الوعي والبصيرة في فهم حقيقة الصراع

طاهر محمد الجنيد

 

حين تمتلك القوة لكن دون أخلاق أو قيم أو مبادئ، فإن كل شيء يخضع لمعيار القوة وليس لمعيار الحق وهذه الأساليب سمة أساسية للإجرام والطغيان، فرعون قال ((ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)) غافر29؛ وقال أيضاً ((ما علمت لكم من إله غيري)) ومثل ذلك النمرود الذي قال ((أنا أحيي وأميت))، فالقوة التي كانا يمتلكانها أغرتهما بالانتقال إلى مستوى ادعاء الربوبية والألوهية.
التحالف الصهيوني الصليبي اليوم يمتلك القوة ويفرض إرادته على الآخرين ويقلب الحق باطلا والباطل حقا ويجعل القاتل والمجرم بريئًا والبريء متهما واجب القضاء عليه وإبادته .
أمريكا تقود العالم اليوم كرأس حربة للتحالف الصهيوني الصليبي بعد انهيار بريطانيا ومجموعة الثعالب الأوربية وانكفاء الدب الروسي والتنين الصيني .
أمريكا والتحالف الصهيوني الصليبي من صهاينة العرب والعجم يتلاعبون اليوم بقرارات الأمم وبمصائرها ويفرضون إرادتهم بالقوة والإجبار، يطبقون ما يريدون ويرفضون ما لا يريدون من القرارات وخير مثال علي ذلك توطين اليهود على أرض فلسطين وطرد سكانها وتهجيرهم واستباحة دمائهم وأعراضهم وعلى مرأى ومسمع العالم .
قرارات الأمم المتحدة لا تنفذ مهما كانت ولا يستطيع مجلس الأمن فرض عقوبات على كيان الاحتلال، حتى قرار التقسيم الذي استندوا إليه في استباحة فلسطين لم ينفذوه بل داسوا عليه وفرضوا إرادتهم بالحديد والنار.
عجائب الدنيا سبع، لكن الآن ستتم إضافة الثامنة وهي السلوك الإجرامي لكيان الاحتلال الذي يعتدي على الآخرين ثم يذهب إلى الأمم المتحدة يطالبها بإدانه الضحايا ومنعهم من الرد بل يطلب منها شرعنة قتلهم وإبادتهم، لأن ذلك إرادة الله ، حسب زعمه.
يديرون حروبهم الإجرامية متجاوزين كل القيم والمبادئ والأخلاق وكل مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومواثيق وعهود حقوق الإنسان ويرتكبون كل الفظائع، من جرائم الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وتصل بهم الصفاقة إلى اتهام الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية وكل هيئاتها لأنها لم تلب طلباتهم الإجرامية.
يعتدون على كل الهيئات الأممية ويعطلون عملها ويبيدون الأبرياء والعزل في مخيمات اللاجئين ويمنعون دخول المساعدات الإنسانية ويحرقون المخيمات بمن فيها ويدمرون المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس.
يطالبون الآخرين بإدارة التفاوض مع المقاومة، ويستغلون تفوقهم التكنولوجي والاستخباراتي من الخونة والعملاء لاغتيال القادة والزعماء، وآخر هذه الجرائم استهداف وفد حركة حماس المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة، في انتهاك غادر وجبان لسيادتها ويهددون كل دول العالم بأنهم سيكررون الإجرام إلى أي مكان فالحاخام مينتز يقول (إذا كنت عدوا لإسرائيل نحن قادمون إليك لا يهمنا إن كنت في قطر أو لبنان أو إنجلترا سنصل إليك) وهو لا يختلف عن تصريح –أمير اوحنا رئيس الكنيست-الذي هدد كل دول العالم لكن بلغة عربية.
اجتماع العرب في قمتهم لم يخرج عن المعتاد ولم يستطع اتخاذ خطوات عملية، مما جعل اليهود يسخرون بكل لغات الانحطاط والسفالة؛ اليمن هو البلد الوحيد الذي يستطيع الرد ولا يحتفظ بحق الرد رغم التضحيات التي قدمها جراء استهداف الأعيان المدنية والمقرات والموانئ والمطارات وآخرها استشهاد رجال اليمن من الوزراء الذين طالهم الإجرام الصهيوني واستشهاد كوكبة من رجال الإعلام بعد العدوان علي مقري صحيفة سبتمبر وصحيفة اليمن وغيرها وهي مقرات مدنية لا يجوز استهدافها وليست مخصصة للأغراض العسكرية ولا تعد أهدافا استراتيجية وبالتالي لا يجوز استهدافها بأي حال من الأحوال.
