توصيل الماء والكهرباء من خارج العداد غلول


■ استطلاع/ هاشم السريحي –
في ظل الأوضاع السيئة التي تمر بها بلادنا والتي أوصلتنا إلى توقف أو تساهل الجهات الرسمية في المتابعة والمراقبة انتشرت ظاهرة توصيل الماء و الكهرباء من خارج العداد فأصبح الكثير من المشتركين يحصلون على هذه الخدمات دون دفع تكلفتها وفي ظل غياب الوازع الديني وعدم تعاون المجتمع مع الدولة وتقصير وسائل الإعلام في التوعية نلاحظ استفحال هذه الظاهرة بشكل واضح حتى أصبح الأمر عادياٍ بالنسبة لكثير من الناس. حول هذه الظاهرة استطلعنا آراء عدد من المواطنين والعلماء والمسؤولين إلى التفاصيل:

الأخ أحمد الغماري أحد ساكني منطقة الجراف تحدث إلينا قائلاٍ: أصبحت والقليل من جيراني ممِن يحصلون على الماء بطرق صحيحة وغيرنا لا يحصلون عليه إلا من وراء العدادات.
ويضيف: أقول لهم كيف تتوضأون بماء حرام ثم تذهبون للصلاة فيردون علي: معظم الناس يوصلون الماء من خلف العدادات.
مخالفات وإجراءات
الأخ عبدالجليل الكميم مدير العلاقات العامة بمؤسسة المياه والصرف الصحي تحدث إلينا قائلاٍ: ظاهرة التوصيل من خارج العداد استشرت في الآونة الأخيرة مما حدا بالمؤسسة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات للحد من هذه المخالفات منها: تحرير محضر بالمخالفة وفصل الخدمة عن المشترك واللجوء إلى سد الصرف الصحي كآخر إجراء في حالة عدم تجاوب المشترك كما يتم التنسيق مع المجالس المحلية وعقال الحارات والأقسام لضبط المخالفات الكبيرة ولكن للأسف الشديد عانت المؤسسة خلال الفترة الأخيرة من إحجام المشتركين عن التعاون معها مما أثر بشكل كبير على الحد من المخالفات وتحصيل المديونية.
خسائر فادحة
ويضيف الكميم: نتيجة لهذه المخالفات تلحق بالمؤسسة خسائر فادحة تتمثل في ارتفاع نسبة الفاقد وانخفاض نسبة المبيعات وكذا إتلاف الشبكة مما يؤدي إلى عدم وصول المياه إلى المشتركين.
أما عن جهود المؤسسة للحد من المخالفات فيقول الكميم: قامت المؤسسة بعمل حملات توعية بهذا الخصوص عبر خطب الجمعة ووسائل الإعلام المختلفة وسيتم تفعيلها من جديد كما تم استصدار فتوى شرعية من قبل القاضي العلامة محمد اسماعيل العمراني والعلامة حمود عباس المؤيد وتم نشرها عبر وسائل الإعلام وكذا توزيعها مع الفواتير. كما تقوم المؤسسة حالياٍ بإعداد برنامج لتحسين آلية التحصيل ومتابعة المديونية ومكافحة المخالفات وهي بصدد إعداد برنامج عمل يشترك فيه كل من السلطة المحلية وعقال الحارات والشخصيات الاجتماعية يهدف إلى النزول الميداني المشترك إلى مختلف الأحياء والمناطق بما يتلاءم مع برنامج توزيع المياه والعمل على إزالة المخالفات ومعالجة المشاكل.
كما أن المؤسسة بالتعاون مع قيادة أمانة العاصمة والمؤسسة العامة للكهرباء بالأمانة بصدد استكمال مشروع الربط الشبكي لآبار الحقول والتي تغذي الخزانات الرئيسة لضمان استمرار الكهرباء فيها لأطول فترة إنتاج ممكنة مما يعني تقريب برنامج توزيع المياه والحد من التأخر في وصول المياه وبالتالي سينعكس ذلك على تقليل المخالفات.
ويقول الأخ محمد اليمني: ذهبت إلى وزارة الكهرباء لإتمام معاملة وعندما تحدثنا عما يقوم به المواطنون من توصيل خطين وبصورة مخالفة لتصريحات الوزارة الداعية إلى عدم الربط المزدوج وما يسببه ذلك من مشاكل لأهل الحارة الذين ليس لهم سوى خط واحد حيث يحصلون على نصيبين من الإطفاءات المبرمجة رد علي أحد الموظفين: وأنت قم بتوصيل خطين!!
إرادة وتوجه صادق
من جهته أشار الأخ حسين العدادي مدير التفتيش بالمؤسسة العامة للكهرباء إلى أن التوصيل العشوائي والربط المباشر بدون عدادات من قبل البعض أدى إلى قيام بعض المشتركين بإيقاف العدادات والتوصيل من خلفها أسوة بالآخرين كما أن انعدام الحماية الأمنية خلال الفترة الماضية أدى إلى عدم قدرة المؤسسة على الفصل على المخالفين وتحصيل المديونية التي بلغت مائة وستة مليارات ريال.
