اتفاق “السلم والشراكة” .. موجات اقتصادية وجهود حكومية لتنفيذها

حدد اتفاق السلم والشراكة الوطنية جملة من المحددات للحكومة لتبني برنامج طموح وشامل للإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية سعيا نحو انعاش الاقتصاد وتنمية الإيرادات وتعكف الحكومة على ترجمتها حاليا إلى أرض الواقع بما يكفل تجاوز التحديات الراهنة التي تواجه اليمن على الصعيد الاقتصادي .
وتضمن الاتفاق الذي وقعته الأطراف والمكونات السياسية اليمنية في 21 سبتمبر الماضي الركائز الرئيسية للإصلاحات الشاملة المتوافق عليها على أن تتبنى تنفيذها الحكومة الجديدة التي نص الاتفاق على تشكيلها بغية تحويل تلك المحددات الى برامج عمل لإنفاذها على أرض الواقع .
وجاء توقيع الأطراف اليمنية لاتفاق السلم والشراكة بغية الخروج من الأزمة التي عاشها اليمن إثر احتجاجات شعبية كبيرة على قرار الحكومة بالرفع الكامل للدعم المقدم للمشتقات النفطية الذي اتخذته في 30 يوليو المنصرم.

وأفرد اتفاق السلم والشراكة الوطنية حيزا واسعا في بنوده للإصلاحات الاقتصادية بجانب بنود خاصة بتشكيل حكومة جديدة, فضلا عن ملحق أمني خاص بمعالجة الحالة العسكرية والأمنية وإنهاء التوتر الأمني في محافظات عمران والجوف ومارب وصنعاء وأية محافظات أخرى.
وفي حين شدد الاتفاق على أن تخفيف المعاناة عن الشعب مسؤولية مشتركة ويتطلب تضافر جهود جميع الأطراف.. قضى بإعادة جزئية للدعم الحكومي لمادتي البترول والديزل فور توقيع الاتفاق, حيث أعادت الحكومة جزءاٍ من الدعم لمادتي البترول والديزل بناء على الاتفاق, وبدأت بتطبيق التسعيرة الجديدة للمشتقات النفطية في 23 سبتمبر الماضي, وأصبح سعر اللتر الواحد من البترول والديزل بـ 150 ريالاٍ (0.69 دولار) .
وقضى الاتفاق في الموجهات الاقتصادية للإصلاحات البديلة لرفع أسعار الوقود, بأن تشكل الحكومة الجديدة لجنة اقتصادية تضم خبراء مؤهلين واقتصاديين من مختلف المكونات السياسية والوزارات المعنية في الحكومة ممن يمتلكون خبرة في مجال التشريع والإدارة المالية والاقتصادية, بحيث تتولى دراسة الوضعين الاقتصادي والمالي عبر مراجعة الموازنة العامة للدولة والإنفاق وتقديم توصيات ملزمة للحكومة حول كيفية استخدام الوفورات من أجل اعانة الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش.
ونص اتفاق السلم والشراكة الوطنية بأن تضع اللجنة برنامجاٍ شاملاٍ ومفصلاٍ وواضحاٍ ومزمناٍ للإصلاح الاقتصادي يهدف في المقام الأول إلى تجفيف منابع الفساد في جميع قطاعات الدولة ومعالجة اختلالات الموازنة العامة وترشيد الإنفاق واقتراح حلول مع الحكومة الجديدة بشأن الإصلاحات الشاملة المطلوبة في قطاعي النفط والطاقة لتحقيق مطالب الشعب وتطلعاته.
وخول الاتفاق اللجنة الاقتصادية بإعادة النظر في أسعار المشتقات النفطية في غضون شهرين على ضوء تحرير استيراد وتوزيع المشتقات النفطية وإصلاح قطاع الكهرباء وبما يقود إلى إصلاحات سعرية حقيقية مبنية على أسس علمية واقتصادية تلبي تطلعات الشعب.
وألزم الاتفاق اللجنة بوضع خطة مفصلة وشاملة تتضمن حزمة إجراءات لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية بطريقة تصون حقوق جميع اليمنيين ومعيشتهم وتحديداٍ الفئات الفقيرة لما من شأنه خلق مناخ يتيح لجميع اليمنيين تحسين فرصهم الاقتصادية وتوفير عيش كريم لأسرهم, بحيث تشمل الخطة القضايا المتصلة بفتح المنافسة والاستيراد والتصدير أمام القطاع الخاص وأسعار السلع الأساسية وضمان جباية عائدات الضرائب والجمارك والإصلاح الضريبي والجمركي وتحصيل المديونية العامة لكافة مؤسسات الدولة.
