خطة ترامب.. استهدافٌ مباشر لـ “الزخم الدولي” و تكريسٌ “وقح” لأمن الكيان

الثورة نت /..

لا يمكن اعتبار ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس، باسم تحقيق السلام في قطاع غزة، إلا باعتبارها خطة إسرائيلية بإعلان أمريكي، يتم بموجبها استكمال ما عجز عن تحقيقه العدوان الإسرائيلي على القطاع، والمستمر منذ نحو عامين، وذلك من خلال وضع قطاع غزة تحت الانتداب، بما يُكرس أمن إسرائيل من خلال عدد من الإجراءات أبرزها القضاء على المقاومة، علاوة على امتصاص (الغضب العالمي) جراء الجرائم الإسرائيلية ، وإحالة خطاب المسؤولية باتجاه فصائل المقاومة، وفي كل ذلك تتجلى مدى فاشية أمريكا، وهي تُعلن بفجاجة انحيازها لـ “إسرائيل”؛ لكنها تعيدنا، في إحالة مباشرة، إلى “صفقة القرن”؛ فالكرة مازالت في الملعب الأمريكي نفسه.

تضمنت الخطة تسليم الأسرى الإسرائيليين ورفات القتلى منهم، دون قيد أو شرط خلال وقت معين حدده ترامب. وهذا ما عجزت عنه القوات الإسرائيلية من خلال الحرب؛ وها هو ترامب يريد تحقيقه تحت لافتة السلام من خلال لغة نرجسية تُحيلنا إلى نظرة عنصرية يعبّر عنها ترامب على امتداد تعامله مع المظلومية الفلسطينية خلال ولايتيه الأول والثانية.

تستهدف الخطة، وفق تصريحات ترامب، تدمير كل بُنى حركة “حماس” ونزع سلاحها، وهذا مطلب إسرائيلي لم يتحقق منذ سنوات طويلة؛ وها هو ترامب يعلن عنه، باعتباره مطلب سلام ، وبالمقابل ستبقى القوات الإسرائيلية في القطاع، وسيتم انسحابها على مراحل يتم الاتفاق عليها لاحقًا، وهنا أبقت الخطة الجدول الزمني لرحيلها غامضًا ومرحلًا؛ موضحًا أن “الأطراف ستتفق على جدول زمني لانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة على مراحل”؛ وهو ترحيل لموعد غير معلوم لانسحاب قوات الاحتلال؛ وهذا يمثل مسارًا التوائيًا يُكرس بقاء الاحتلال في القطاع حتى افراغه من كل مقومات المقاومة على الأقل، ويفرض، من خلال بقائه لزمن غير معلوم، واقعًا جديدًا في القطاع لاسيما، وهو يستهدف بالمقابل نزع سلاح المقاومة، في ثنائية تكشف بوضوح ملامح الخدعة التي يحاولون تسويقها باسم خطة سلام، وهي في الواقع خريطة استسلام.

ما اسماه (مجلس السلام)، الذي قال إنه سيترأسه شخصيًا، وسيشارك فيه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ، توني بلير، تعكس رؤيته، هنا، نفس حقيقة العقلية الأمريكية في البيت الأبيص، لاسيما في فوقيتها ، و استمرارها في فرض الهيمنة، وفي المقابل تعزيز الاحتلال للقطاع من خلال واجهة موازية لقوات الاحتلال؛ وهي هيئة دولية (تحت الوصاية الامريكية)، مما يعني وضع القطاع تحت الانتداب، كحل لتجاوز الوجود الإداري والسياسي الفلسطيني المقاوم، وهو توصيف أقل حدة من الواقع؛ لأن المجلس المكلف بإدارة الوضع في غزة سيكون معنيًا بتطبيق السياسية الإسرائيلية والأمريكية، التي سيتم بموجبها استبعاد المقاومة ، وكل اشكال الحضور الفلسطيني الحقيقي، وبالتالي إخضاع القطاع لواقع إسرائيلي جديد، لكنه، في فحواه، تكريسًا للاحتلال القديم بكل أدواته؛ وهو ما يمثل ضمًا غير مباشر للقطاع لجغرافيا الاحتلال الصهيوني.

“الدول العربية والإسلامية ستكون مسؤولة عن التعامل مع حركة حماس”؛ وهو نص نقرأ فيه مزيدًا من استهداف للمواقف العربية والإسلامية، التي حاصرها ترامب، بهذا النص، في مربع حدد واقعه وفحواه مقدمًا، وهو واقع ضد المقاومة؛ كما وضع الدول العربية والإسلامية أمام مسؤولية دفن فصائل المقاومة، باعتبار هذه الانظمة أداة من أدوات “اسرائيل”، إذ أحال التواصل مع حماس إلى الدول العربية والإسلامية؛ وهو نص لم يرد تفسيره، وربما أرادت منه الخطة إبقاء المقاومة في الثلاجة العربية والإسلامية، أو يتم إدخالها مع الدول العربية والإسلامية في مواجهة تعلن ازاءها هذه الدول أن “حماس” وغيرها من الفصائل هي المسؤولة عن الواقع الراهن باعتبارها ترفض السلام؛ أي أن تتحول الدول العربية والإسلامية إلى شاهد زور يبرأ الكيان من جرائمه، ويحمّل المقاومة كامل المسؤولية.

