نعمة الأمن وضرورة الحفاظ عليها

الشيخ/ محمد محمد عويس –

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه ربي معلما ونال الهداية والتوفيق والسداد والرشاد والأمن والأمان والاستقرار وبعد.
فإن الله تبارك وتعالى امر عباده المؤمنين والناس جميعاٍ أن يذكروا نعمة عليهم فقال تعالى مخاطبا المؤمنين ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم)) المائدة: 11.. وقال ربنا أيضاٍ ( يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم) فاطر: 30..
ومن أعظم نعم الله علينا التي يجب أن نذكرها ونذكر الناس بها بعد توحيد الله تعالى “نعمة الأمن” إن الأمن على الدين والنفس والأهل والولد والعرض والمال هذه النعمة الجليلة والمنة الكبيرة مطلب كل أمة وغاية كل دولة فنعمة الأمن لا يستغني عنها حاكم ولا محكوم ولا غني ولا فقير ولاذكر ولا أنثى ولا صغير ولا كبير ولا صحيح ولا سقيم ولا مسافر ولا مقيم حتى الجنين في بطن أمه بحاجة ماسة إلى الأمن والأمان ويدل على أهمية نعمة الأمن “ما يلي:-
1- إن نعمة “الأمن” أعظم وأهم من نعمة “الرزق” ولهذا قدمت نعمة “الأمن” على الرزق” في الآية الكريمة (وِإذú قِالِ إبúرِاهيمْ رِب اجúعِلú هِذِا بِلِدٍا آمنٍا وِارúزْقú أِهúلِهْ منِ الثِمِرِات مِنú آمِنِ منúهْم بالله وِالúيِوúم الآخر قِالِ وِمِن كِفِرِ فِأْمِتعْهْ قِليلاٍ ثْمِ أِضúطِرْهْ إلى عِذِاب النِار وِبئúسِ الúمِصيرْ) البقرة: 126 فانظر رعاك الله كيف بدأ بالأمن “قبل الرزق” وهذا السبب:-
الأول:- إن استتباب الأمن سبب للرزق فإذا شاع الأمن واستتب سعى الناس في الأرض وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم وهذا لا يكون الا مع الأمن.
الثاني:- أنه لا يطيب طعام ولا ينتفع برزق اذا فقد الأمن وقد يسأل سائل لماذا قدم “الرزق” “على الأمن ” في سورة “قريش” .
الجواب:- إن هذه السورة للمشركين,وعند مخاطبة هؤلاء يحسن البدء بالقليل قبل الكثير وباليسير قبل العظيم.
2- ونعمة “الأمن” أعظم من نعمة “الصحة”
قال الرازي رحمه الله: سئل بعض العلماء “الأمن” أفضل أم الصحة ” أفضل¿
فقال: “الأمن” أفضل من “الصحة” والدليل على ذلك لو أن شاة انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان ثم في نفس الوقت هي تقبل على الرعي وتأكل ولو أن الشاة سليمة ووضعت في موضع وهي مربوطة وكان بالقرب منها ذئب فانها تمسك عن العلف ولا تتناوله الى أن تموت خوفاٍ من الذئب وذلك يدل على أن الضرر الحاصل بالخوف اشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد.
3- ونعمة “الأمن” مطلب الناس جميعاٍ
فإبراهيم “عليه السلام يدعو الله أن يجعل بلده آمناٍ قال تعالى ” وِإذú قِالِ إبúرِاهيمْ رِب اجúعِلú هِذِا الúبِلِدِ آمنٍا وِاجúنْبúني وِبِنيِ أِن نِعúبْدِ الأِصúنِامِ” سورة إبراهيم 35..
“ويوسف” عليه السلام يطلب من والديه دخول مصر مخبراٍ إياهم باستتباب الأمن بها قال تعالى (فِلِمِا دِخِلْواú عِلِى يْوسْفِ آوِى إلِيúه أِبِوِيúه وِقِالِ ادúخْلْواú مصúرِ إن شِاء اللهْ آمنينِ) يوسف:99 لأن الأمن أهم شيء ولما خاف “موسى” عليه وعلى جميع الأنبياء السلام أعلمه ربه بأنه من الآمنين ليهدأ من روعه وتسكن نفسه قال تعالى في محكم التنزيل (وأِنú أِلúق عِصِاكِ فِلِمِا رِآهِا تِهúتِزْ كِأِنِهِا جِانَ وِلِى مْدúبرٍا وِلِمú يْعِقبú يِا مْوسِى أِقúبلú وِلِا تِخِفú إنِكِ منِ الúآمنينِ) سورة القصص:31.
