استطلاع / أسماء حيدر البزاز –
عرفالإنسان منذ القدم بانتمائه للبيئة الحاضنة له سواء كانت عرقية أو دينية أو قبلية أو اجتماعية ومع تقدم الحياة البشرية ظهر مفهوم الدولة الحديثة ومعه أصبحت المواطنة والوطنية مرتكز الانتماء والذي يقوم على الشراكة القائمة على واحدية الأرض والمصير والتاريخ واللغة والدين والخصوصية الثقافية ولا سيما في الدول التي شهدت فترات صراع وحركات تحرر في القرنيين الماضيين ولا سيما المنطقة العربية ومن ضمنها اليمن والتي شهدت أيضا ظهور الحركات والتنظيمات السياسية ذات المنشأ الوطني أو الوافد ومع اشتداد المنافسة والصراعات بين هذه الأحزاب برزت إشكالية تعدد الولاءات بين الوطني والحزبي والتي نعرضها في هذا الاستطلاع حيث يرى بعض المراقبين والمحللين السياسيين أن تقديم الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني والمصلحة العامة أصبحت إشكالية تعاني منها بعض القوى السياسية اليمنية.
وبهذا يصبح التعامل الحزبي عبارة مبدأ وقاعدة في العمل السياسي سواء كان في قمة الهرم الحزبي أو في أسفله المصلحة الشخصية ولا شيء سواها وما يكاد السياسي الحزبي المتعصب أن يظفر بمنصب في أي جهاز من أجهزة الوظيفة العامة حتى يسارع إلى قلب هيكلة إدارته وفقا للمبدأ الحزبي بغض الطرف عن كفاءتهم وقدراتهم.
انتماء متعصب
حيث يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي محمود البكاري – جامعة تعز: أن المشكلة ليست في الانتماءات الحزبية الضيقة في شكلها الخاطئ لأن هذا شيء طبيعي إنما المشكلة بأن هذا الانتماء ومصالحه يقدم على الولاء للوطن بشكل عام وذلك لأسباب عديدة منها أن ارتباط الموظف بوظيفته يكون وفقا للانتماء الحزبي فالولاء هنا يرتبط بقرار تعيين هذا الموظف لأن قرار التعيين غالبا يرجع إلى الثقة لا الكفاءة.
النفوذ الحزبي
مبينا : أن الدولة لا تستطيع حماية ذلك الشخص أو الموظف كما يحميه حزبه بالإضافة إلى نفوذ المشايخ وارتباط الأحزاب السياسية بتلك المشيخات فنجد قادة الأحزاب في مناطقهم والمرشحين للانتخابات ومدراء المديريات وغيره .
من جانبها ترى الدكتوه فائزة المتوكل – ممثلة منظمات المجتمع المدني بالحوار الوطني : أن ظاهرة تقديم الانتماء الحزبي على الوطني لا توجد عند الكل رغم وجودها بشكل كبير , وهي ظاهرة لا توجد إلا عند من حصل على وظيفته أو منصبه المدني أو العسكري بوساطة حزبية وبالتالي فهو يشعر بالامتنان لتلك الجهة التي كانت صاحبة الفضل عليه في حصوله على المنصب أو الوظيفة.
وأشارت إلى بعض الحلول التي يمكنها الحد من هذه الظاهرة على حد قولها منها: أن تتم التعيينات بناء على معايير وظيفية صارمة يشعر بعدها من يشغل الوظيفة أو المنصب المدني أو العسكري بالولاء لهذه المنظومة الحكومية فقط التي أتاحت له فرصة التوظف أو القيادة دون الحاجة إلى طلب دعم ولائي آخر من أي حزب .
صورة طاغية
أما المحلل السياسي جمال الحمادي فيرى أن تعدد الانتماءات لا زال موجودا عند الكثيرين بسبب التباس الفهم ولهذا نرى إن تقديم مصلحة الانتماء الحزبي على المصلحة الوطنية هي الصورة الطاغية والمعيقة للوصول نحو الدولة المدنية وهو مؤشر على أن مفهوم الدولة وتأثيرها لم يكتمل بعد بشكله الحقيقي في أوساط الأفراد والمجتمع ومن جانب آخر فهو يشير إلى سيطرة الولاءات الضيقة والتي كانت قديما الشكل المبسط والبدائي للدولة والسلطة المنظمة لأحوال الناس في تلك التجمعات التي تقع تحت نفوذها والتي من المفترض في واقع البناء المتطور لمفهوم الدولة في عصرنا الحاضر أن تصبح جزءا من موروث الماضي أو في أحسن الأحوال تبقى جزءا من التراث والموروث التاريخي للأمم والشعوب لكن أن تكون تلك الولاءات الحزبية هي المسيرة لأمور الناس اليوم فهذا خلل كبير في مضمار بناء الدولة المدنية الحديثة و التي يجب أن تكون قد أخذت زمام المبادرة في تسيير شؤون الناس والمجتمع منذ فترة طويلة.
موضحا: أن مفهوم الدولة هو النمط المتطور جدا لمفهوم تلك الولاءات والذي يجب أن يشق طريقه بقوة وصلابة لما يوفره من آليات ووسائل تنظم حياة المجتمع وتدير شؤونه بمنهج يحقق العدالة والمساواة والرفاهية والتطور السريع وبما ينقل حياة الناس إلى آفاق واسعة من الرخاء والازدهار ويحفظ كرامة الأفراد وحرياتهم وهنا لا يجب أن تكون هناك مقارنة أو مفاضلة بين هذين الطريقين ولا يجب أن يلام المواطن في عدم التجاوب السريع مع منظومة الدولة الحديثة ما لم تجتذبه آليات بناء الدولة الحديثة ويجد فيها ضالته مبتعدا عن الاعتماد على الولاء الحزبي الضيق البعيد عن المصلحة العامة.