشروع أنصار الله عليهم، فسعوا إلى إشعال فتنة دماج في نهاية عام 2011، لجرّ الأمة إلى مربع الصراع بالوكالة، وتحويل وجهتها من مواجهة العدو الحقيقي إلى استنزاف ذاتها داخليًا.

وتجدر الإشارة إلى أن فكرة التلذذ بتجويع نساء وأطفال صعدة بسلاح الحصار بهدف اخضاعها سبقت فكرة التلذذ بتجويع نساء وأطفال غزة بنفس الوسيلة ولنفس الغرض، والفارق الوحيد بين الحصارين هو أن الأول أُعلن على لسان أشد الناس كفراً ونفاقاً، أما الثاني فأُعلن على لسان أشد الناس عداوةً للذين آمنوا.

كل ما سبق يقودنا إلى سؤال مصيري: كيف تتخلص الأمة من داء التصهين اللاشعوري؟ وهذا ما سنُعالجه في المقالات القادمة، إن شاء الله تعالى.

قد يعجبك ايضا