
يمكن رؤية الأمر بوضوح أكثر في المدرسة حين يتحاشى المعلمون النقاش مع أحد زملائهم ويتركونه يحيط ذاته بالعزلة لأنه أصبح يحب أن يقضي وقته وحيدا وأن يتعامل بقسوة مع طلابه وغيرها من الأعراض التى أصبح العلم يطلق عليها الاكتئاب .
في البداية يكون من السهل إعادة هذا المعلم إلى حياته الطبيعية ومع مرور الوقت يفقد الأمل في علاجه وقد يصبح ظاهرة في محيط عمله وأن وجدت طريقة تعامله رواجا يصير نموذجا يحتذى.
في واقعنا لا نتعامل مع الأشخاص الذين يصيبهم الاكتئاب في أعمالهم بجدية ولا نعترف بوجود مشكلة وغالبا ما تعاد تصرفاتهم الى طبائعهم المختلفه – يقول اثنان من موظفي مكتب البريد في بغداد انهم عاشوا لعام كامل في وضع متوتر عندما كان أحد زملائهم مكتئبا ولم يجدوا تفسيراٍ إلا عقب مغادرته إلى مكان آخر فقد كان يضفي بحضوره جواٍ متوترا ويصمم واقعا مختلفا ” كنا دائما متأهبين لأننا نتوقع منه أن يدخل بصراع وخلاف مع أحد العمال لأنه وجه إليه كلمة عادية اعتقدنا أن هذا طبعه لكن من يعرفونه من قبل أخبرونا أنه لم يكن هكذا ” .
ما إن غير الموظف مكان عمله حتى أحس زملاؤه بالفرح وهو يتمنون أن لا يقع في مشاكل جديدة لكنهم لم يكونوا على علم أن حالته يمكن علاجها دون أن يضطروا لتكرار الشكوى به من سوء تعامله مع العملاء .
يحدث هذا كثيرا في أماكن عمل مختلفة يصنف الأشخاص المكتئبون على أنهم “حرقيين” كما في التسمية الشعبية لكنهم ليسوا كذلك بل هم أناس طبيعيون تعرضوا لحادث مؤلم أو لفقدان عزيز دون القدرة على تجاوز المحنة التى مروا بها وأصبحت هي المتحكم في حياتهم .
قناعات
تقول مديرة إحدى المدارس في صنعاء ان مكتب التربية كثيرا ما أرسل إليها مكتئبين أثروا على سير الدراسة كليا وغيروا من قناعات زملائهم. وتضيف أن لديها معلومات عن الاكتئاب ولا تخفي أنها أحياناٍ تتعرض له لكنها تتجاوزه بالتفاؤل والنظر بإيجابية إلى المستقبل وتؤكد أن هناك عدوى سريعة لهذه العادة المرضية .
يتفق مع رأي مديرة المدرسة ما يطرحه المختصون في الكلية الملكية للأطباء النفسسين في بريطانيا حيث يرون أن واحداٍ من كل خمس نساء وواحد من كل عشرة رجال سيعانون من الاكتئاب في فترة معينة من حياتهم وواحد من كل عشرين شخصاٍ بالغاٍ سوف يعاني من اكتئاب شديد الدرجة وعدد مشابه لذلك سوف يعاني من اكتئاب أقل شدة بشكل طبيعي المشاكل الشائعة عند عامة الناس هي أيضاٍ شائعة في مكان العمل فحوالي ثلاثة من كل عشرة موظفين سوف يعانون من مشكلة في الصحة النفسية في كل عام. هذا يقلل من إنتاجهم في العمل .
هؤلاء الثلاثة الذين أوردهم المختصون هم نماذج حية نراها دائما ولديهم القدرة ليس فقط على التأثير على عشرة من زملائهم بل إن قدراتهم تتجاوز محيطهم إلى ما هو أوسع ويصبحون رواد الاكتئاب الذي ينتقل بتدرج عجيب وغير ملحوظ .
لكن كيف لنا رؤية أن موظفاٍ صار مكتئبا وتجاوز مرحلة الأمان يقول ذات المختصين: إن من الأعراض
الحزن الذي لا يتغير من يوم لآخر البكاء بدون سبب واضح القلق, النزق أو التوتر اضطراب النوم قلة الشهية وتغير الوزن التعب والإرهاق وقلة الهمة النسيان وقلة التركيز أفكارعدم الأهمية و فقدان الأمل.
وفيما يخص العمل يبدأ العامل بتصرفات غير معتادة في مكان العمل وربما يلاحظون أن هذا الشخص حيث إنه قد يعمل ببطء غالبا ما يفعل أخطاء غير قادر على التركيز إنه ينسى يتأخر عن العمل والاجتماعات لا يأتي للعمل يتشاجر ويتجادل مع زملائه غير قادر على توزيع مهام العمل أو محاولة العمل تحتاج لمجهود زائد.
قدرات
الاكتئاب يؤثر بشكل كبير على قدرة الشخص على العمل بشكل فعال. قد يكون الاكتئاب شديدا جدا بحيث أن الشخص المصاب يتوجب عليه التوقف عن العمل كليا في وقت معين حتى لا تزداد حالته سوءاٍ .
وهو مالا يحدث لدينا حيث لا يتم أي اعتراف بوجود مشكلة أصلا ويصر العامل أنه لا يمر بأي تغيير في طباعه وطريقة تعامله مع الأشياء والأشخاص .
ويظل معتقداٍ أن ما يفعله هو الصواب وإن لاحظ الأعراض فيعتبرها مؤقتة وستذهب سريعا وهو ما يعقد من التعامل مع المشكلة .
كما إن جهات العمل العام أو الخاص لا تعترف إلا بالأمراض البدنية وتتعامل مع الجانب النفسي للعامل باستخفاف مع أن التأثيرات لا تقل خطورة ويمكن أن تفقد شركة كبيرة أو صغيرة الكثير من عملائها نظرا للطريقة التى يتم معاملتهم بها من قبل موظف يعاني الاكتئاب .
يقول صاحب متجر لبيع المواد الغذائية بالجملة إنه فقد كثيراٍ من عملائه بسبب تعامل موظفيه أثناء غيابه فعندما يلحظ اختفاء أحد عملائه ويتواصل معه يخبره أن أحد العاملين تعامل معه بطريقة مستفزة وأن مزاجه كان سيئا مما يضطره للاعتذار وتأنيب العامل ولا يتردد في التخلص من العامل إذا كثر نزقه مع العملاء. ويقول إن العامل غير المكتئب وصاحب الابتسامة يكسب المزيد من العملاء الجدد . ويعترف التاجر أنه لا يمنحه أي مكافأة حتى لا يشعره بالامتنان والقدرة على الإقناع .