المشاكل الأمنية .. متى ستنتهي¿

انقسامات أمنية وعسكرية.. وحروب قبلية طائفية حزبية.. ومواطن بلا أمن.. كل ذلك وأكثر ناتج عن سلبيات سنوات ومراحل طويلة تراكمت حتى أصبحت متاريس وحواجز عملاقة تفصل بين وزارتي الداخلية والدفاع وبين واجبهما القانوني والشرعي في الحفاظ على أمن وسيادة الوطن وتطبيق النظام والقانون.
وفي ظل استمرار هذه السلبيات لن تنجح المؤسستان العسكرية والأمنية في القيام بمهامهما.. ومن هذه الزاوية المهمة سلطت “الثورة” الضوء على أبرز الصعوبات والمعوقات التي تواجه وزيري الداخلية والدفاع حديثي التعيين, من خلال لقاء نائب رئيس أكاديمية الشرطة وأكاديميين ومتخصصين بالجانب الأمني والعسكري..

قبل أن أبدأ في سرد آراء المشاركين في هذه المادة الصحفية, لا بد أن أؤكد على أنه لا يمكن بناء أي دولة أو نهوض أي وطن في مختلف مجالاته الصناعية والتجارية والاستثمارية والاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها من المجالات, دون أن يكون هناك جهازان أمني وعسكري شديدا الولاء للوطن, خاليان من التقسيم والتشرذم الحزبي والسياسي.
كما أن غياب أو ضعف المؤسستين العسكرية والأمنية, يساعد ويساهم في نشوء وانتشار العصابات والجماعات المسلحة, وتتعرض سيادة الوطن للانتهاك أرضاٍ وشعباٍ, ولن يكون هناك أمن ولا أمان للمواطن, كل ما ستجده معارك وحروباٍ هنا وهناك.. وهذا ما حدث أمس ويحدث اليوم وسيحدث غداٍ في اليمن.
نائب رئيس أكاديمية الشرطة الدكتور مسعد الظاهري بدأ حديثه عن محور هذه المادة “أبرز المهام التي ستواجه وزيري الداخلية, تدني المعنويات لدى ضباط وأفراد الأمن بسبب الأحداث الأخيرة, منها ما حدث في 21 سبتمبر, وكذلك ضعف كبير لهيبة القيادة الأمنية, مما أثر سلباٍ على انضباط والتزام الضباط والأفراد بواجبهم مما يؤثر على مستوى الأداء والعمل الشرطي”.
وأكد الدكتور الظاهري أن المؤسستين العسكرية والأمنية تعاني خلال الفترة الماضية, من انعدام ثقافة العمل المؤسسي, إذ جعل كل وزير يعين لقيادة وزارة يعمل من جديد, ويبدأ من الصفر مما يجعل العمل مخالفاٍ للوائح القانونية.. مشيراٍ إلى أن الداخلية في الوقت الراهن تعاني من انفلات أمني.. مشدداٍ على ضرورة تأسيس ونشر الوعي بالعمل المؤسسي وانتشار الداخلية مما هي عليه.
وأضاف: “من ضمن المشاكل أو المهام التي تواجه القيادات الحالية, عدم استكمال هيكلة وزارة الداخلية, لأن ما تم من الهيكلة هو تغيير القيادة, في وقت يفترض أن الهيكلة تعمل على تغيير أسلوب العمل القديم, فيما يخص العمل بإدارة الأحداث الأمنية وكذا الموارد البشرية والمادية, بالإضافة إلى إيجاد أسلوب حديث لتطبيق النظام والقانون, لذا لا بد على وزير الداخلية في الوقت الحالي بتصفية العقلية القديمة بالجهاز الأمني, إذا أراد تفعيل دور الأمن.