كما ألزم الاتفاق اللجنة الاقتصادية بأن تشمل خطتها قضايا إلغاء الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية وحصر التوظيف في مؤسسات الدولة المدنية عبر وزارة الخدمة المدنية مع مراعاة ما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من معالجات استثنائية, وكذا تطبيق نظام البصمة في كافة وحدات الجهاز الاداري للدولة, وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين جراء قرار الإصلاحات السعرية للمشتقات النفطية, فضلا عن الاستثمار في البنى التحتية ومكافحة الفساد المالي والإداري وتطوير برامج الحماية الاجتماعية.
وقضى الاتفاق بأن تقدم اللجنة توصيات لوزير الخدمة المدنية حول إصلاح سلم الأجور, بهدف إزالة العبء عن المواطنين اليمنيين محدودي الدخل وتضمين خطتها رؤية لتفعيل المؤسسات الرقابية والمحاسبية وفي مقدمتها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد واعلان تقاريرها السنوية للرأي العام.
وتنفيذا لهذه الموجهات أصدر رئيس الوزراء أواخر نوفمبر الماضي القرار رقم ( 418 ) لسنة 2014م والذي قضى بتشكيل لجنة إقتصادية لدراسة الوضع الاقتصادي والمالي تضم في عضويتها خبراء مؤهلين واقتصاديين من مختلف المكونات السياسية والوزارات المعنية بالحكومة مع خبرة في مجال التشريع والإدارة المالية والاقتصادية .
وحدد القرار بأن تقوم اللجنة وفقاٍ لمبادئ اتفاق السلم والشراكة بالمهام والاختصاصات التالية:
– دراسة الوضع الاقتصادي والمالي في اليمن عبر مراجعة الموازنة العامة للدولة والإنفاق وتقديم توصيات حول كيفية استخدام الوفورات (إن وجدت) من أجل إعانة الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش.
– وضع برنامج شامل ومفصل وواضح ومزمن للإصلاح الاقتصادي يهدف في المقام الأول إلى تجفيف منابع الفساد في جميع القطاعات ومعالجة اختلالات الموازنة العامة وترشيد الإنفاق . وتحديد الاختلالات الناتجة عن الفساد المستشري وسوء التدبير واقترح الحلول المناسبة حول الإصلاحات الشاملة المطلوبة في قطاعي النفط والطاقة بطريقة تحقق مطالب الشعب وتطلعاته.
– إعادة النظر في الأسعار الحالية للوقود والديزل المحددة بــ(3000) ريال للعشرين اللتر في غضون شهرين وعلى ضوء تحرير استيراد وتوزيع المشتقات النفطية وإصلاح قطاع الكهرباء وبما يقود إلى إصلاحات سعرية حقيقية مبنية على أسس علمية واقتصادية ويلبي تطلعات الشعب.
– وضع خطة مفصلة وشاملة تتضمن حزمة إجراءات لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية الحالية بطريقة تصون حقوق جميع اليمنيين ومعيشتهم وتحديداٍ الفئات الضعيفة والفقيرة. وتهدف إلى خلق مناخ يتيح لجميع اليمنيين تحسين فرصهم الاقتصادية وتوفير عيش كريم لأسرهم.
– دراسة جميع القضايا الاقتصادية والمالية خلال وضع هذه الخطة على أن تشمل بالضرورة القضايا التالية :
· فتح المنافسة والاستيراد والتصدير أمام القطاع الخاص.
· أسعار السلع الأساسية.
· ضمان جباية عائدات الضرائب والجمارك والإصلاح الضريبي والجمركي.
· تحصيل المديونية العامة لكافة مؤسسات الدولة سواء كانت ضريبية أو جمركية أو خدماتية أو غيرها من الجميع مع التركيز على فئة كبار الملاك.
· إلغاء الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والتوظيف في مؤسسات الدولة المدنية عبر وزارة الخدمة المدنية مع مراعاة ما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من معالجات استثنائية.
· تطبيق نظام البصمة في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية.
· تخفيف العبء عن كاهل المواطنين جراء قرار الإصلاحات السعرية للمشتقات النفطية.
· الاستثمار في البنى التحتية.
