غياب الخدمات يفاقم معاناة السكان..!!


بعد 45 كيلو من الجنوب الشرقي لمدينة الحديدة تقع مديرية المنصورية إحدى مديريات محافظة الحديدة .. والتي تعد من المديريات المهمة وذات الكثافة السكانية والتنوع الزراعي .. يقطنها ما يفوق 45 ألف نسمة يعمل أغلبهم في الزراعة وتربية الماشية .. تمتاز مديرية المنصورية بقربها من مدينة الحديدة ومن العديد من المديريات الجنوبية مثل الدريهمي والمراوعة وبيت الفقيه والسخنة … ناهيك عن أن هذه المنطقة أو المديرية كانت محلاٍ لتخزين المواد الزراعية لأغلب مناطق تهامة الجنوبية ..

قبل أربعة عقود تأسست مديرية المنصورية وبالتحديد في 1002هـ على يد العلامة والفقيه الخليل أبو المحاسن والذي يعد من الهامات العلمية والفقيه في تهامة كما يعتبر أول من قطن بها وعمل على تحويلها إلى مدينة بعد أن كانت فيما مضى تعتبر محطة لتخزين البضائع والمحاصيل الزراعية .. حيث كان المزارعون يقومون بالاحتفاظ بمحاصيلهم فيها كونها تقع في منتصف المناطق الزراعية.. كما يعود تسميتها نسبة إلى قبيلة المناصرة وهي إحدى قبائل الزرانيق والتي تعود نسبتها إلى معزب ابن عك .. ويقطنها حالياٍ ما يصل إلى 45 ألف نسمة يسكن بعضهم في مركز المديرية بينما يتوزع الباقي على 35 منطقة زراعية يتقسمون في غالبهم على قبائل المناصرة والوعارية ..
كما تحتل مديرية المنصورية موقعا جغرافيا مهما فهي تقع على الطريق السريع (الحديدة – تعز) مما يجعلها محطة لاستراحة المسافرين والذين يتزودون باحتياجاتهم في الغالب من بضائعها سواء في السابق أو الوقت الحالي .. إضافة إلى أهمية وقوعها في حدود العديد من المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة كما هو الحال مع الدريهمي والتي تقع من الجهة الغربية للمديرية والمراوعة والتي تقع من الجهة الجنوبية وكذا السخنة من الجهة الشرقية وبيت الفقيه من الجهة الجنوبية .. هذا الوضع الجغرافي أكسب مديرية المنصورية أهمية بالغة فهي الأقرب من بين كل تلك المديريات إلى مدينة الحديدة عاصمة المحافظة عبر الطريق الرئيسي (الحديدة – تعز) ناهيك عن حدودها مع محافظة ريمة وهو ما جعلها مقصداٍ للمتسوقين القادمين من هذه المحافظة (ريمة)
مزارع ومهن تندثر
كانت أبناء مديرية المنصورية ومازالوا ويمارسون أعمالهم ومهنهم التي ورثوها عن الآباء والأجداد ومن تلك الأعمال مهنة الزراعة وتربية النحل وتربية المواشي كما تشتهر المديرية بمعاصر زيت الجلجل والذي يتم استخراجه بالطريقة القديمة بواسطة الجمال التي تدور حول معاصرها .. وتجد هذه المعاصر في معظم أحياء وحارات المنصورية .. فهذه المديرية تنتج من المحاصيل الزراعية مثل الدخن والذرة الحمراء والبيضاء والكشري والدجرى والقطن كما تزرع بعض الخضراوات والفواكه مثل المانجو والموز والعنب والخرمش والباميا والملوخيا والبقل والطماط .. وغيرها من المنتجات الزراعية لهذه المديرية بيد أن الحركة الزراعية والتي يعتمد عليها أبناء هذه المنطقة بشكل كبير بدأت تتضرر بسبب الإرتفاع لمادة الديزل.
الأخ شريف محمد علي شريف قال: كانت المنصورية في السابق (القريب) منتعشة اقتصاديا وتسودها الحركة التجارية فأغلب تجار المناطق الجنوبية كانوا يستفيدون من سوقها الأسبوعي والذي يقام يوم الأربعاء ففيه يتوافد المتسوقون من أغلب مديريات المديريات وفيه تباع المواشي من أبقار وأغنام .. كما تباع فيه المحاصيل الزراعية من الحبوب والذرة وغيرها .. وكان أبناء المديرية هم المتصدرون في أغلب تلك البضائع كالمصنوعات اليدوية مثل كوافي الخيزران أو الأواني الطينية وكذا زيت السمسم وغيرها وقد أثر الوضع الاقتصادي والغلاء الكبير على وضع السوق والذي ما زال يقوم يوم الأربعاء من كل أسبوع لكن دون السابق ..
