حصبة مروعة وشلل فيروسي متربص


جدير باليمن أن تتصدى لمرضي الحصبة والحصبة الألمانية بعنفوانهما المسبب للعديد من الاعتلالات الخطيرة للصحة مع أشكال ومستويات مختلفة من حالات الإعاقة الدائمة مدى الحياة.
كل ما يتطلبه الأمر عمل دؤوب لرفع وتيرة تحصين الطفولة ضد هذين المرضين وتقليص حدوث الإصابة بهما إلى أدنى المستويات مع تحصين مستمر ضد فيروس شلل الأطفال تبدو فيه ضرورة ملحة لمنعه من العودة إلى اليمن مجدداٍ وصولاٍ إلى مرحلة استئصال الفيروس من العالم بأسره.
من هنا تتجلى أهمية تنفيذ حملة وطنية للتحصين ضد أمراض الحصبة والحصبة الألمانية وشلل الأطفال تشمل كافة محافظات الجمهورية ليست من منزلُ إلى منزل كالمعتاد وإنما تعتمد على المرافق الصحية والمدارس ويساندها في الميدان فرق تطعيم متنقلة تتخذ مواقع مؤقتة ومستحدثة لتستهدف بلقاح الحصبة والحصبة الألمانية العضلي جميع الأطفال والمراهقين من عمر(9أشهر-15سنة) وبلقاح شلل الأطفال الفموي سائر الأطفال دون سن الخامسة وهو ما يْشرع القيام به لتدخل حملة التحصين ضد هذه الأمراض الثلاثة حيز التنفيذ في الفترة (9-18نوفمبر 2014م) والتي يشكل استئصالها أولوية أساسية على المستويين المحلي والعالمي.
لا شك أن اليمن يلزمه للبقاء – دائماٍ- خالياٍ تماماٍ من فيروس شلل الأطفال المضي في تحصين الطفولة عبر حملات التطعيم وتنشيط وتوسعة أنشطة التحصين الروتيني المعتاد ضد أمراض الطفولة القاتلة والتي من بينها شلل الأطفال ومرضى الحصبة والحصبة الألمانية وهي أنشطة مستمرة تقدمها المرافق الصحية على الدوام لجميع الأطفال دون العام والنصف من العمر.
فلابد من تفهم حقيقة الوضع الوبائي لفيروس شلل الأطفال في إقليم شرق البحر المتوسط كحاله في سوريا والعراق إلى جانب ما درج عليه الفيروس – حتى الآن- من حالة تمددُ وانتشار داخل القرن الأفريقي وخصوصاٍ في الصومال الشقيق ثم إنه لا يزال يستوطن بلدان أخرى مثل (باكستان أفغانستان) وقد تبدوان بعيدتان عنا جغرافياٍ لكن فيروس الشلل لا تعيقه المسافات طالما تسنت وواتت له الظروف الملائمة في التمدد والانتشار.
وبالمناسبة ليست سوريا الغارقة في الحرب بعيدة عن المشهد إذ وفد إليها الفيروس- بعد غيابُ دام سنواتُ طويلة- قادماٍ من باكستان وهو ما أكدته – بالطبع- نتائج التحاليل الطبية الجينية للعينات المأخوذة من أطفال سوريا المصابين بفيروس الشلل وهذا يعني أن اليمن إذا لم تواصل تحصين جميع أطفالها دون سن الخامسة ضد فيروس شلل الأطفال فلن تكون آمنة ولا بمعزلُ عن عودة هذا الفيروس المروع لاسيما من الجوار الأفريقي حيث لا يزال بعض مواطنيه من الصومال وأثيوبيا يوغلون في التسلل إلى عمق الأراضي اليمنية بشكلُ غير رسميُº يجعلهم – إلى حدُ كبير- بعيدين عن الإجراءات الصحية وحملات التحصين المصغرة ضد فيروس شلل الأطفال التي تشمل كافة اللاجئين- عموماٍ- القادمين من هناك على اختلاف أعمارهم وكذلك المقيمين في المخيماتº ضمن مساعُ حثيثة ترمي إلى منع عودة فيروس الشلل والحيلولة دون وقوع إصابات جديدة في اليمن إذ يفترض ببعض اللاجئين أنهم – ربما- يحملون عدوى الإصابة طالما أنهم قدموا من بلدانُ موبوءة بالفيروس.
بيد أنه لا يكتمل أسس وبنيان هذا الإجراء الصحي الاحترازي بمعزلُ عن تحصين جميع المستهدفين باللقاح دون تخلف الآباء والأمهات عن تحصينهم تحت أي مبرر.
فيما يبدو مرضى الحصبة والحصبة الألمانية على المحك فهما مستهدفان بالتطعيم في حملة التحصين الوطنية – كما ذكرت سلفاٍ- لكونهما يتميزان بسرعة العدوى وشدة وفداحة المضاعفات وبقدرتهما الكبيرة على الانتشار والانتقال عبر استنشاق الرذاذ المتطاير في الهواء المنبعث من فم أو أنف المصاب بأي من المرضين أو عند استعمال بعض المتعلقات الشخصية للمريض كالمنديل أو المنشفة وكافة الأشياء التي يقع عليها شيء من إفرازات أنفه أو لعابه.