عقيدة الإجرام الصهيوني الصليبي لا تفرق بين الأعيان المدنية وغيرها، لأنها تسند إلى عقيدة محرفة أساءت إلي الله سبحانه وتعالى وتطاولت عليه ووصفته بما لا يليق تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
دين الإسلام هو عقيدة الأنبياء والرسل، أما التحريف والتزوير فإنه يجعل الأديان منسوبة إلى أهلها، فاليهودية لليهود والنصرانية للنصارى، أما الإسلام فهو دين جميع الأنبياء والرسل.
من مظاهر التحريف والتزوير للعقيدة والدين اليهودي أن اليهود جعلوا دينهم صكا يمتلكون به ويستحقون به ويستولون به على حقوق الآخرين مثل الربا وكل المآثم ومنها (أرض الميعاد)، الخلق عند الله سواء لا يفرقون إلا بالطاعة والمعصية وهو الأمر الذي بينه القرآن الكريم حينما لم يلب طلب أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- بعد أن أوفي بما طلبه الله منه قال تعالى ((وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)) البقرة 124.
فالله لم يجب إبراهيم إلى طلبه، بل جعل الولاية لغير الظالمين، ما بالك بأن يجعلها للمجرمين والقتلة والطغاة وأيضا لمن يستحلون دماء الآخرين ويسفكون دماء الأبرياء على أن ذلك من اجل رضوان الله وسبب لدخول الجنة من شذاذ الآفاق الذين تم استجلابهم من أصقاع الأرض ومن يهود الاشكناز وغيرهم وممن لا يمتون إلى إبراهيم أو إسماعيل أو إسحاق بأي صلة، إلا انهم ينفذون المشروع الاستعماري الاستيطاني على حساب أبناء إسماعيل وإسحاق من الأمتين العربية والإسلامية.
القوة التي يعتمدون عليها والمشروع الاستيطاني الذي يعملون لحسابه وتتغير واجهته فقط جعل قائد الجيوش البريطانية (اللمبي)يذهب بخياله بعيدا ويصرح بعد استيلائه على فلسطين (الآن انتهت الحروب الصليبية) وجعلت قائد الجيوش الفرنسية (غورو) يذهب إلى قبر صلاح الدين بعد الاستيلاء على دمشق ويركله بقدمه ويقول (ها قد عدنا يا صلاح الدين) وهو ذات الأمر الذي يردده صهاينة البيت الأبيض وآخرهم جورج بوش الإبن الذي أعلنها (نحن نخوض حرباً صليبية، من ليس معنا فهو ضدنا).
هذه القوة خلقت الغطرسة والاستهزاء لدى قادة كيان الاحتلال فـ»نتن ياهو» يعلق على قرارات قمة الدوحة (ندين ونشجب ونستنكر).
القوة الإجرامية التي سخرت لهم جعلتهم يستحضرون عبودية فرعون لهم وإذلال النمرود، لكن من أجل الانتقام من الأبرياء، مستعينين بشذاذ الآفاق ممن لا أخلاق لهم ليقتلوا الأبرياء ويسفكوا دماءهم ويرتكبون في حقهم أبشع أنواع الإجرام وأمام سمع وبصر العالم أجمع .
مقاومة الاستعمار والاحتلال حق مشروع ولكنها أصبحت عند صهاينة العرب والغرب إرهاباً وإجراماً والدليل على ذلك إدانة المقاومة من جميع الأنظمة إلا من رحم الله بعد السابع من أكتوبر وتحميلها كل المآسي والإجرام الذي ارتكبه المجرمون منذ بداية الاحتلال وحتى الآن .
النظام القطري كان يدير المفاوضات ولديه علاقات سرية وعلنية مع كيان الاحتلال ولولا ذلك لقال الصهاينة إن انتهاك السيادة القطرية والاعتداء عليها بمثابة الدفاع عن النفس .
اليمن استندت إلى ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وطالبت بفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية وطالبت بمنع ارتكاب جرائم الإبادة والتهجير القسري، لكن التحالف الصهيوني الصليبي شكل التحالفات الإجرامية وشن الحروب العدوانية من أجل منعه من القيام بذلك ولما انكشفت سوأتهم غادروا الساحة والميدان أذلاء مدحورين .
انسحاب التحالفات الإجرامية، جعل الصهيوني يمارس الإجرام مباشرة لكن باستهداف المدنيين والأعيان المدنية كأهداف حربية، في مخالفة لكل القوانين والأعراف والعهود الدولية وكل الشرائع والأديان السماوية وهو أمر ليس بالجديد على شُذاذ الآفاق الذين لا دين لهم ولا مبادئ ولا قيم، بل يعتمدون على الإجرام من أجل إرهاب الآخرين وإسكاتهم.

قد يعجبك ايضا