الحفاظ على الوحدة الوطنية .. إعلاء لأمر الله !!


في فترة عصيبة تمر بها اليمن بأحلك الظروف وأصعبها لإنجاح الفترة الانتقالية ومخرجات الحوار الوطني والسلم والشراكة والوصول إلى دولة العدل والقانون والمساواة , والتي تتطلب تضافر كل الجهود وتوحد كل القوى للحفاظ على الوحدة حاضرا ومستقبلا ونبذ الدعوات العصبية والتعصبية امتثالاٍ لقوله تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة ).

علماء ودعاة أجمعوا على أهمية الحفاظ على الوحدة واستنكروا دعوات التفرقة والشتات والتعصبات الدينية والمذهبية والطائفية والمناطقية وأكدوا أن الوحدة الإسلامية مصدر قوة الشعوب واعتزازها وسبيل التمكين والنصرة في الأرض ..
أخوة الدين
البداية كانت مع فضيلة العلامة أحمد الديلمي الذي استهل حديثه بقوله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاٍ ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكون كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وقال الديلمي: ما أحوجنا اليوم لتعزيز قيم الوحدة والتآلف بين المسلمين ونبذ أبواق التفرقة والتشرذم والصراع , فما تعانيه أمتنا اليوم هو نتاج ابتعادها عن نهج الشريعة والسنة في الأمر الإلهي بالحفاظ على الأخوة وأن تكون أخوة إيمانية عميقة أساسها وجذورها الدين.
وحدة الله
مستطردا أول عمل قام به صلوات الله عليه وسلامه حال دخوله المدينة وإرساء دعائم الدولة الجديدة وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وإزالة التفرقات والعصبيات الجاهلية فوارق النسب واللون وحتى الوطن وما أعظمها من أخوة ووحدة لله في الله لتأسيس المجتمع الإسلامي الموحد آنذاك .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قالت الأنصار للنبي ـصلى الله عليه وسلم : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل قال : لا فقالوا : تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا ) وفيهم يصدق قوله تعالى : (وِالِذينِ تبوئوا الدِارِ وِالúأيمِانِ منú قِبúلهمú يْحبْونِ مِنú هِاجِرِ إلِيúهمú وِلا يِجدْونِ في صْدْورهمú حِاجِةٍ ممِا أْوتْوا وِيْؤúثرْونِ عِلِى أِنúفْسهمú وِلِوú كِانِ بهمú خِصِاصِةَ وِمِنú يْوقِ شْحِ نِفúسه فِأْولِئكِ هْمْ الúمْفúلحْونِ }.
جماعة المسلمين
(من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه , قيل يا رسول الله وما جماعة المسلمين ¿ قال : جماعة أهل الحق وإن قلوا ) هكذا استهل العلامة عبد العظيم سنان حديثه معنا , وأضاف متسائلا : كيف يتغافل البعض عن الآيات العظيمة والأحاديث النبوية والتعاليم الإسلامية التي دعت إلى المؤاخاة ونبذ دعوات الجاهلية المذمومة فيشق عصا الطاعة والجماعة ويجعل من إخوانه أعداء بل ويألب القوم عليهم تحت عصبية نهانا الإسلام عنها وحذر من يدعون إليها من عذاب أليم , ليصدق قول الحق : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ).
وقال سنان : ومهما تكن هذه المرحلة عصيبة باعتبارها نتاج تغييرات على مختلف الأصعدة والمجالات , ومهما تكن الظروف الاقتصادية في أدنى مستوياتها ومهما تكن القضايا الحقوقية العالقة , فهذا لا يبرر التآمر على الوحدة بين المسلمين أنفسهم لما لذلك من تداعيات تفضي إلى حروب لن تبقي ولن تذر , تسفك الدماء وتقتل الأبرياء وكل طائفة ترى أنها على حق وصواب وما دونها باطل وهذه أخطر الفتن المدمرة للشعوب أرضاٍ وإنساناٍ .
حقوق ضائعة
وأما العلامة رائد الذيفي فيقول متأسفاٍ : للأسف استهان الناس بحق الأخوة فاستهانوا بعظمة الوحدة , ولو أحيينا قيم الأخوة الإسلامية لما وجدنا ولا سمعنا منادياٍ ينادي للفرقة والعصبوية بين أبناء الإسلام والتي خلفت مآس استباحت الدماء وانتهكت الأعراض وأضعفت المسلمين وجعلتهم فريسة سهلة بيد الأعداء.
موضحاٍ: فعلى المستوى الحقوقي فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يْسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة , وحق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس” وإحياء الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراٍ أو تقضي عنه ديناٍ أو تطعمه خبزاٍ , ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناٍ أو تطرد عنه جوعاٍ ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليِ من أن أعتكف في المسجد شهراٍ ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاٍ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).