“إذا رفضت حماس هذا الاتفاق فإن نتنياهو سيحصل على دعمنا الكامل للقيام بما يجب”، تصريح يؤكد فيه ترامب موقفه الواضح، وفي أي مربع يقف، ويؤكد بالقدر نفسه أن هذه الخطة تترجم هذا الموقف، وهو الانحياز التام ل”إسرائيل”، والتعبير عن مطالبها والدفاع عنها، وبما يكرّس أمنها؛ أي أن هذه الخطة جاءت استجابة لحاجة إسرائيلية وتلبية لاستراتيجيتها ومعالجة لمأزقها في القطاع؛ وهو مأزق تشاركها فيه واشنطن؛ أمام المجتمع الدولي؛ ما يجعل من هذه الخطة محاولة للخروج من هذا المأزق.

“مجلس السلام سيكون مسؤولًا عن تشكيل حكومة في غزة بمشاركة فلسطينيين وغيرهم، وحماس لن تكون جزءا منه” قد يبدو في ظاهر النص ما قد نعتبره تدويلًا لحكم غزة؛ وهو لن يكون كذلك، بل هو أسرلة لحكمه من خلال اختيار مَن هم مناوئون للمقاومة ومتصالحين مع العدو، باعتبار الهدف الرئيسي من هذه الخطة هو إعادة برمجة وهندسة القطاع، لاسيما بعد كل هذا الموت والقتل والتجويع والتدمير؛ متكئا على ما يعتقده واقعًا يعزز هذه الرؤية؛ وهذه الرؤية مفادها أن سكان القطاع قد صاروا مستعدين للقبول بأي حلول، بما فيها رحيل المقاومة؛ لكنه لا يعرف حقيقة الشعب الفلسطيني؛ ومدى تمسكه بقضيته، واستعداده لتقديم مزيد من التضحيات في سبيل قضيته وإقامة دولته، وفي الأول والأخير لن يرضى بتركيعه.

النرجسية العالية التي أظهرها ترامب خلال الإعلان ، وهي نرجسية مقرونة بعجرفة تتجلى بوضوح في تصريحه قائلًا “الكثير من الفلسطينيين يتمنون العيش بسلام وهؤلاء يحظون بدعمي”، والسؤال: ما هو الدعم الذي سيقدّمه ترامب للفلسطينيين مقارنة بالدعم الذي قدّمه ويقدّمه للعدو الإسرائيلي خلال عدوانه الهمجي على قطاع غزة خلال عامين تقريبا؟ وهل مَن يقدم دعم لقاتل أخيك سيقدم دعم لك للاقتصاص من القاتل، بعدما قتلت القنابل الأمريكية أبيك وأمك وإخوتك وشقيقاتك، ودمرت منزلكم، ولم يبق من كل العائلة سواك؟!

يقول ترامب،”خطتي تدعو لإنهاء الحرب فورًا، واستعادة الرهائن، وإرساء ظروف مستدامة لأمن “إسرائيل” ونجاح الفلسطينيين”، وفي هذا التصريح يتحدث بصراحة عن أمن “إسرائيل”، لكنه بالمقابل تحدث عن نجاح الفلسطينيين، وليس أمنهم أو سلامتهم أو تعويضهم عما ألحقه العدوان بهم من خسائر لا تعوض؛ وهو نجاح يعتقد إنه الاستسلام.

تصريح ترامب يحمل موقفًا واضحًا: “أنا مع إسرائيل، واتفهم موقف نتنياهو بعدم قيام دولة فلسطينية”.

ويخلص مؤكدًا: لا رئيس أمريكيًا كان أفضل لإسرائيل مني.

كيف نفهم، بعد كل هذا، خطته للسلام في قطاع غزة، سوا أنها محاولة لاستكمال ما عجز نتنياهو عن تحقيقه بالنار؛ بل وأراد منها (أي الخطة) استماله بعض المواقف الدولية لصالح استمرار العدوان على القطاع، في ظل تنامي تلك المواقف الرافضة لاستمرارها و المنددة بجرائمها ومجازرها الوحشية؛ فكانت هذه الخطة أشبه بمحاولة لـ(فرملة) ذلك الزخم الدولي تجاه جرائم الإبادة، وتحويل مساره باتجاه المقاومة، بما يعزز مطالب العدو الإسرائيلي، ويتجاوز به مأزقه الراهن، ومعه أمريكا أيضًا.

أما عن إمكانية تحقيقها؛ وهذا المهم ؛ فنقول إن الواقع يتناقض كليًا مع إمكانية تنفيذ تفاصيلها؛ بل في احسن الأحوال ستخلق إطارًا جديدًا يتطلب مفاوضات على مراحل، بما يُطيل أمد الحرب والعدوان على قطاع غزة.

واشنطن تكرر نفسها فيما تقدمه من أجل “إسرائيل”؛ بل يمكن القو ل إن ترامب يكرر نفسه ، أيضًا، بهذه الخطة، التي تذكرنا بدوره فيما عُرف بـ”صفقة القرن”؛ فالمضمار نفسه والمعركة نفسها.

قد يعجبك ايضا