· الفساد المالي والإداري.
· برامج الحماية الاجتماعية.
ألزم قرار رئيس الوزراء اللجنة الاقتصادية بان تضمن الخطة التي ستعدها رؤية لتفعيل المؤسسات الرقابية والمحاسبية وفي مقدمتها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية مكافحة الفساد وإعلان تقاريرها السنوية للرأي العام , وكذا تقديم توصيات إلى وزير الخدمة المدنية والتأمينات حول إصلاح سلم الأجور بهدف إزالة العبء عن المواطنين اليمنيين محدودي الدخل ووضع الشروط المرجعية اللازمة لتنفيذ المهام المنوطة بها .
وقضى القرار بأن تكون التوصيات المتفق عليها في اللجنة ملزمة للحكومة وأن تقدم اللجنة خطتها ومصفوفتها التنفيذية المزمنة والملزمة إلى الحكومة في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها و يعمل رئيس الجمهورية والحكومة بشكل وثيق مع جميع المكونات لتنفيذ توصيات اللجنة.
وخول القرار اللجنة بالاستعانة بمن تراه من الفنيين والاستشاريين والاستئناس بالتقارير الاقتصادية السابقة لمساعدتها في انجاز مهامها متى ما رأت ذلك ضرورياٍ وكذا بأن تتشاور مع اتحادات الغرف التجارية والصناعية والقطاع الخاص وقطاع الأعمال التجارية في القضايا المناط بها بحثها ودراستها للاسترشاد برؤيتها حول تلك القضايا .
وبحسب اتفاق السلم والشراكة فإن الحكومة الجديدة ملزمة بالتنفيذ الكامل لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وتحديدا المتعلقة بمكافحة الفساد وتوفير الموارد الضرورية لذلك, وزيادة مخصصات صندوق الضمان الاجتماعي بنسبة 50% وتسديدها للمستفيدين فوراٍ مع مراجعة معايير أهلية المستفيدين في شبكة الرعاية الاجتماعية لضمان شطب غير المؤهلين وتسجيل المؤهلين الفعليين وتسريع عملية إلغاء الوظائف الوهمية والموظفين المزدوجين وكذا زيادة موازنة السنة المالية المقبلة المتعلقة بالتعليم والصحة بغية استهداف الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش.
ويرى مسؤولون وخبراء اقتصاد أن الموجهات الاقتصادية التي تضمنها اتفاق السلم والشراكة تشكل أكبر برنامج إصلاح اقتصادي توافقت عليه جميع الأحزاب والمكونات السياسية في البلاد الامر الذي سيجعل اليمن فور البدء بتنفيذها تدخل برنامج اصلاحات شاملة.
وهذا الرأي غرزته الإرشادات من المنظمات الدولية المانحة لليمن وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين والذين واصلا برامج الدعم لمشاريع التنمية في اليمن .
كما باشر صندوق النقد الدولي بتسليم اليمن أواخر سبتمبر الماضي الدفعة الأولى من التسهيل الائتماني الذي وافق على منحه للجمهورية اليمنية على مدى ثلاث سنوات, بهدف الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ودعم الجهود المبذولة لتحقيق نمو يعود بالنفع على كافة الشرائح السكانية.
وبموجب ذلك أضيف إلى رصيد الحكومة في البنك المركزي اليمني مبلغ 73.8 مليون دولار أميركي وهو القسط الأول المتاح للسحب الفوري من إجمالي التسهيل الائتماني المقدم من الصندوق والبالغ 552.9 مليون دولار أميركي على أن يتم صرف المبالغ المتبقية على دفعات نصف سنوية ترتهن بإجراء ست مراجعات بين الحكومة والصندوق.
ويستهدف التسهيل الائتماني مواجهة الموقف الاقتصادي سريع التدهور في اليمن خلال النصف الأول من عام 2014 ومساندة الجهود الحكومية المبذولة على صعيد الإصلاحات الاقتصادية بغية التصدي للتراجع الذي طرأ مؤخرا على أوضاع الاقتصاد الكلي ودعم النمو وتوفير فرص العمل وحماية الفقراء.
وعلى صعيد ترجمة بنود اتفاق السلم والشراكة أعدت مشروع برنامجها العام الذي استند على هذا الاتفاق وعلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ومخرجات الحوار الوطني .
