بعض القوى المتصارعة تعمل على استغلال الدين للتركيع السياسي


الثورة / رضي القعود –
قال الكاتب والباحث أحمد مفضل المهدي : إن الدين هو محور حياة الشعوب العربية والإسلامية .. لكنها أقل الشعوب دراسةٍ للظاهرة الدينية أي (المعني العلمي المعاصر لعلم الأديان) والانطلاق من نظرة واضحة حول ماهية الدين وطبيعته لغرض رسم الخطوط العريضة للبساط النظري اللازم لتطبيق الشريعة في مجتمعات حرة تمهيداٍ للمصالحة التاريخية الجامعة بين الشريعة الحياة والحرية .
وأشار في محاضرة نظمها المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل تحت عنوان : ( السلطة_ وإشكالية استغلال الدين) الى أن الفلاسفة العلمانيين يميلون الى اختزال الدين في عناصر ثلاثة (العقيدة , العبادة , والسردية الكونية -أي القصة التي تفسر أصل الوجود ومغزى الحياة ومآل الإنسان ) وبعضهم لا يعتبر الأخلاق عنصراٍ جوهرياٍ من عناصر الدين أما التشريعات فهي خارجة عن نطاق الدين تماماٍ في تصورهم .

نظرية اختزالية
وأكد أن هذه النظرة الاختزالية لا تمثل سوى الحد الأدنى من الظاهرة الدينية وهي بالقطع لا تستوعب مكونات الدين الإسلامي التي تتمثل مع العقيدة والعبادة والسردية الكونية أخلاقاٍ وشرائع وقيم اجتماعية وسياسية واقتصادية .. لافتا الى أن السر في هذه النظرة الاختزالية للدين لدى العلمانيين في مجتمعاتنا هو الاستئثار لبعض المدارس الفلسفية الغربية في هذا المضمار والحال أن الدين لم يكن قط محور التاريخ الاوربي بل ظل دائماٍ على ضفافه .. أما لدى شعوبنا العربية فالدين كان ولا يزال محور الحياة واكسجينها الذي تتنفسه وأصل بقاءها المعطاء ولا يستطيع أحد أن يبقى في معزل عن هذه المكونات الأصل للدين عقيدة وشريعة وأخلاق وقيم ومبادئ وتعامل ونفع للآخر كل ذلك تحت مضمون الرحمة للعالمين.. كما لا يوجد عندنا صراع مثل الذي حصل بين دعاة التنوير ورجال الكنيسة حيث كانت الكنيسة مهيمنة على المجال الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وكل شؤون الحياة فبدأت دعوات الإصلاح الديني لتحرير الدين والمتدينين من سطوة واستغلال رجال الكنيسة وان تكون علاقتهم بالله دون وصاية رجال الكنيسة وحلفائهم من الإقطاعيين .. وهذه الأفكار التي شهدها الغرب على مدى قرون ونتجت عنها صراعات فكرية ودموية مروعة فأنجبت الدولة القومية التي تبنت فصل الدين عن الدولة كما هو معروف وذلك خروجاٍ من الصراع الدامي ووضع حد لإراقة الدماء.

