الثورة / افتكار القاضي
في حين تتواصل في العاصمة المصرية القاهرة المفاوضات بين حماس والاحتلال للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وفق خطة ترامب لإنهاء الحرب على غزة ..تتعالى أصوات القصف الصهيوني فوق صرخات المدنيين النازحين فيما تبقى من مدينة غزة، حيث تكدس أكثر من مليون فلسطيني في المدينة التي تتحول يوما بعد يوم إلى ركام.
حيث انهارت الأبراج، ومُحيت المخيمات، وتعرضت مراكز الإيواء للقصف والتدمير ، لتتشكل خريطة جديدة لا تُرسم بالصدفة، بل وفق خطة لإعادة تشكيل المشهد السكاني عبر نزوح قسري متدرج.
وأشارت صور الأقمار الصناعية وبيانات النزوح وشهادات الميدان إلى خيط واحد يربط بين التدمير الممنهج ودفع السكان نحو الجنوب، حيث روّج الاحتلال لما سماه مناطق إنسانية، بينما هي في الواقع بؤر اختناق ومعاناة.
تدمير ممنهج
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الصادرة عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات) ارتفاع عدد المباني المدمرة شمال القطاع إلى 42 ألفا و470 مبنى حتى 8 يوليو 2025، مقارنة بـ33 ألفا و837 مبنى في 25 فبراير/شباط 2025.
وعكس هذا الفارق، الذي يقارب 9 آلاف مبنى خلال أقل من 5 أشهر، مرحلة جديدة من العمليات الإسرائيلية، حيث أصبح الاستهداف ممنهجا للكتلة العمرانية بهدف دفع السكان قسرا نحو الجنوب، ضمن سياسة أشبه بـ”الأرض المحروقة”.
إخلاء قسري تحت النار
وفي مدينة غزة وشمالها يسكن أكثر من 1.3 مليون نسمة، بينهم نحو 398 ألفا من محافظة شمال غزة نزح معظمهم إلى غرب المدينة، إضافة إلى أكثر من 914 ألفا من سكان محافظة غزة، بينهم نحو 300 ألف اضطروا لترك الأحياء الشرقية نحو وسط المدينة وغربها.
لكن هذا النزوح لم يكن اختيارا طوعيا، بل وقع تحت القصف والدمار الهائل حيث نفذت قوات الاحتلال عمليات إخلاء قسري استهدفت نحو 140 مخيما ومركز إيواء في شمال غزة، إلى جانب أحياء التفاح والشجاعية شرق المدينة وحي الزيتون جنوبها.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية لمخيمات النازحين في حي الزيتون اختفاء المخيمات بالكامل عقب العمليات العسكرية المكثفة، في مشهد لخص التهجير القسري الممنهج الذي أفرغ الأحياء من سكانها بصمت وأعاد رسم الخريطة السكانية بالقوة.
وكشف تحليل صور الأقمار الصناعية من 4 يوليو إلى 4 سبتمبر 2025 عن حركة نزوح كثيفة نحو غرب المدينة ومخيم جباليا، حيث انتشرت خيام جديدة على مساحات ضيقة. وأدى ذلك إلى تكدس عشرات الآلاف من المدنيين في ظروف معيشية قاسية وخطر الاستهداف المباشر.
استهداف الملاذات الأخيرة
وصعّد الاحتلال، في إطار سياسة التهجير القسري، استهداف المباني السكنية العالية التي باتت ملاذا لأسر فلسطينية.
ومنذ سبتمبر الماضي دمّر الاحتلال عشرات المباني السكنية والابراج مما أدى إلى تهجير مئات الأسر دفعة واحدة.
ونشر الاحتلال الشهر الماضي خريطة لما سماه منطقة إنسانية جنوب غزة، داعيا سكان شمال ووسط القطاع للنزوح إليها.
لكن تحليل صور الأقمار الصناعية كشف أن المساحة الإجمالية للخريطة تبلغ نحو 43 كيلومترا مربعا، منها 17 كيلومترا مشغولة بخيام نازحين وأراضٍ زراعية وأحياء مدمرة، لتتبقى نحو 10 كيلومترات مربعة فقط صالحة نسبيا لإقامة مخيمات جديدة.
ولم تُظهر المساحة المعلنة سوى شريط ضيق شديد لا يكفي لمئات آلاف المدنيين، مما حوّل المنطقة الإنسانية إلى أداة دعائية لشرعنة التهجير القسري بدلا من توفير بيئة إنسانية آمنة.
ومع استمرار النزوح تحت القصف، كشفت صور الأقمار الصناعية عن تكدس خيام جديدة في دير البلح وخان يونس، أبرزها غرب مدينة حمد، حيث بلغت مساحة انتشارها نحو 1.25 كيلومتر مربع فقط ، محوّلة الخريطة الإنسانية إلى مصيدة اكتظاظ تحت القصف.
واستخدم الاحتلال الخريطة كأداة دعائية لتسويق التهجير القسري كخيار إنساني، غير أن الواقع يروي قصصاً مروعة للموت قصفا وتجويعا لأكثر من مليوني فلسطيني يختنقون في بقعة ضيقة في مشهد يعكس حجم المأساة الإنسانية التي صنعها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة على مدى عامين من حرب الإبادة والتجويع والتدمير الممنهج .