إن واقع الحال مع مرضي الحصبة والحصبة الألمانية بعنفوانهما ليِضعانا أمام معترك جديد يلزمه حرص وعمل دءوب نحو رفع وتيرة تحصين الطفولة ضد هذين المرضين في سائر أنحاء اليمن الحبيب فلا تزال نسبة حدوث مرض الحصبة والحصبة الألمانية في اليمن من النسب المرتفعة- وفقاٍ لنتائج الترصد الوبائي على المستوى الوطني ومعايير منظمة الصحة العالمية- حيث بلغت نسبة حدوث الحصبة (26,8) حالة إصابة لكل مليون نسمة بينما نسبة حدوث الحصبة الألمانية وصلت إلى(50,5) حالة لكل مليون نسمة وبذلك تم تسجيل (679) حالة إصابة بالحصبة محلياٍ خلال العام 2014م وقد سجلت أكبر نسبة حدوث لهذه الإصابات في محافظات(صعدة عمران صنعاء الجوف حجة).
قابله في هذا الاتجاه وصول عدد حالات الحصبة الألمانية المسجلة هذا العام إلى (1277) حالة إصابة في عموم محافظات الجمهورية.
وبينما تصنف الحصبة الألمانية أبرز مسببات حالات العمى والصمم لدى من يولدون لأمهات أصبن خلال الحمل بهذا المرض فقد ثبت- أيضاٍ – أنه قد يقود بالطفل المولود لأمُ أصْيبت أثناء حمله إلى المعاناة من عيوب في القلب أو غيرها من حالات الإعاقة التي تلازمه طوال حياته كمرض (التوحد) وداء السكري واعتلالات الغدة الدرقية وهي أمراض يلزم العديد منها علاج مكلف وعمليات جراحية ورعاية تنطوي على الكثير من الكلفة والأعباء.
في حين أن مرض الحصبة شبيه بالحصبة الألمانية لكنه أشد ضراوة وحدة ٍمن نظيره ويعد ضمن أبرز مسببات الإعاقة البصرية أو السمعية للأطفال المصابين بل والأكثر فتكاٍ وحصداٍ لأرواح الأطفال بشكلُ فاق فيه سائر أمراض الطفولة القاتلة التي يمكن توقيها بالتحصين.
وبهذا تتجلى أهمية الحملة الوطنية للتحصين ضد أمراض الحصبة والحصبة الألمانية وشلل الأطفال المزمع تنفيذها في الفترة من(9-18 نوفمبر2014م) والتي تستهدف بلقاح الحصبة والحصبة الألمانية العضلي كافة الأطفال والمراهقين من عمر(9أشهر- 15عاماٍ) بمن فيهم جميع من طعموا ضد الحصبة سابقاٍ وحتى الذين أصيبوا بها من قبل. فيما يمنع إعطاء هذا اللقاح للحوامل والأطفال دون التسعة أشهر من العمر.
كما تستهدف حملة التحصين الوطنية بلقاح شلل الأطفال الفموي جميع من لم يتجاوزوا بعد سن الخامسة.
ولن تكون هذه الحملة من منزلُ إلى منزلُ وإنما سيكون التطعيم فيها من خلال المرافق الصحية والمدارس تساندها في الميدان فرق تطعيم متنقلة تتخذ مواقع كثيرة مؤقتة ومستحدثة في نسقُ تكاملي يحقق الهدف الأسمى وهو التغطية الشاملة بالتطعيم لكامل المستهدفين ونزع فتيل تداعيات مشكلة الحصبة والحصبة الألمانية وكبح خطرهما مع الحفاظ على بقاء اليمن وبيئتها نظيفةٍ وخاليةٍ من فيروس شلل الأطفال والنأي بالطفولة من خطر هذا الداء المروع – إن وفد إلى البلاد وعاود الظهور فيها مجدداٍ لا قدر الله.
ومن بابُ أولى لوضع القارئ على مواعيد التحصين الروتيني المعتاد للأطفال ضد مرضي الحصبة والحصبة الألمانية والذي تقدمه المرفق الصحية على الدوام في سائر المحافظات فإن موعد الجرعة الأولى ضمن هذه المنظومة الروتينية تبدأ في الشهر التاسع من عمرهم (أي في موعد جلسة التحصين الروتينية الخامسة بالمرفق الصحي) وفيها يتم إعطاء الطفل الجرعة الأولى من اللقاح الثنائي(المزدوج)الجديد المضاد للحصبة والحصبة الألمانية وجرعة تنشيطية من لقاح شلل الأطفال بمعية جرعة من فيتامين» أ « الداعم والمقوي مناعة الأطفال ضد الكثير من الأمراض المعدية تليها بعد ذلك في عمر عام ونصف الجرعة الثانية من لقاح الحصبة والحصبة الألمانية مع جرعة تنشيطية من لقاح الشلل وجرعة أخرى من فيتامين « أ «.
فبالصحة يطيب العيش وتزول الكثير من أسباب تردي الأحوال الصحية في المجتمع وتحسينها كيفاٍ وكماٍ ونوعاٍ أبرز التحديات التي يلزمها خطوات حثيثة وجدية من قبل قيادة وزارة الصحة للسير قدماٍ نحو الحداثة والتحديث والتنمية الصحية.

* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان

قد يعجبك ايضا