هيمنة واستغلال
وقال أحمد مفضل : لقد بدأت مؤخراٍ كتابات تحاول قسراٍ السعى للهيمنة على السياسة وشؤون الحياة باسم الدين وهذا نجده ظهر مؤخراٍ في خلط للأوراق واستغلال الدين للتركيع السياسي وفرض ولاء الطاعة والوصول الى السيطرة على السلطة والثروة وإعطاء عمراٍ طويلاٍ لتلك السيطرة بحجة التمكين السماوي وأيضاٍ للتخلص من الآخر (المعارض).
ومن هنا يلزم القول إنه لابد من عدم الفصل بين الدين والسياسة ولكن يجب التفريق بين ما هو ديني وماهو سياسي كون الدين نصاٍ مقدساٍ معصوماٍ من الخطأ والسياسة عملاٍ بشرياٍ اجتهادياٍ غير معصوم ولا مقدس التفريق بين ما هو ديني معصوم سماوي منزه وبين ما هو عمل بشري أرضي بحت قائم على المصالح والمفاسد ومن يخلط بينها يضر فهمه ويغالط نفسه ويتلاعب على نفسه بنصوص الدين لأن ضرورة التمييز بين القضايا السياسية والعقدية فالأمور السياسية محدودة وليس هناك نصاٍ (قرآن أو سنة) على كل حادثة من حوادث السياسة المتجددة والمتلاحقة والمختلفة بحسب ظروف الزمان والمكان والحال ولكن هناك رأياٍ وعقلاٍ ومصلحة ومشورة واجتهاداٍ يؤخِذ كل ذلك من المبادئ الكلية العامة لكي تتحقق المصالح المشروعة للناس وبالتالي أقصى ما نقوله حول ما تخرج به هذه الأمور السياسية هو صواب هذه السياسة من خطأها وليس داخله في إيمان وكفر .لأن مسألة السياسة والحكم أصبح ثوباٍ فضفاضاٍ يدخل فيه من شاء من المؤهلين وأهل الشأن للوصول الى ما ينفع الناس ويحقق مصالحهم .
ولفت الى مسألة مهمة وهي .. لماذا يصر البعض على استخدام الدين واستغلاله في المآرب السياسية .¿ موضحا أن ذلك يرجع الى أهمية الدين والتدين للإنسان وارتباط العبد بربه وعلاقته بالله قائمة على الدين والتدين والإنسان المتدين يقوم بممارسة الشعائر الدينية بحب وشوق وشغف ورغبة وطوعية تامة وجهد متقن وبذل بقناعة ورضى دون تذمر أو تسخط أو تضجر أو اعتراض وأحياناٍ بلا نقاش لأنه ينتظر الأجر من الله ويبتغي بتلك القْربة قربه من الله تعالى وبلوغ رضوانه وهنا سر الفرق بين ما يؤديه العبد على انه طاعة وعبادة لله الخالق الكريم الرحيم وبين ما هو أمر عاد وطبيعي والعبد مخير به بين الفعل والترك على السواء , فعندما تدرج الأمور السياسية والإمامة والحكم ضمن الأمور التعبدية والعقائدية أي من الصلات الثابتة التي علاقتها بالسماء سيؤديها العبد على انها عبادة وأمر إلهي وسيمارسها على أنها قْربة وطاعة كالصلاة والصيام والتسبيح ويموت من أجلها ويِقتثل من أجلها ويْقúتِلú من أجلها وربما سيجرم ويعربد وهو بكامل طاقته الذهنية مقتنع بأن ما يقوم به هو عين الصلاة والعبادة .. ومن هنا يتم تعميم الولاءات الجوفاء وبصمة الطاعة العمياء .. وبالتالي ستحضر الأفكار المتعبة جداٍ .. فمثلاٍ سنلاحظ ظهور الفكر الانتحاري والذي هو نتيجة طبيعية للتفكير التكفيري ويتبعه التفجير والانتحار وهذا هو التحول الطبيعي .

توفير للوقت والمال
وتابع حديثه قائلا : إن الصراعات السياسية تسعى لاستخدام الدين لكي تؤبد الصراع والعنف وتمدده على أوسع نطاق وأكبر خارطة وبه تحقق ما لا تحققه بغيره إطلاقاٍ وكل ذلك للتوسع السياسي والسيطرة على السلطة والثروة والدين من كل ذلك براء.
ثم إن مجرمي السياسة ممن يستغلون الدين يجدونه سهلاٍ للاستقطاب و التجييش خصوصاٍ في البلدان المتدينة والشعوب المحافظة والملتزمة دينياٍ علم جيداٍ أن الناس هنا سيأتون طواعيةٍ للحفاظ على دينهXم والدفاع عنه طوعاٍ ويضحون ويدفعون من جيوبهم ويشاركون في نصرة دينهم حسب زعمهم ..! وبهذا يكون السياسي قد وفر الوقت والمال والجهد وحقق مآربه في وقت سريع وكلفة بسيطة وبهذا تتأبد هذه الأزمة المركبة والتي تتفرخ منها بقية الأزمات .

قد يعجبك ايضا