اليمن لا يساوم..

عادل حويس

في زمن تداعت فيه الجدران وتكسرت فيه الأقنعة وتناثرت فيه المواقف كأوراق الخريف أمام عاصفة المصالح، ينهض اليمن من أعماق تاريخه الحافل بالعز ليصرخ في وجه العالم: هنا تصنع الكرامة، وهنا تشحذ الإرادة، وهنا يدفع ثمن الموقف من الدم والروح.
ليست كلمات ترفع شعارات، ولا خطباً تلهب المشاعر ثم تتبخر عند أول اختبار. إنها يقين ينبض في شرايين جباله وعناد يتدفق في دماء أبنائه. إنها قضية غزة.. التي لم تعد مجرد مدينة أو شبر أرض، بل أصبحت ضمير العالم الحي، ومقياس صدق الإنسان في هذا الزمن الرديء.
لقد اختار اليمن بكل ما يحمله من جراح وألم أن يكون صوتاً للذين لا صوت لهم، وأن يكون سنداً للمحاصرين تحت القصف والدمار. هذا الاختيار لم يكن محض صدفة أو نزوة عابرة، بل هو قدر كتبه الإيمان ورسخته المبادئ.
إنه واجب إنساني قبل أن يكون سياسياً وفرض أخلاقي قبل أن يكون إستراتيجياً. لقد هرب الكثيرون من ساحة الشرف، وتنكروا لدماء الأطفال والأبرياء، لكن اليمن بقي.. يقف شامخاً كالجبل الأشم، يردد: «هذا دربي.. وما لي غير هذا الدرب».
إنهم يرون جراحنا الغائرة، ويحسبوننا شعباً أنهكته الحروب، فإذا بهم يفاجأون بإرادة من حجر، لا تعرف الانحناء. نعم، لا نملك أساطيل جبارة ولا خزائن ممتلئة، لكننا نملك ما هو أعظم: قلباً يؤمن بالحق، وروحاً ترفض الظلم، وإرادة لا تعرف سوى العلياء.
لقد أدرك العدو أن هذا الشعب لا يقهر وأن هذه الأرض تنجب الرجال لا العبيد.
وإن سقط في هذا الدرب شهيد، فإن روحه ستظل شاهدة على أن الشرف أغلى من الحياة، وأن الكرامة لا تقدر بثمن. هم أحياء عند ربهم يرزقون، وقد نالوا أعلى المراتب وأسناها. فليس الموت نهاية الطريق، بل هو بداية الخلود في جنات النعيم، وشهادة تتدلى من على صدر الأمة.. تذكرها دوماً أن الشجاعة لا تموت.
لذا فليسمعنا العالم أجمع: اليمن لا يساوم على مبادئه، ولا يخضع لتهديدات الطغاة، سيظل صوته عالياً، وموقفه ثابتاً، ودعمه لإخوانه في غزة متدفقاً لا ينضب. نحن على العهد، وفي الدرب ونعلم يقيناً أن النصر آت، وأن غداً سيكون أجمل.
فاليمن باق وشعبه صامد وقضيته عادلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

قد يعجبك ايضا