4- العبادات في الإسلام لا يتأتى القيام بها على الوجه الأكمل الا في ظل الأمن والأمان. (حِافظْواú عِلِى الصِلِوِات والصِلاِة الúوْسúطِى وِقْومْواú لله قِانتينِ فِإنú خفúتْمú فِرجِالاٍ أِوú رْكúبِانٍا فِإذِا أِمنتْمú فِاذúكْرْواú اللهِ كِمِا عِلِمِكْم مِا لِمú تِكْونْواú تِعúلِمْونِ) البقرة :238-239
وقال تعالى أيضاٍ (فِإذِا قِضِيúتْمْ الصِلاِةِ فِاذúكْرْواú اللهِ قيِامٍا وِقْعْودٍا وِعِلِى جْنْوبكْمú فِإذِا اطúمِأúنِنتْمú فِأِقيمْواú الصِلاِةِ إنِ الصِلاِةِ كِانِتú عِلِى الúمْؤúمنينِ كتِابٍا مِوúقْوتٍا) النساء: 103.
ومن شروط وجوب الحج الأمن
فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق آمناٍ فلا يجب عليه الحج قولاٍ واحداٍ قال تعالى في محكم التنزيل (فِإذِا أِمنتْمú فِمِن تِمِتِعِ بالúعْمúرِة إلى الúحِج فِمِا اسúتِيúسِرِ منِ الúهِدúي) البقرة:196.
ولما أخبر الله نبيه وحبيبه “محمد صلى الله عليه وسلم” بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعد ما صدهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن قال تعالى (لِقِدú صِدِقِ اللِهْ رِسْولِهْ الرْؤúيِا بالúحِق لِتِدúخْلْنِ الúمِسúجدِ الúحِرِامِ إن شِاء اللِهْ آمنينِ مْحِلقينِ رْؤْوسِكْمú وِمْقِصرينِ لِا تِخِافْونِ فِعِلمِ مِا لِمú تِعúلِمْوا فِجِعِلِ من دْون ذِلكِ فِتúحٍا قِريبٍا) سورة الفتح الآية :27.
وإن انتشار الدعوة الإسلامية ونجاحها يكون في وقت الأمن أكثر من غيره من الأوقات فانظروا رعاكم الله كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية وكان معه خمسمائة ألف من أصحابه فلما انعقد الصلح وكان من بنوده وقف الحرب بين المسلمين وكفار قريش مدة عشر سنوات دخل كثير من الناس في دين الله فبعد عامين وبضعة أشهر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة في عشرة آلاف من المسلمين.
5- ومما يدل على أهمية نعمة الأمن أن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم امتن على عباده بنعمة الأمن قال تعالى: ” أِوِلِمú نْمِكن لِهْمú حِرِمٍا آمنٍا يْجúبِى إلِيúه ثِمِرِاتْ كْل شِيúءُ ” القصص 57 وقال تعالى (أِوِلِمú يِرِوúا أِنِا جِعِلúنِا حِرِمٍا آمنٍا وِيْتِخِطِفْ النِاسْ منú حِوúلهمú أِفِبالúبِاطل يْؤúمنْونِ وِبنعúمِة اللِه يِكúفْرْونِ) العنكبوت:67.
وامتن الله على أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنعمة الأمن فقال سبحانه وتعالى: “(وِاذúكْرْواú إذú أِنتْمú قِليلَ مْسúتِضúعِفْونِ في الأِرúض تِخِافْونِ أِن يِتِخِطِفِكْمْ النِاسْ فِآوِاكْمú وِأِيِدِكْم بنِصúره وِرِزِقِكْم منِ الطِيبِات لِعِلِكْمú تِشúكْرْونِ) الأنفال:26.”
ومن الله على قوم”سبأ” بأنهم كانوا يسيرون في أسفارهم سالمين آمنين قال تعالى (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) سبأ: 18.