وأوضح مدير التفتيش بالمؤسسة العامة للكهرباء أن المؤسسة تخسر شهرياٍ حوالي خمسة مليارات وسبعمائة وثمانية وثلاثين مليون ريال نتيجة التوصيل المباشر بدون عدادات حيث بلغ عدد هذه الحالات ثلاثمائة وعشرين ألف حالة في الجمهورية.
ويشير العدادي إلى أن أضرار التوصيل من خلف العداد وكذا الربط المزدوج لا تتوقف على المؤسسة بل تلحق بالمشتركين حيث أن زيادة الأحمال على المحولات وشبكات التوزيع تؤدي إلى احتراق الفيوزات والمحولات وكذا زيادة الإطفاءات بسبب إرباك عملية الفصل المبرمج.
ويؤكد مدير التفتيش أن هناك عدة استراتيجيات وخطط لمعالجة هذه الاختلالات ولكنها تحتاج إلى إرادة سياسية وتوجه صادق لتنفيذها وتعاون الجميع للحد من هذه الظاهرة.
سرقة وغلول
الدكتور محمد الوزير الوقشي أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القرآن الكريم يقول: التوصيل من خلف العداد يعتبر غلولاٍ والغلول محرم قال الله تعالى: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وقد ورد في الحديث: (الإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس) ولا شك أن فعل ذلك مما يحيك في النفس وملامح الإثم عليه بادية وكراهة أن يطلع عليه الناس معلومة وفيه أكل أموال الناس بالباطل قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) والكهرباء والماء مال واستخدامه من وراء العداد سرقة والسرقة لا تجوز في الشريعة ولكن لا تقطع يد الفاعل لكون الكهرباء أو الماء حقا عاما للمواطنين جميعا ففيه شبهة كون فيه حق له وقد ورد في الصحيح أن أحد موالي النبي صلى الله عليه وآله وسلم غل شملة في غزوة خيبر التي وقعت في محرم من السنة السابعة ومات ذلك العبد شهيدا في معركة وادي القرى من فدك فقال الصحابة شهيد فقال رسول الله: (لا هو في النار في شملة غلها) والغلول هو الأخذ من أموال الدولة بدون علمها أو رضاها أو قبل القسمة بين الناس.
ويضيف الدكتور الوقشي: ولا وجه للاستدلال بحديث: (الناس شركاء في ثلاثة الماء والنار والحطب) لأن هذه الأشياء لا ضرر على الإنسان ولا مؤنة في بذلها وحاجة الناس الضرورية لها. أما الكهرباء أو الماء –في زماننا- فإن فيها مؤنة وكلفة وسرقتها من خلف العداد فيه ضرر ظاهر والشريعة مبنية على أنه لا ضرر ولا ضرار كما قال صلى الله عليه وآله وسلم. والذي يبرر بمثل هذا الكلام عليه إثمان: الأول: أنه سارق غال آكل لأموال الناس بالباطل يأكل إثما وسحتا كما بينا سابقا والثاني: أنه افترى على الله كذبا حين نسب إلى شريعته أنه يجوز سرقة الكهرباء أو الماء من خلف العداد وهذا قاله بلا علم والله يقول: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) فالذي يحلل بلا علم يفتري على الله الكذب فسرقته من خلف العداد إثم أهون من افترائه على الله وعلى شريعته.
من جيز الناس !!
ويؤكد أستاذ الفقه وأصوله: أن من يقول: من جيز الناس فإن فعل الناس ليس بحجة والمحرم لا يصبح حلالا لكون الناس يرتكبونه وقد قال الله: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) فهناك من الناس من هو كافر بالله ومنكر لرسالة محمد فهل يبرر هذا الكفر والعياذ بالله والجواب لا وهذا كلام لا يستحق الرد فبطلانه ظاهر لكل قارئ وسامع وكون بعض الناس يأكل حراما لا يبرر أكل الحرام بأي وجه من الوجوه.
وينبه الدكتور الوقشي الدولة قائلاٍ: الكهرباء خدمة لا سلعة وصار في زماننا ضرورياٍ فلا بد من التفريق بين الاستخدام العادي أو غيره وأن يرعى الوضع الاقتصادي بحيث لا تربح الدولة فيه خاصة في هذه المرحلة الحرجة.
والأخذ من خلف العداد أو الامتناع من التسديد تحتاج إلى ورشات عمل لمعالجته من ناحية شرعية وواقعية ومضاعفة المبالغ على من يتأخر في السداد أو يزيد استخدامه عن عدد من الكيلوهات معين فيه نظر والواجب رعاية العدل ومراعات كونه خدمة ومراعاة ذوي الدخل المحدود والظروف الحالية والاقتصاد المتدهور ووجوب المتابعة.

قد يعجبك ايضا