من التمويل إلى الأمن القومي.. الشركات الصغيرة هي الأولوية رقم 1 لضمان النجاة الاقتصادية في العصر الرقمي
الثورة / محمد يحـيى القاسمي
«من وحــي خيرات اليمن» أثناء زيارتي لهذا المعرض الرائع، مررت بعشرات المشاريع الريادية، والصغيرة، والمهمة، هذه المشاريع هي لبنة أولى لاقتصاد اليمن المستقبلي اذا كان لدينا أي توجه استراتيجي حقيقي. ومن هنا بدأت رحلتي لصياغة هذا المقال كجزاء من جهاد الكلمة، عسى أن يصل إلى اذن تصغي أو عقل يعي.
لطالما ارتبطت صورة “الأعمال الصغيرة” في أذهاننا بالدفء والمحلية؛ متجرنا المفضل أو الحرفي الماهر في الحي. لكن، ما تؤكده البيانات والمعلومات التي اطلعت عليها، هو أن هذا القطاع هو العمود الفقري الحقيقي للاقتصاد العالمي.
تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة ما يقرب من 90 % من إجمالي الشركات عالمياً وتُنتج ما يقرب من 50 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذه القوة الهائلة لا تقود فقط حركة التجارة والابتكار، بل هي المحرك الذي يبقي العجلة الاقتصادية دائرة. وفي الاقتصادات النامية، ليست الشركات الصغيرة مجرد القلب، بل هي القلب والرئتان والدماغ، كونها المصدر الأهم للوظائف والدخول التي ترفع مستوى معيشة الناس.
تحولات السوق.. ظهور الطبقة الوسطى والريادة النسائية
اليوم، نعيش في نقطة تحول تاريخية. لأول مرة، أصبح أكثر من نصف سكان الكوكب ضمن فئة الطبقة الوسطى أو الأغنى. هذا يعني أن لدينا الآن سوقاً قوامه 4 مليارات شخص يمتلكون قوة شرائية هائلة تتغير أنماط استهلاكها باستمرار. هذه الكتل البشرية الهائلة يجب أن تكون الوجهة الاستراتيجية لأي صاحب عمل.
هذا التحول الكبير يتزامن مع اتجاه ريادي نسائي لا يمكن تجاهله. اطلعت قبل أيام على بحث لماستركارد أشار إلى أن 78% من النساء في مناطق واسعة من العالم يطمحن لبدء أعمالهن، وأن 89% من شابات هذا الجيل لديهن نفس الطموح. هذا يؤكد أن تمكين “الأسر المنتجة” عبر ريادة الأعمال هو استثمار استراتيجي لبناء الطبقة الوسطى المستقرة والمزدهرة في العقود القادمة.
الرقمنة أولاً.. من الخيار إلى شرط البقاء
في الدول النامية يجب أن نأخذ الحقائق والتجارب ونستفيد من الدول المتقدمة؛ تكوين الأعمال الجديدة في اقتصادات متقدمة مثل الولايات المتحدة يتم قيادته بشكل ساحق عبر التجارة الإلكترونية. لم يعد “الذهاب إلى الإنترنت” خياراً ترفيهيًا، بل أصبح شرطاً للبقاء والنمو.
تقرير Mastercard Spending Pulse لشهر ديسمبر 2024م، يكشف هذا التحول بوضوح: نمو إنفاق التجزئة عبر الإنترنت بنسبة 6.7%، بينما زاد الإنفاق داخل المتاجر بنسبة 2.9 % فقط. هذه النسبة تؤكد أن المستهلك أصبح يفضل نموذج “الرقمي أولاً”. على كل رائد أعمال أن يضمن أن مشروعه مُتاح ومُحمي في هذا الفضاء المتنامي.
الذكاء الاصطناعي يفكك العقبات الكبرى (التمويل)
لطالما كان الوصول إلى التمويل هو الكابوس الأكبر للشركات الصغيرة. لكن، وهنا تكمن الثورة، الخبراء يؤكدون أن الذكاء الاصطناعي يزيل هذه العقبة التاريخية.
