حين يقدّم الواقع، الشواهد على أن جزءاً كبيراً من الأمة قد صار مشوّه الهوية، ممسوخ الشكل والمضمون، بلا إرث حضاري يستنهض فيه قيم الاعتزاز بالإسلام وتمثُّل معنى ودلالة «خير أمة أخرجت للناس»، ويكابرون معتبرين ذلك من مظاهر الحداثة.. فإن الأمر يعني انسلاخاً بيّناً، وغفلة عن ما يصح للأمة الإسلامية أن تكون عليه، كما يعني تردّياً في مهاوي التوهان والهلاك.
وحين يكون التماهي مع عادات وسلوكيات الغرب المنفتحة على كل شيء سيد السلوك، ويصير معه رموز الإسلام ومقدساته مادة للتندر، فإن الأمر لا يعني شجاعة أو رُقياً في أسلوب الحياة وإنما سقوط في الدونية.
وحيثما يكون انهيار القيم والانفلات، يكون لشخصية معتوهة كالأمريكية ‹فالنتينا جوميز» أن تتجرأ على مقدسات الآخر فتذهب إلى إحراق أقدس مقدسات المسلمين بلا أدنى شعور بالمسؤولية، بينما ينزوي أولئك الغثاء كغثاء السيل، «الحداثيين» من المسلمين في زوايا الخنوع والخوف، في توار عجيب عن الأعين، وعن الآذان حتى.
هذا هو النموذج الحداثي الأمريكي الذي يقدم نفسه كواجهة سياسية فيستعين باستهداف المسلمين تقرباً من ملكوت الشيطان «الصهيونية» كي يصل.
‹فالنتينا جوميز» هي مرشحة الحزب الجمهوري إلى الكونجرس، وقد لجأت في واحدة من أساليب الدعاية للفت الانتباه وكسب وِد الصهاينة، إلى إحراق نسخة من المصحف الشريف، وهناك بات من المتعارف عليه بأن فرص الفوز تزداد أكثر كلما زاد لديك التفلّت القيمي والأخلاقي وكلما كان الإسلام هدفاً للإساءة.
أمريكا كانت هي الأقدم والأكثر تعدياً على الإسلامٍ، والأكثر حديثاً عن مواجهة «الصليبية» ضد الإسلام، والأكثر استهدافا للمسلمين واستعباداً لهم، وواقع اليوم السلبي سواء الإسلامي، أو حتى العالمي المتخاذل عن الانتصار لقيم الحرية، هو حاصل اشتغال أكثر من قرنين، تأسست فيه أمريكا بالبلطجة والتمرد على كل قيم الخير والسلام، فتمددت واكتسحت وصارت القوة المؤثرة بعد استنادها إلى الحركة الصهيونية ومن ثم اعتمادها مبدأ الإباحة لكل شيء من أجل حكم العالم. والعالم الإسلامي كان الأوفر حظاً من هذا الاستهداف بدافع عقائدي مشهود.
يأبى الله إلا أن يُتم نوره، ورغم كل المؤامرات، كان ناتج نجاحها غير مؤثر، وبسبب النتائج غير المرضية، ظل قرناء الشيطان يجددون ويحدثّون في أساليبهم وأسلحتهم لإخماد جذوة الإسلام، إلا أن الفشل أيضا ظل يرافق تشنجهم. وكلما تصوروا انهم قد نجحوا في كتم صوته، أظهر الله ورثة جدداً على هذه الأرض يحبهم ويحبونه لتغرق النفوس الرخيصة أكثر في وحل الدناءة باللجوء إلى الأساليب المعبرة عن ما يعانونه من مجاعة في الأخلاق. المعتوهة الأمريكية التي يبدو أنها أدت دورا مدفوعا من اللوبي الصهيوني، هل فكرت في استهداف البوذية أو الهندوسية مثلا؟، لن يحدث ذلك لأن هدفهم الإسلام فقط، فهو الخطر الداهم على مشاريعهم الصهيونية في استعباد العالم ونهب ثرواته. والأحرار فقط هم من يدركون ذلك، فيزدادون تمسكاً به، وهُم- رغم قلتهم- من يُبقون هذا الدين بنفس المستوى من الحضور القوي والمرعب لأنصار الشيطان.