تحذير
مضيفاٍ: فما بالكم اليوم وفلان يعتدي على أخيه وآخر يشهر بأخيه عبر مختلف المواقع الالكترونية ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لتحزبات مقيتة أو انتماءات مسيسة فيشوه سمعته ومكانته ويدمر حاضره ومستقبله ويفاقم حالة البين والخلاف ويوسع دوائر العراك والصراع بين المسلمين , وفيهم قال نبينا الكريم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه , لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته , وقوله سباب المسلم فسوق وقتاله كفر , وإن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق , فالمسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه التقوى هاهنا – وأشار إلى القلب – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ).
قد من الله علينا
من جهته يقول فضيلة الشيخ حسن أبو طالب: أن الوحدة نعمة عظيمة من الله امتن بها الله على المؤمنين ( وِأِلِفِ بِيúنِ قْلْوبهمú لِوú أِنúفِقúتِ مِا في الأِرúض جِميعٍا مِا أِلِفúتِ بِيúنِ قْلْوبهمú وِلِكنِ اللِهِ أِلِفِ بِيúنِهْمú إنِهْ عِزيزَ حِكيمَ ) فبناء مجتمع متماسك يعرف طريقه نحو الريادة الأخلاقية والمادية التي تؤهله لأن يقود العالم ويْخرجه من الظلمات إلى النور لن يستقم ويتحقق ذلك إلا بتوطيد جذور الوحدة الاسلامية وتقبل الآخر على اختلاف توجهه ولونه ومنطقته وانتمائه.
وأضاف: إن الوحدة والأخوة المتفق عليها بأنها درجة من درجات القرابة والدم تجعل للمرء على أخيه حقوقٍا لا متناهية وواجباتُ لا تعد ولا تحصى فجاءت في الإسلام بمفاهيمِ مغايرةُ وغير تقليدية فصارت الأخوة مفهومٍا عظيمٍا وعلاقاتُ واسعة متحررةٍ من رباط النسب والدم موثوقةٍ برباط أهمِ وأعظم وهو الرباط الإلهي غايتها رضاه – سبحانه وتعالى – وبلوغ الجنة فالأخوةْ والمحبة والارتباط لأجله – سبحانه – جعلت الغني في الإسلام أخٍا للفقير دون استكبار والأبيضِ أخٍا للأسود دون تمييز والحرِ أخٍا للمستعبد دون فضل ووثقت وثاق الأخوة بأعظم المواثيق وهو ميثاق المحبة في الله.
إلا بالتقوى
فيما تحدث الداعية أنور الخطيب عن القيم التي تعزز الأخوة والوحدة بين المسلمين في هذا الظرف الحرج من تاريخ الأمة والمتمثلة بتوطيد جذور المساواة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 🙁 كلكم لآدم وآدم من تراب ) وقوله : ( لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ) وقال أيضاٍ : ( الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ). ولقوله تعالى : ( يِا أيْهِا النِاسْ إنِا خِلِقúنِاكْمú منú ذِكِرُ وِأْنثِى وِجِعِلúنِاكْمú شْعْوبٍا وِقِبِائلِ لتِعِارِفْوا إنِ أِكúرِمِكْمú عنúدِ اللِه أِتúقِاكْمú إنِ اللِهِ عِليمَ خِبيرَ ) وإصلاح ذات البين وردم الهوة بين المسلمين لقول نبينا الكريم : ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال : صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة , لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ).
تصفية القلوب
وتابع حديثه قائلاٍ : بالإضافة إلى إحلال روح التسامح بين المسلمين وطي خلافات الماضي بما يصفي قلوبهم ويألف بينها ويسمو بوحدتهم امتثالاٍ لقوله تعالى ( وِلúيِعúفْوا وِلúيِصúفِحْوا أِلِا تْحبْونِ أِن يِغúفرِ اللِهْ لِكْمú وِاللِهْ غِفْورَ رِحيمَ ) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كأني انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياٍ من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) , ولا ننسى الموقف العظيم عندما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخلها نهاراٍ بعد أن خرج منها ليلاٍ وحطم الأصنام بيده ووقف أهل مكة يرقبون أمامه العقاب الذي سينزله بهم رسول الله جزاء ما قدموه له من إيذاء لا يحتمله إلا أهل العزائم القوية إلا أنه قال لهم : ما تظنون أني فاعل بكم ¿ قالوا خيراٍ أخ كريم وابن أخ كريم , فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء . فاسترد أهل مكة أنفاسهم وبدأت البيوت تفتح على مصاريعها لتبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

قد يعجبك ايضا