وأضاف شريف أن المحاصيل الزراعية التي كان يعتمد عليها أغلب أبناء مديرية المنصورية قد تناقصت بشكل كبير بسبب ما شهدتها مادة الديزل من ارتفاع في سعرها وهو ما دفع الكثير من هؤلاء المزارعين يتخلون عن مزارعهم ويمارسون مهناٍ وأعمالاٍ أخرى أو قد يبيعونها كما حصل للبعض منهم ..
معالم تاريخية عديدة
مديرية المنصورة بالرغم من قرب تاريخ تأسيسها مقارنة بغيرها من مديريات المحافظة لكن الـ 4 القرون التي خلت من تاريخها جعلتها تنافس ببعض آثارها ومعالمها وشخصياتها العلمية كثيراٍ من المديريات ..
فهذه المديرية تحتوي على عدد من المعالم من أهمها قرية سامر الأثرية والتي تقع شرق مدينة المنصورية والتي تحوي العديد من المعالم والأواني والأدوات الأثرية ما تحتاج إلى فرق عملية للتنقيب عن الآثار المدفونة فيها..
كما يوجد في المنصورية جامع بني البحر الأثري والذي تم بناؤه في العام 1103هـ أي قبل ثلاثة قرون ونصف وما يزال يحوي النهضة العمرانية والنمط المعماري الذي تميز به أبناء هذه المنطقة في تلك الحقب التاريخية ..
وهناك أيضاٍ حصن أبكر شرف الواقع قرب قرية صنيف المناصرة وهو أحد الحصون التاريخية والتي كانت حاضرة في صراع أبناء المنطقة إبان الحملة العثمانية .. حيث يؤكد أبناء المنطقة أن هذا الحصن يعود تأسيسه إلى أبكر شرف والذي عمد لبنائه بهدف مقاومة التواجد العثماني في تلك الحقبة شكل مجاميع لمقاومتهم متخذا من هذا الحصن قاعدة عسكرية وموقعاٍ لانطلاق ضرباته واستمرت مقاومته حتى قتل على يد الجنود العثمانيين .. ولا يزال هذا الحصن شاهداٍ على ثقافة المقاومة لأبناء هذه المنطقة تجاه الظلم ومن يمارسه ..
إدارة مكتب الآثار في المحافظة أكدت أن مشكلة الآثار في مديرية المنصورية مثل قرية سامر وجامع البحر تعاني كما هو الحال مع بقية آثار المحافظة والتي تحتاج الى اهتمام ورعاية من الجهات الرسمية العليا ..
وقال مدير مكتب الآثار الأخ/ أحمد الديك إنه تم النزول الميداني إلى في المديريات والاطلاع على وضع تلك المعالم الأثرية وعمل تقرير بشأنها سيتم تقديمه للسلطة التنفيذية في المحافظة كما سيتم إرساله إلى الجهات المعنية في صنعاء .. كون هذه الأمر يحتاج إلى فرق علمية متخصصة ..
إن الدولة في الوقت الراهن لا تقوم بتوفير الإمكانات المادية والفنية الكافية للرعاية والاهتمام بهذه المعالم لأثرية والتاريخية المهمة .. لكن نأمل في القريب العاجل أن يكون هناك توجه للحفاظ على هذه المعالم …
انتشار الأمية
الوضع التعليمي في المديرية وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطة المحلية في المديرية للارتقاء به عبر المتابعة والمطالبة لدى الجهات الرسمية في المحافظة لتحسين وضعه إلا أنه ما يزال دون المستوى المطلوب ..
فهذه المديرية المترامية الأطراف وذات القرى المتباعدة على طول وعرض المديرية ما تزال بعض مناطقها تفتقر لوجود المدارس .. ناهيك عن أن المديرية والتي تبلغ عدد مدارسها 31 مدرسة بعضها يوجد بها كل المراحل والبعض يوجد بها أساسي فقط .. كما أن معظم تلك المدارس تم بناؤها قريبا .. ويعمل بها ما يقارب من 400 مدرس يقومون بتدريس ما يزيد عن 8500 طالب وطالبة .. بيد أن تلك المدارس الموجودة حاليا تفتقر إلى الكادر المتخصص لبعض المواد كما أن بعض القرى البعيدة من مركز المديرية انتشرت فيها الأمية نظرا لعدم وجود مدارس تعليمية فيها أو بالقرب منها .. كما هو الحال مع قرية دير فج والكدف وغيرها من المناطق ..
