
ودعت هوليوود الألفية الثانية بواحد من أكثر الأفلام السينمائية انتقاداٍ للمجتمع الرأسمالي وللقيم الاستهلاكية البورجوازية ودعت الألفية بفيلم (نادي القتال) الذي أنتج عام 1999م وأخرجه ديفيد مينشر عن قصة تشاك بولانيك التي تحمل نفس الاسم ولعب الأدوار الرئيسية في الفيلم كل من براد بيت وإدوارد نورتون.
(جاك) بطل الفيلم ويلعب دوره نورتون يعاني من أرق مزمن وطويل فهو لم يعرف النوم منذ أشهر أرق بسبب الضغوط التي يتعرض لها في العمل وضغوط قيم المجتمع التي تجبره على اقتناء سلع لا يحتاج إليها من أجل الوصول إلى ما يعتقد أنه الكمال.
ورغم أنه لا يعاني من مرض مميت يبدأ جاك في حضور جلسات الدعم التي تعقد للمحتضرين ليجد بعدها السلام والنوم ولكن هذه الجلسات تصبح عديمة الفائدة بسبب إحدى الفتيات التي تدعي مثله أنها تحتضر يتعرف جاك على تايلر ديردن (يلعب الدور براد بيت) فيقوما معاٍ بإنشاء ناد للقتال يجذب الكثيرين من الذين يعانون من ضغوط اجتماعية يفرغ فيه أعضاؤه سخطهم وغضبهم على قيم وعلاقات المجتمع المادية والاستهلاكية. بعد أن يحرر تايلر أعضاء النادي بقطع الروابط المادية الاستهلاكية والعلاقات السلعية التي تشدهم للمجتمع يقوم بوضع خطة لما يسميه بنشر الفوضى عن طريق تدمير كافة المؤسسات الرأسمالية التي تعيد إنتاج الفوارق الاجتماعية بين الناس في نهاية الفيلم كشف (جاك) أن تايلر ديردن ليس إلا هو وقد أدت به الضغوط إلى أزدواج في شخصيته.
كانت السطور السابقة اختصاراٍ هو بالتأكيد مخل ومجحف لأحداث الفيلم.
العنف الرمزي
يعرف بورديو العنف الرمزي بأنه “السلطة الخفية التي تفعل فعلها في توجيه السلوك الإنساني نحو مواطن الرضوخ والإذعان والقبول الثقافي لكل معطيات ودلالات الحياة الفكرية والثقافية للسلطة السائدة في دائرة العلاقات الطبقية القائمة في المجتمع”. (علي أسعد وطفه: مجلة إضافات العدد الخامس ص 179).
وهذا العنف الذي يعمل على تكريس الفوارق الاجتماعية “يرتدي حلة سلطة معنوية خفية تفرض نظاماٍ من الأفكار والدلالات والمعاني والعلامات بوصفها مشروعة (نفسه) وذلك عبر إخفاء علاقات النفوذ والقوة الموجودة في هذه السلطة المجردة بحيث لا يشعر أفراد المجتمع بأن ما يمارس عليهم عنف لأنه في نظرهم شيء طبيعي ومشروع.
في الجزء الأول من الفيلم – قبل أن يتعرف جاك بتايلر- نرى جاك يمارس حياته العادية في إحدى الشركات الكبرى يضطره عمله إلى السفر متنقلاٍ على متن الطائرات من مدينة إلى أخرى من ولاية إلى أخرى كما نراه حريصاٍ على اقتناء السلع التي يتم الترويج لها في وسائل الإعلام تلك الوسائل التي تخلق فيه وهم الحاجة إلى سلع لا يحتاجها “هناك أجيال ظلت تعمل في وظائف تكرهها فقط لتستطيع شراء أشياء لا تحتاجها”. يقول بطل الفيلم وفي مشهد آخر يقول تايلر” نحن أبناء ربانا جهاز التلفزيون وقال لنا يوماٍ سنصير أغنياء ونجوم سينما وموسيقي روك لكن هذا لم يحدث” كان ذلك وهماٍ وكان وسيلة من وسائل إعادة العلاقات والقيم الاستهلاكية المنافسة في سوق العمل واللهاث وراء السلع الاستهلاكية والقيم التي تبثها وسائل الإعلام كل ذلك إضافة إلى شعور الأفراد بأن ما يقومون به وما يخضعون له أمر طبيعي ومشروع هو العنف الرمزي الذي ذكره بيير بورديو عنف خفي تمارسه مؤسسات عقلانية مجردة مؤسسات يسعى “تايلر” وأعضاء نادي القتال إلى تدميرها.
صنمية السلعة
الشكل المادي لعلاقات الإنتاج الرأسمالي وفق ماركس تجعل العلاقات الاجتماعية في المجتمع البورجوازي تتم عبر تبادل السلع في السوق عن طريق البيع والشراء فتأخذ تلك العلاقات نتيجة لذلك شكل وطبيعة السلع ليبدأ الناس في الوقوع تحت سيطرة السلع التي ينتجونها.
في الفيلم بعد أن فقد جاك كل ما يملك أولاٍ حقيبته التي تحوي ملابس عصرية فاخرةº قمصان وبنطلونات وسترات وربطات عنق تحمل ماركات شهيرة ثم شقته التي التهم حريق كل أثاثها العصري والفاخر أيضاٍ يقول لــ”تايلر” وهما يحتسيان البيرة في حانة: “كنت على وشك أن اكتمل” في إشارة إلى ما كان يملكه من سلع فقدها ليرد عليه “تايلر”: كف عن أن تكون كاملاٍ.. كف عن ذلك فالأشياء التي تملكها أصبحت تملكك.
وهو بصدد تعريف الاغتراب في المجتمع الرأسمالي يقول كارل ماركس: إن العلاقات المادية في المجتمع الرأسمالي تجعل كل ما هو إنساني حيوانياٍ وكل ما هو حيواني يصبح إنسانياٍ. فالعمل الذي يميز الإنسان عن الحيوان يجرد الإنسان من كل ما هو إنساني إذ يعمل بجهد وكد مرغماٍ كالحيوان بينما ما يشترك فيه الإنسان مع الحيوان أي الجانب الحيواني فيه الجانب الغريزي من: نوم أكل إخراج وجنس يصبح هو الإنساني وما يحقق إنسانيته.
يسعى أفراد الفيلم إلى استرجاع إنسانيتهم عبرالسعي إلى احتياجاتهم العزيزية التي فقدوها فــ”جاك” بطل الفيلم المصاب بالأرق يبحث عن النوم وفي واحد من أكثر مشاهد الفيلم تأثيراٍ نرى امرأة ضمن مجموعة الدعم النفسي للمصابين بطفيليات المخ تعتلي المنصة وتشرح لزملائها المرضى أن أسوأ مشكلة بالنسبة لها كمريضة بطفيليات المخ هي أن أحداٍ لا يمارس الجنس معها وأنها وهي قريبة من الموت كل ما تتمناه هو أن يضاجعها أحدهم للمرة الأخيرة إنها لا تبحث عن الحب بل الجنس.