وأكدت الحكومة في مشروع البرنامج المعروض حاليا على البرلمان عزمها تنفيذ جملة من السياسات والأنشطة خلال الفترة القادمة بغية تطوير القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاعات الواعدة لتعظيم القيمة المضافة ودعم النمو الاقتصادي .
وأفردت الحكومة حيزا واسعا من مشروع برنامجها العام لتنمية القطاعات الاقتصادية ضمن توجهاتها لمعالجة التحديات القائمة بكل ما هو ممكن ومتاح وفقا للأولويات القصوى وفي مقدمتها موضوعي الأمن والاستقرار والدفع بعجلة الاقتصاد.
وتصدرت تنمية القطاعات الواعدة توجهات الحكومة في هذا الشأن وفي المقدمة قطاع النفط والغاز الذي أكدت في مشروع برنامجها بانها ستركز على التشخيص ووضع المعالجات والإجراءات الخاصة بإدارة الغاز في الاتفاقيات النفطية التي لم تتطرق نصوصها لمعالجة الغاز المصاحب عند إبرامها واستكمال متابعة تحسين أسعار بيع الغاز الطبيعي واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعديل أسعار وعقود البيع وفقاٍ للسوق العالمية ابتداءٍ من العام 2015م .
وشددت في ذات الوقت انها ستعمل على تخفيض تكاليف نقل النفط الخام من خلال إنشاء خطوط أنابيب لنقله من القطاعات التي ما زالت تستخدم القاطرات للنقل من مواقع الإنتاج إلى منشآت التصدير إلى جانب الترويج المستمر للفرص الاستثمارية المتاحة في قطاعات الصناعات الاستخراجية (نفط-غاز-معادن) وإقامة المؤتمرات والندوات لجذب الاستثمارات والشركات العالمية ذات الكفاءة والقدرة المالية والفنية المتخصصة في الصناعات البترولية والغازية والمعدنية.
وأشارت إلى أنها ستعمل على توفير التمويل الخارجي اللازم لتعزيز كفاءة منشآت التكرير والمصافي (مصافي عدن ومارب) ورفع قدراتها الإنتاجية لمستويات قياسية.
وتعهدت الحكومة بأنها ستعمل من اجل تهيئة القدرات الوطنية لإدارة وتشغيل القطاعات النفطية التي ستؤول ملكيتها للدولة خلال عام 2015م وفقاٍ لنصوص اتفاقيات المشاركة في الإنتاج الخاصة بها لضمان استمرار العمليات البترولية والحفاظ على حقوق الدولة بعد الاستلام فضلا عن تأمين استقرار الوضع التمويني للمشتقات النفطية والغاز البترولي المسال وزيادة القدرة التخزينية والعمل على توفير مخزون استراتيجي من النفط والغاز يغطي الحاجة عند الظروف الطارئة والاستثنائية.
ولفتت إلى أنها ستسعى إلى ترشيد استهلاك المشتقات النفطية وخصوصاٍ مادة الديزل من خلال تقليص كميات الديزل المستهلكة في توليد الكهرباء والطاقة وإحلال الغاز الطبيعي كمصدر بديل لتوليد الطاقة بما في ذلك استخدام الغاز بدلاٍ عن الديزل في تشغيل عمليات الإنتاج البترولية وتكثيف الاستكشافات الإنتاجية في صخور الأساس (الجرانيت) للقطاعات الإنتاجية الواعدة بالإضافة إلى إعداد المعايير الوطنية الخاصة باستخدام وتطوير الموارد الطبيعية بما يكفل الاستثمار الأمثل للثروة وعدم استنـزافها والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.
وكشفت الحكومة عن توجهات لها لرفع كفاءة وتعزيز دور الأجهزة الرقابية المختصة في قطاع النفط والمعادن فنياٍ ومالياٍ وإدارياٍ وفقا للقوانين واللوائح المنظمة بما يضمن سلامة الأداء ورفع معدلات الإنتاج وخفض الكلفة وبما يؤدي إلى زيادة عائدات الدولة بجانب تمكين أبناء المناطق النفطية للقيام بتنفيذ الخدمات النفطية في قطاعات الإنتاج النفطي وأن تكون الأولوية في مناقصات تلك الخدمات معلنة للتنافس بين أبناء المحافظات وإلزام المتعهدين والمقاولين بتلك الخدمات باستيعاب العمالة الماهرة التي يحتاجونها كاملة من أبناء المناطق والمحافظات المنتجة وبنسبة 50% من إجمالي العمالة .

قد يعجبك ايضا