نقص الرعاية الصحية
يمثل الجانب الصحي لمديرية المنصورية أهمية بالغة .. كونها تقع على خط ( الحديدة – تعز) والذي تقع فيه الحوادث على الطريق السريع ناهيك عن أن المديرية هي الطريق الموصل من محافظة ريمة إلى الحديدة مما يجعلها تستقبل الحالات الإسعافية من المناطق القريبة منها من محافظة ريمة .. إضافة إلى ترامي قراها وتباعدها وهو ما يجعل من توفير المباني الصحية والكادر الطبي أمراٍ ذا أهمية .. ومع ذلك فإن هذه المديرية لم تحظ بالاهتمام من الجهات الرسمية المعنية بهذا الجانب .. فما يوجد في المديرية وهو عبارة عن مستشفى ريفي فيه عدد من الأطباء والممرضين.. لكنه يفتقر للتخصصات الطبية ولغرفة طوارئ مجهزة تستقبل الحالات الخطيرة الناتجة عن الحوادث.. وقرى المديرية الـ 35 تتوزع فيها 11 وحدة صحية 2 منها تم إنشاؤها مؤخراٍ بعد متابعة جادة وحثيثة من قبل السلطة المحلية بالمديرية
مدير مكتب الصحة بالحديدة الدكتور عبدالرحمن جار الله قال إن المكتب في المحافظة يعمل على توفير الكادر الطبي والمعدات الصحية لمديرية المنصورية وغيرها من المديريات وخاصة تلك التي تقع على الخطوط الساحلية مثل هذه المديرية ..
وأضاف (نحن نتابع الوزارة كونها هي المعنية بتوفير الكادر الطبي وتوزيعه وعملنا في المحافظة يقتصر على توزيع الكادر المرسل لنا وهنا تكمن المشكلة والتي تتمثل في عدم توفر كادر كاف في المحافظة لتوزيعه على المديرية .. وكنا قد أرسلنا أطباء روس عن طريق الاتحاد الأوروبي لمديرية المنصورية لكن للأسف أن الوزارة تقوم بإبرام اتفاقيات معهم لمدة عام فقط الأمر الذي يتسبب في فراغ في هذه المديرية وغيرها .
إنه وخلال الأيام القليلة القادمة سيعمل المكتب على توفير الكادر الطبي الذي تحتاجه المديرية وكذا توفير كل الاحتياجات والمعدات الطبية اللازمة لتسيير العمل الطبي في مستشفى المنصورية الريفي بإذن الله .
مبادرات ذاتية
مدير المديرية الأستاذ سعيد حكمي قال إن المديرية تعاني من نقص العديد من الخدمات وهي بحاجة إلى اهتمام من قبل المكاتب الحكومية المختلفة.. مشيراٍ إلى أن هناك نقصاٍ في الكادر التعليمي في بعض التخصصات والتي لم يستطع المجلس المحلي توفيرها كون الأمر يتعلق بالقرار في مركز المحافظة ..
وأضاف: (إن القطاع النسائي يعاني من عزوف البنات عن الدراسة نظرا لعدم وجود كادر تعليمي نسائي الأمر الذي اضطر السلطة المحلية في المديرية – لتنفيذ مبادرة رسمية شعبية تحت مسمى ( المجلس التنسيقي لتعليم الفتاة) تتمحور حول الاستفادة من خريجات الجامعة اللاتي هن من أبناء المديرية للتعليم في المدارس الريفية مقابل إعطائهم مبالغ مالية كمكافأة لهن يتم تحصيلها كتبرعات من تجار المديرية .. إلا أن بعض التجار ممن التزموا بالدعم قد تراجع – مع استمرار المشروع – مما اضطرنا لوضع المشروع على الصندوق الاجتماعي للتنمية والذي وعد بتوفير الدعم لهذا المشروع ..
وأشار إلى أن المستشفى الريفي بالمديرية يحتاج إلى طاقم طبي متخصص في كل المجالات .. وتوفير كل المعدات والأدوات الطبية .. توفير غرفة عمليات وغرفة طوارئ وطبيب جراح … الخ .. ونحن نعمل على المطالبة المستمرة لتوفير ذلك سواء من السلطة التنفيذية في المحافظة أو من مكتب الصحة ..
وقال مدير المديرية إن الأزمة التي تعيشها البلاد بشكل عام حاليا قد أثرت بشكل كبير على وضع المديرية فالمخصصات المالية والتي كانت تصرف للمديرية من خزينة الدولة تم توقفها نظراٍ لما تعيشه البلاد ونحن الآن وكما هو باقي وضع المديرية نعمل على توفير احتياجاتنا من الإيرادات المحلية للمديرية الزكاة ورسوم النظافة .. وبعض الإيرادات المحلية التي لا تغطي الحد الأدنى من احتياجات المديرية ..
واختتم مدير المديرية بالقول: مديرية المنصورية بحاجة إلى رعاية خاصة ولفتة اهتمام من قبل الجهات الرسمية للارتقاء بالخدمات فيها والتخفيف عن أبنائها ما يعانون .. كما أن المبادرات الإيجابية التي تنفذها المديرية بحاجة إلى تشجيع ودعم لإيجاد شراكة بين المجتمع والدولة لتحقيق تنمية حقيقية في المديرية وغيرها من المديريات .

قد يعجبك ايضا