فبدلاً من الرهن العقاري والبيروقراطية المعتادة، تستخدم المنصات الرقمية الآن سلوك الشركة ومدفوعاتها (حتى الصغيرة منها) لبناء جدارتها الائتمانية. هذه التقنيات تتكفل بـ “التكاليف الثابتة” المرتفعة لإدارة القروض الصغيرة.
وقد قرأت قصة نجاح ملهمة لرائدة أعمال آسيوية يمكن أن تكون نموذجًا لنا في اليمن والخليج وكل الدول النامية. هي قصة تاليا شاه في شركة Sparkle Lighting. لم يطلبوا منها “إصلاح النظام بأكمله”، بدلاً من ذلك، تلقت إرشاداً مُصغرًا (مدعومًا بالذكاء الاصطناعي) ركّز تحديداً على التسويق الرقمي وتحسين محركات البحث (SEO) . النتيجة المذهلة: تضاعف عملها عامًا بعد عام. وأنا أقرأ القصة اقتنعت أن على رواد الأعمال أن يتعلموا: لا حاجة لإعادة اختراع العجلة، فقط ابحث عمن يملك الإجابة.
التحدي الأكبر.. الأمن السيبراني هو اللقاح الضروري
صحيح أن هناك مخاطر جمّة تواجه رواد الأعمال والشركات الصغيرة والناشئة، أبرزها الأمن السيبراني. إذا كانت الرقمنة هي العلاج، فإن الأمن السيبراني هو اللقاح الضروري للبقاء.
وهنا يوجه الخبراء تحذيراً لاذعاً: 46 % من الشركات الصغيرة تعرضت لهجوم سيبراني. والأكثر خطورة هو أن ما يقرب من واحد من كل خمسة من هؤلاء الضحايا أعلن إفلاسه أو أغلق أعماله لاحقاً.
وفي معظم الأوقات، إذا كنت رائد أعمال، فإنك تفكر في كشوف المرتبات… عادة ما يكون الأمن السيبراني في المرتبة الرابعة أو الخامسة في قائمتك. الحقيقة هي أنه يجب أن يكون الرقم واحد، وإلا فإن البقاء يتجه نحو الصفر. بالنسبة للكثيرين، إدارة عمل صغير هي وظيفة منعزلة. وهنا يبرز الدور الحيوي لضرورة تبني وإنشاء مبادرات لحماية وتدريب وتوعية الشركات الصغيرة بأهمية الأمن السيبراني.
وفي الأخير، نوجه النصح إلى القيادة والحكومة للاهتمام بهذه الشريحة الهامة والكبيرة والقابلة للتوسع. إنها رأس مال حقيقي للوطن.
البحرين تلك الدولة الصغيرة أطلقت قبل فترة مبادرة لتدريب 50,000 بحريني في مجال الذكاء الاصطناعي، وأصبحت هذه المبادرة مثالًا يحتذى به عالميًا. تابعت تصريح لـ وزير المالية والاقتصاد الوطني البحريني، عن سبب تبني هذه المبادرة فكان محتوى تصريحه أن الحكومة ركزت على أن “إحدى مخاطر الذكاء الاصطناعي هي أنه سيكون مركّزاً جداً في التمكين الاقتصادي.” دور الحكومة هو “ضمان أن يكون الوصول إلى التكنولوجيا والتدريب مُنتشراً قدر الإمكان وغير مقتصر على القلة.”
الرؤية النهائية تؤكد أننا ندخل “عصراً جديداً” تتضاءل فيه العقبات التقليدية. ويشدد على أن الشركات الصغيرة هي من ستوفر الفرص للنساء والشباب للوصول إلى الطبقة الوسطى، وأن القدرة على كسب المال عبر هذا المسار تترجم إلى “تحسينات في حياة ملايين الأشخاص حرفياً ثم أطفالهم”.
وأختم مقالي هذا بدعوة واضحة وموجهة للجميع:
* إذا كنت مستهلكًا فاشترِ من رائد عمل تجاري صغير في منطقتك.
* إذا كنت صاحب مشروع صغيرًا فابحث عن الموارد والشبكات المتاحة.
أنا مقتنع تماماً أنه عندما يفوز أصحاب الأعمال الصغيرة، يفوز العالم. فلنجعل اليمن يفوز أولاً، ولنجعل هذا يحدث معاً.