انتشار الجماعات المسلحة بالشوارع وحلولها في مواقع أفراد الأمن والجيش, اعتبرها الدكتور الظاهري من الصعوبات التي تواجه وزيري الدفاع والداخلية.. مشيراٍ إلى أن استعادة وفرض سلطة القانون وحلول أفراد الأمن في أماكن المسلحين غير القانونيين تحتاج إلى وقت طويل.. منوهاٍ بأن المؤسستين الأمنية والعسكرية يفتقر أفرادها وأجهزتها إلى عدم التأهيل والتدريب وذلك بسبب دخول بعض أفرادها عبر المحسوبيات.. لافتاٍ إلى أن النجاح الأمني أو العسكري مرتبط بنجاح وتقدم بقية أجزء الدولة, لأن انهيار الدولة يؤثر سلباٍ على وزارتي الداخلية والدفاع.
وعن الحلول الناجحة لاجتياز السلبيات والصعوبات التي تواجه وزيري الدفاع والداخلية قال نائب رئيس أكاديمية الشرطة: توحيد القرار السياسي, والعمل بروح الولاء الوطني بعيداٍ عن السياسية والحزبية, وتوحد كل المكونات السياسية على بسط سلطة الدولة ومكافحة الجريمة, وحماية المواطن.
أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بأكاديمية الشرطة الدكتور محمد علي الحرازي أكد على أن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تحملت أعباء ثقيلة خلال السنوات القليلة الماضية وذلك بالنظر إلى الأحداث السياسية التي مرت بها الدولة وانعكس ذلك في الانفلات الأمني الذي تفشى في معظم محافظات الجمهورية والذي دفع المواطنون ثمنه غالياٍ من حياتهم وشعورهم بالأمن والطمأنينة.
وأشار الدكتور الحرازي إلى أن جميع أسباب نجاح وزارة الداخلية بمهامها والارتقاء بها إلى الأفضل متوفرة وتكاد تفوق عوامل نجاح الكثير من مؤسسات وأجهزة الدولة.. لافتاٍ إلى أن وزارة الداخلية شأنها شأن الكثير من مؤسسات الدولة تعاني منذ عقود من الزمن من ممارسات الفساد الإداري بأنماطه المختلفة الذي شئنا أم أبينا هو من أهم عوامل الانتكاسات التي تعاني منها, حد قوله, المنظومة الإدارية العامة للدولة.
العقيد عبدالله النويرة اعتبر المهام الملقاة على عاتق وزيري الداخلية والدفاع “مهام غاية الصعوبة في الظروف الراهنة فهم في وضع لا يحسدون عليه ونعتبر أن قبولهم بالعمل في هذين القطاعين شجاعة وإقدام لأنهم يعملون في ظروف بالغة التعقيد محليا وإقليميا ودوليا وقد ورثوا مؤسستين تعانيان من الكثير من المشاكل والإشكاليات التي تؤثر على أداء هذه المؤسسات وقدرتهما على القيام بالمهام المفترض أن تقوما بها وأنا هنا سوف أركز على أبرز الصعوبات التي تواجه الأخ وزير الداخلية الذي كان اختياره موفقاٍ ولاقى ترحيب كل القوى السياسية والشعبية وكان من الوزراء الذين لم يختلف اثنان على حسن اختياره لعوامل كثيرة مرتبطة بشخصيته وخبراته وكفاءته ونزاهته”.
وأكد النويرة على أن هناك صعوبات كثيرة سوف يواجهها وزير الداخلية وردها لكم كما ذكرها :
ـ تخلخل الكثير من المؤسسات الأمنية التي عانت خلال الأربعة الأعوام الماضية الكثير من الإشكاليات التي قللت من فاعليتها .
ـ إعادة الانضباط العسكري الذي شهد شبه انهيار في كل الوحدات الأمنية وهذا الأمر يعتبر حجر الزاوية في مهام الوزير الجديد لأنه بدون وجود الضبط والربط تفقد المؤسسة الأمنية فاعليتها وقدرتها على العمل الأمني المهني.
ـ الوضع الأمني العام من الصعوبات التي سوف تواجه وزير الداخلية الجديد ذلك أن الوضع الأمني حاليا ليس بيد المؤسسات الأمنية بل تتجاذبه العديد من الجهات وهذا يعتبر إحدى المعضلات التي ستواجه وزير الداخلية لأنه سيحاول إعادة الأمور إلى نصابها وسوف يصطدم بالعديد من الجهات التي لا تريد للأمن والاستقرار أن يسود أو تلك الجهات التي ترى أنها فوق القوانين والأنظمة.
