في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى غزة، وما حل بها من تخريب ودمار، يعمل العدو الإسرائيلي بكافة مؤسساته على ضم الضفة الغربية، في رسالة توراتية لم يخف مضمونها رئيس الوزراء نتانياهو حين اعترف بأنه في مهمة توراتية وتاريخية، وفي رسالة سياسية عبر عنها وزير المالية سموتريتش، حين قال: إن الهدف من ضم 82% من أرض الضفة الغربية هو الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية، وفي رسالة أمنية، عبر عنها وزير الأمن الداخلي بن غفير، وهو يوزع الأسلحة على المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية.
لقد اكتملت لدى الصهاينة مقومات ضم الجزء الأكبر من أرض الضفة الغربية، بغطاء من الرئيس الأمريكي ترامب الذي اعتبر أرض العدو الإسرائيلي ضيقة المساحة، وبحاجة إلى توسعة، ولا مجال للتوسعة في المرحلة الراهنة إلا من خلال ارض الضفة الغربية.
يتحدث الصهاينة عن ضم أرض الضفة الغربية مع نسبة أقل من العرب الفلسطينيين، ويتحدثون عن الشروع في اتخاذ إجراءات عملية، دون الأخذ بعين الاعتبار أي ردة فعل عربية أو دولية، وفي المقام الأول، لقد ضمنوا عدم وجود أي ردة فعل فلسطينية رسمية، رغم بعض التصريحات من هنا وهناك، بأن القيادة الفلسطينية لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تم ضم الضفة الغربية.
قادة العدو الإسرائيلي عملوا على تحقيق هذا الحلم سنوات، واجتهدوا بكل السبل للوصل إلى هذه اللحظة التاريخية بالنسبة لهم، فقد هيأوا الأرض، وزرعوها بالطرق وسيجوها بالمستوطنات، وهيأوا الرأي العام الدولي من خلال فرض حقائق ميدانية على الأرض، وهيأوا العقلية العربية لتقبل فكرة الضم دون أي اعتراض أو تدخل، والتي ستكتفي بإصدار بعض بيانات الشجب والإدانة، وهيأوا المزاج الفلسطيني الذي يرى دماء غزة تسيل في الشوارع دون أن يحرك ساكناً، وهيأوا أنفسهم، وسنوا سلاحهم استعداداً لبعض ردة فعل غاضبة هنا وهناك، يسهل السيطرة عليها واحتوائها بالعنف تارة، والحيلة تارة أخرى، وتمرير مخطط الضم مع نسبة أقل من المشاكل والأحداث.
ضم الضفة الغربية لم يعد فكرة إسرائيلية، ضم الضفة الغربية حقيقة واقعة، ولا نصير لأرض الضفة الغربية في هذه المرحلة من التاريخ الفلسطيني المشتت والممزق والصامت على ذبح أكثر من 63 ألف فلسطيني في قطاع غزة، والصامت على نزوح 2 مليون من بيوتهم المدمرة، والصامت على مشاهد ضم الضفة الغربية على مدار أكثر من عشرين سنة، دون فعل ما يعيق الضم.
الضفة الغربية وحدها ـ وفي إطار القيادة الراهنة ـ لن توقف الضم، يجب الاعتراف بهذه الحقيقة قبل الحديث عن أي شكل من أشكال التصدي للعدوان، الضفة الغربية بحاجة لأن تقف على قدميها بقيادة وطنية موحدة، قيادة تضم كل القوى السياسية الفلسطينية، بعيداً عن قيادة أوسلو، قيادة التنسيق والتعاون الأمني المقدس، قيادة وطنية موحدة قادرة بأن تأخذ بيد أهل الضفة الغربية للتحرر من الاحتلال، وقبضات أيديهم تصرخ:
لا لذبح غزة، ارفعوا السكين الصهيونية عن عنق غزة، كي لا يسهل عليها قطع عنق الضفة الغربية، فإن خلصت السكين من ذبح غزة، فإنها ستعبر من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن.
وما أحوج الضفة الغربية في معركة المواجهة إلى الضفة الشرقية، دون نهوض الضفة الشرقية لنهر الأردن، رافضة لضم الضفة الغربية من نهر الأردن، فقد تتحقق أنشودة المتطرفين الصهاينة، والتي تقول: لنهر الأردن ضفتان، هذه لنا، وأيضا تلك.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني .