مولد الرسول الأعظم .. البشارة والرحمة والقدوة للأمة

حسين محمد المهدي

 

 

البشارة تعني الخبر السار، ولقد استبشرت الأرض واستبشر الإنسان فيها في شهر ربيع الأول بمولد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد بشر الله به قبل مولده بمئات السنين عن طريق نبيه ورسوله عيسى -عليه السلام-: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].
إنها البشارة الربانية بالنعمة الكبرى والرحمة العظمى التي وهبها الله لعباده: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
إن جوهر العملية التربوية للأمة الإسلامية في ذكر سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحداث مولده ونشأته، ليس مجرد سرد لأحداث تاريخية، بل هو استحضار لقدوة عملية في كل شؤون الحياة.
فمولده صلى الله عليه وآله وسلم بمكة في عام الفيل (سنة 571م تقريبًا) في شهر ربيع الأول، كانت ولادته بشارة خير وفرح وسرور للبشرية، اقترنت به أحداث تدل على عظيم مكانته، فقد رُوي أن إيوان كسرى اهتز يوم ولادته، وانطفأت نار فارس التي كانت تُعبد من دون الله. مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم ولد يتيمًا؛ فقد توفي أبوه عبدالله قبل ولادته، وماتت أمه آمنة بنت وهب وهو طفل صغير. وقد رُوي أن أبا لهب يُخفف عنه العذاب يوم الاثنين، لأنه أعتق جاريته ثويبة عند ولادته فرحًا بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إنه صلى الله عليه وآله وسلم من نعم الله الكبرى، ورحمته للعالمين: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}[يونس: 58].
والعرب والعجم تتخذ يوم الفرح والسرور عيدًا. فهذا عيسى -عليه السلام- نبي من أنبياء الله، حكى الله عنه: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة: 114].
وهذا مجدالدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (مؤلف القاموس وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) يقول: “ويستعمل العيد لكل يوم فيه فرح وسرور” [البصائر، ج4/ص119].
وأغلب الأمة الإسلامية تحتفل باليوم الذي وُلد فيه رسول الله، ويظهرون فرحهم وسرورهم استبشارًا بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبة له.
والحب عاطفة إنسانية ونعمة ربانية إذا كانت بما يحب الله وبمن يحبه الله. فكل محبة في الله يبقى أجرها وذخرها. وفي الحديث: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» [متفق عليه]. وفي حديث آخر: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» [متفق عليه].
ولكن قد يوجد في الناس من ينكر نعم الله عليه، فيحب القبائح ويرتكب الفضائح: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ}[البقرة: 165].
وكم هو قبيح أن نجد في عصرنا هذا من يحب الصهيونية اليهودية على قبحها، ويتابعها على كفرها، ويؤيدها في ظلمها للمسلمين في فلسطين، ويمجد أسيادها، ويحتفل بهم، ويعطيهم الأموال الطائلة. ومع ذلك كله، قد تجدهم ينكرون على من يحتفل ويستبشر بمولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي دعا لنشر الإسلام، وتوحيد الرحمن، وكانت زوجاته أمهات المؤمنين.
وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم آية في خَلقه وخُلقه؛ له نور في وجهه يستنير به المحيطون به. أخلاقه عطرة، وسيرته حسنة. ويكفي اللبيب ما وصف الله به نبيه الحبيب في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4].
فقد كان الصدق كلامه، والأمانة أداءه، والرحمة خلقه وصفته. فقد كان رحيماً بالصغير والكبير، وبالمؤمنين رؤوفاً رحيماً. وصدق الله العظيم حيث يقول في حقه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 128].
وكان أشجع الناس؛ يلجأ إليه أصحابه في أصعب المواقف. وهو مع ذلك يضرب المثل الأعلى في التواضع والحلم والعفو. وكان يعدل حتى مع أعدائه. وكانت دعوته تقوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، ونبذ الشرك والظلم، والدعوة إلى مكارم الأخلاق كان يتحلى بالصبر في كل مواقفه، ويتحمل الأذى. وكان جهاده وغزواته ليس لعدوان أو طمع، بل كان دفاعاً عن الحق، ونصرة للمستضعفين، وتحرير البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قواعد إنسانية في الحرب لم تعرفها البشرية من قبل؛ فهو ينهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ، وينهى عن التمثيل بالجثث، وينهى عن الغدر والفجور وحرق الأشجار، ويدعو إلى معاملة الأسرى معاملة حسنة.
فعلى المسلمين اليوم في ذكرى مولده أن يتخذوه القدوة العملية في حياته منذ نشأته حتى وفاته: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}[الأحزاب: 21].
فجهاده كان لغايات سامية؛ كان لإعلاء كلمة الله، كان من أجل إنقاذ المستضعفين وتحريرهم. كان يحث على الأخلاق العالية في ساحات القتال. كان نبياً يوحى إليه، وقائداً محنكاً، ومعلماً فطناً. كان يجمع بين العبادة والقوامة والقيادة. سيرته العطرة تغرس المحبة في القلوب، وتدفع إلى الاتباع والاقتداء. فيها الدواء لأمراض الأمة اليوم، وفيها المنهج الواضح للنصر والتمكين: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران: 31].
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.

قد يعجبك ايضا