ـ الصعوبات المادية سوف تكون إحدى المشاكل التي سوف تواجه الوزير الجديد ذلك أنه سوف يحتاج إلى مبالغ هائلة في سبيل إعادة الروح للمؤسسة الأمنية برمتها لأن هناك قصوراٍ كبيراٍ في التجهيزات التي تعمل بها المؤسسات الأمنية وبعضها يفتقر إلى أبسط الإمكانيات التي تمكنها من أداء عملها بالصور المطلوبة.
ـ ستواجه وزير الداخلية معضلة مهمة وقد لا يدركها البعض وهي عملية تأهيل الكوادر البشرية لكي تواكب التطور الموجود في العالم وهذه مهمة محورية ذلك أن الكثير من الكوادر قد تكلست وتحجرت ولم يعد لديها أي قدرة على الإبداع أو التطور وهي تحتاج إلى عملية سريعة لإعادة التأهيل لمواكبة التطور الحاصل في العالم بصورة متسارعة خاصة في قطاعات (شرطة السير- الأحوال المدنية- الجوازات- الدفاع المدني- القطاع التعليمي- البحث الجنائي والأدلة الجنائية …إلخ) خاصة في قطاع الأمن العام الذي لا زال يعمل بنفس الطريقة التي كانت موجودة في الستينيات من القرن الماضي ويحتاج إلى ثورة بكل معنى الكلمة من حيث الإمكانيات التي يجب توفرها أو الكوادر التي يجب تأهيلها تأهيلاٍ عالياٍ وبصورة مهنية لا تقبل النقاش.
ـ من الصعوبات التي ستواجه الوزير موضوع الهيكلة التي تمت بطريقة عشوائية وقد يغضب البعض من قولي هذا (لأن هذا قد حصل في إحدى الدورات عندما تحدثت عن هذا الموضوع) ولكني أقول أنها تمت بطريقة سريعة ولم تراع الإرث الإداري الموجود واكتفت في بعض من الأحيان بتغيير المسميات فقط وتم تضخيم بعض القطاعات على حساب قطاعات أخرى وهذا الأمر يجب تلافيه من خلال الكوادر المحلية التي تستطيع بكل تأكيد وضع الهيكل التنظيمي المناسب للوزارة انطلاقا مما هو موجود وهو متناسق مع البيئة الإدارية الموروثة التي يجب عدم إغفالها على الإطلاق.
ـ سيواجه الأخ وزير الداخلية لوبياٍ رهيباٍ في الوزارة هذا اللوبي هو الذي يسيطر على الوزارة ويتولى تسيير العمل بها بعيدا عن الوزير بطريقة منهجية ويقوم بهذا العمل مراكز قوى معتقة في الوزارة وهؤلاء هم معول الهدم الذي يضع العراقيل أمام كل وزير جديد حتى يسيطر عليه ويطوعه ليكون ضمن الإطار الذي يريدونه وهم يحاربون كل تطوير وتجديد يطال الجهات التي يعملون بها أو يشرفون عليها بطريقة أو بأخرى.
ـ من الصعوبات التي ستواجه معالي وزير الداخلية موضوع صندوق التقاعد هذا الموضوع يصعب على أي وزير أن يلم به أو يدرك ما يحصل فيه ويخرج الوزراء من وزارة الداخلية وفي قلوبهم غصة اسمها صندوق التقاعد وهو صندوق مقفل أمام كل الناس بمن فيهم وزير الداخلية.
مضيفاٍ: “هذه بعض وليس كل الصعوبات التي ستواجه معالي الأخ وزير الداخلية الذي سيحتاج إلى دعم مباشر من فخامة الأخ رئيس الجمهورية وبصورة مستمرة ولا أشك في ذلك لأنه بدون هذا الدعم ستكون المهمة أصعب بكثير مما يتصور البعض والذي يدخل التفاؤل إلينا هو كفاءة الرجل وقدرته الإدارية وأنه محل إجماع كل القوى السياسية بل وحتى الشعبية التي شعرت بارتياح كبير لاختياره ونحن ندعو له من الله التوفيق والنجاح”.

قد يعجبك ايضا