6- وجنة الله تعالى دار أمن وأمان فيقال لأصحاب الجنة (ادخلوها بسلام آمنين) الحجر:46 وأهل الجنة من أوصافهم كما قال الله تعالى: ” لاِ خِوúفَ عِلِيúهمú وِلاِ هْمú يِحúزِنْونِ” يونس 62. وقال تعالى (يِدúعْونِ فيهِا بكْل فِاكهِةُ آمنينِ) الدخان:55 .
7- ومما يدل على أهمية نعمة “الأمن” في السنة النبوية.
أ- عن عبدالله بن محصن الأنصاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم ” من أصبح منكم آمناٍ في سربه معافى في جده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” رواه الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6042) فبين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأن نعمة الأمن تشكل مع العافية والرزق الملك الحقيقي لكل الدنيا.
ب- وعندما يهل الهلال من كل شهر عربي يطالعه كل مسلم ومسلمة في السماء ويقول واحد منهم ( اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله) رواه أحمد عن طلحة بن عبيد الله , وقال مخرجوه حسن الشواهده ورواه الطبراني في الدعاء 903 وعبدالله حميد 103 والدرامي 1688 فالمسلمون جميعا كما يبحثون عن الإيمان يبحثون عن الأمن وكما يبحثون عن الإسلام يبحثون عن السلامة, وضد الأمن الخوف قال تعالى: “يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْواú ادúخْلْواú في السلúم كِآفِةٍ” البقرة 208 فعبر مولانا عنا عن الإسلام بالسلم ودعا المؤمنين للدخول فيه ومن أسماء الله تعالى “السلام” قال تعالى “الملك القدوس السلام” الحشر 23. ومن أسماء الجنة “السلام” قال تعالى “لِهْمú دِارْ السِلاِم عندِ رِبهمú ” الأنعام 127 وتحية المسلمين في الجنة “السلام” قال تعالى” وِتِحيِتْهْمú فيهِا سِلاِمَ ” الأحزاب 44 وتحية المسلمين في الدنيا وكذا في الآخرة “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
صلى الله عليه وسلم “والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله¿ قال من لا يأمن جاره بوائقه”.
بوائقه أي شروروه فرفع صلى الله عليه وسلم الإيمان أو كمال الإيمان عن المسلم الذي لا يأمن جاره أذاه سوءاته وشروره.
وحرم صلى الله عليه وسلم ترويع الآمنين بأي سبب من الأسباب حتى ولو على سبيل المزح والمداعبة ففي غزوة من الغزوات خفق أحد الصحابة على راحلته أي أخذته سنة من النوم فأراد أحد الصحابة أن يمازحه وكان معه كنانة فيها سهام فأخذ سهما من كنانته في هدوء وخفية ففزع الرجل من النوم ورأى رسول صلى الله عليه وسلم هذه الفزعة فقال: “لا يحل لرجل أن يروع مسلما” رواه أحمد في مسنده 23064 عبدالله الرحمن بن أبي ليلى بلفظ حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مخرجوا المسند إسناده صحيح ورواه أبو داود في سننه 6-5 وصححه الألباني.
فأنظر لهذا الترويع الخفيف الذي هدفه المزاح والمداعبة لا يحل أي يحرم عليك أن تفزع أخاك أي تقلقه من نومه ولو على سبيل المزاح.
بل إن الإسلام حرم ترويع غير المسلم الذي لم يحاربنا قال رسول صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم”. رواه الترمذي في الإيمان 2627 وقال حديث حسن صحيح رواه النسائي في الإيمان 4995 عن أبي هريرة.
وهو عند البخاري ومسلم بلفظ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه رواه البخاري في الإيمان 10 ومسلم في الإيمان 41 فانظروا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم”أمنه الناس”أي كل الناس مهما كان الدين أو الأصل أو اللوم وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث “ثوبان” مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من قتل صغيرا أو كبيرا أو أخرق نخلا أو قطع شجرة مثمرة لم يرجع كفافاٍ” رواه أحمد وفيه راوُ لم يسم وابن لهيعة وفيه ضعف فبين صلى الله عليه وسلم أن من ارتكب شيئا من هذه الأفعال لم يسلم من التعبة.

● رئيس بعثة الأزهر الشريف

قد يعجبك ايضا