حرمة الاعتداء على المعاهد والمستأمن

تقسم الشريعة الإسلامية البشر إلى فريقين كبيرين:
فريق المسلمين, وفريق الكافرين, كما قال تعالى (هو الذöي خلقكم فمöنكم كافöر ومöنكم مؤمöن والله بöما تعملون بصöير) وغير المسلمين في نظر الشريعة أقسام:
فهناك كافر محارب وهناك آخر مسالم أو معاهد أو مستأمن والشريعة تعامل كل واحد من هؤلاء بنفس لغته, فمن حاربنا حاربناه ومن سالمنا سالمناه.
ومهما تكن ضرورة الحرب ودوافعها فلا بد أن تضع أوزارها ويكف الناس بعضهم عن بعض بصلح أو استسلام أو غير ذلك. ومهما يكن من حرب الناس بعضهم لبعض فسيظل بعضهم في حاجة إلى الآخر, بحكم الضعف البشري وتكميل الناس بعضهم لبعض.
ولهذا لم يغلق الإسلام كل الأبواب أمام من حاربوه أو حاربهم بل شرع من الأحكام ما ينظم علاقة هؤلاء الذين سماهم (الحربيين) بالمسلمين عن طريق ما سمى بالأمان والاستئمان فيما إذا أراد أحدهم دخول دار الإسلام لتجارة أو لتعلم أو لحاجة مشروعة كعمل صحفي وغيره.
والأصل في الأمان قوله تعالى (وإöن أحد مöن المشرöكöين استجارك فأجöره حتى يسمع كلام اللهö ثم أبلöغه مأمنه ذلöك بöأنهم قوم لا يعلمون) وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم, فمن أفزع مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا).
وبناء على الآية فإن دخول الأجنبي إلى دار الإسلام لهذا الغرض حق له وواجب على الدولة الإسلامية أن تتيح له فرصة التعرف على الإسلام من أهله وفي داره ومن علمائه ودعاته المختصين ومن الاختلاط بجماعة المسلمين فترة من الزمن تحددها ثم تبلغه مأمنه.
قال ابن قدامة في المغني:
(ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام وجب أن يعطاه ثم يرد إلى مأمنه. لا نعلم في هذا خلافا وبه قال قتادة ومكحول والاوزاعي والشافعي.
وكتب عمر بن عبدالعزيز بذلك إلى الناس وذلك لقوله تعالى (وإöن أحد…الآية ) قال الاوزاعي: هي إلى يوم القيامة (المغني 13/97) وقد قرر الفقهاء أن المستأمن في دار الإسلام له من الحقوق ما يقرب من حقوق الذمي لأن المستأمن بمنزلة أهل الذمة في دارنا غير أن أمانه مؤقت بخلاف الأمان بعقد الذمة إذ أنه مؤبد.
وسر هذه الحقوق أن المسلم حين يلتزم بحقوق المستأمن ينظر إليها على أنها أحكام شريعته وأوامر دينه وأن في رعايتها ثواب الله وفي مخالفتها عقاب الله وفي هذا أكبر حافز على الالتزام بها والحماس في تنفيذها.
وعلى هذا فالقاعدة العامة أن المستأمن في الحقوق كالذمي إلا في استثناءات قليلة اقتضتها طبيعة كون المستأمن أجنبيا عن دار الإسلام.
وهذه الحقوق التي يتمتع بها المستأمنون في دار الإسلام مصدرها القانون الداخلي للدولة الإسلامية أي الشريعة الإسلامية وليس مصدرها قواعد القانون الدولي العام خلافا للرأي السائد بين الدول في الوقت الحاضر.
والوفاء بمقتضى الأمان أمر توجبه الشريعة الإسلامية ولا تملك الدولة التفريط فيه لأنه غدر وخيانة, والخيانة منهي عنها في شريعة الإسلام.
وتطبيقا لهذا الأصل قرر الفقهاء أن الدولة الإسلامية لا يجوز لها تسليم المستأمن إلى دولته بدون رضاه ولو على سبيل مفادته بأسير مسلم بل حتى ولو هددتها دولة مستأمنه بالقتال إذا أبى التسليم.
لأن المستأمن في رعاية الدولة وحمايتها مادام قد دخل إقليمها بأمان فمن حقه أن تحميه الدولة ولا تؤذيه أو تسبب له الأذى.
كذلك قرر الفقهاء أن المستأمن إذا دخل دار الإسلام بمال قليل فإن الدولة لاتأخذ منه ضريبة تجارية تستأصل جميع ماله, وإن كانت دولته تفعل هذا بالنسبة للداخلين إليها من رعايا الدولة الإسلامية لأن المعاملة بالمثل في هذه الحالة ظلم ولا مجاراة في الظلم.
وكما أن للمستأمن حقوقا على الدولة الإسلامية فكذلك عليه جملة من الواجبات ومن ذلك:
أولا: الامتناع عما فيه غضاضة على المسلمين وانتقاص لدينهم.
ثانيا: الامتناع عن إظهار بيع الخمور والخنازير أو إدخالها.
ثالثا: الامتناع من إظهار فسق يعتقدون حرمته كالفواحش ونحوها كما يمنع المسلم منها.

قد يعجبك ايضا