أكثر من 25 ألف حالة انتهاك:تحريض وقمع وتعتيم وإبادة للفلسطينيين حتى في الفضاء الرقمي!

 

ترافقت حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزّة مع تشديد القبضة الإسرائيلية على الفضاء الرقمي، عبر تقييد وصول الفلسطينيين إلى الإنترنت وخدمات التواصل من جهة، وقمع المحتوى الفلسطيني من جهة أخرى، في ظل تواطؤ من شركات التواصل الاجتماعي، التي سجّلت 25 ألف حالة انتهاك للمحتوى الرقمي الفلسطيني في العام 2024، بحسب ما وثقه مركز صدى سوشال.
وفي تقرير المؤشر الرقمي السنوي الذي صدر مؤخراً بعنوان “الإبادة بالرقمنة.. التجسس من الرقاقة حتى قطع الإنترنت”، بيّن مركز صدى سوشال كيف تحوّل الإنترنت من “فضاء مفتوح للتعبير والتفاعل الحر” إلى “ساحة للاستهداف والملاحقة والقمع المنهجي”، و”أداة قمع إضافية تستخدم لترهيب الفلسطينيين وإسكات أصواتهم”.
ولفت إلى أن الفلسطينيين “باتوا ضحايا مستهدفين في الفضاء الرقمي”، و”عرضة لحملات تحريض ممنهجة وملاحقات مكثفة”، مع “السماح بانتشار خطاب الكراهية ونزع الإنسانية عنهم”، منبهاً إلى أن الإقصاء الرقمي لم يعد أثره محصوراً في العالم الافتراضي، بل بات يترجم إقصاءً في الواقع الحقيقي.

قمع المحتوى الفلسطيني
رصد “صدى سوشال” 25 ألف حالة انتهاك ضدّ المحتوى الفلسطيني خلال العام 2024 على المنصات الرقمية المختلفة. سُجّلت أكثر من نصف هذه الانتهاكات على “إنستغرام” و”فيسبوك”، المملوكين لشركة ميتا الأمريكية، بنسبة بلغت 31 % و24 % على التوالي. كذلك، كانت “تيك توك”، المملوكة لشركة بايتدانس الصينية، مسؤولة عن 27 % من هذه الانتهاكات، تبعها “إكس” بنسبة 12 %، و”يوتيوب” بنسبة 5 %، إضافةً إلى منصة ساونكلاود الموسيقية بنسبة لم تتجاوز 1 %.
ولفت التقرير إلى أن منصات ميتا تعتمد أسلوب “الحظر الخفي” (Shadowban) مع المحتوى الفلسطيني عموماً، ومع الصفحات الإخبارية الفلسطينية خصوصاً، مشيراً إلى أن “صدى سوشال” تلقى شكاوى عديدة تتعلق بخفض الظهور وتقليص الوصول إلى الجمهور بشكل حاد، مبيناً أن هذا الأسلوب يتيح للشركة الأمريكية تجنب الانتقادات العلنية.
في الوقت نفسه، تشارك “ميتا” مع غيرها من شركات التواصل الاجتماعي في “حرب رقمية لإخفاء الأدلة” على الجرائم الإسرائيلية في غزة، إلى حدٍ صارت معه الرقابة الرقمية “أداة مكملة للعدوان العسكري”، بحسب “صدى سوشال”.
ووثّق المركز عدة محاولات لحجب جرائم الإبادة الجماعية في القطاع، كانت إحداها حذف صور ومقاطع توثق “محرقة الخيام” التي ارتكبها الاحتلال في 26 مايو 2024 ضدّ النازحين في رفح. خلال يوم واحد، وتلقى المركز أكثر من 130 شكوى من مستخدمين وثقوا حذف منشوراتهم التي تضمنت مشاهد الجريمة. وهو أمر تكرر لاحقاً بعد ارتكاب مجزرة النصيرات في 8 يونيو 2024، مع رصد 86 شكوى تتعلق بحذف محتوى يوثق المجزرة.

التحريض الرقمي
رصد التقرير أكثر من 87 ألف منشور تحريضي إسرائيلي ضدّ الفلسطينيين ومناصري القضية الفلسطينية خلال العام 2024م. ولم يقتصر التحريض على العامة، بل صدر عن مسؤولين حكوميين في دولة الاحتلال مثل بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
وبرزت “تليغرام” و”إكس” بوصفهما من أكثر المنصات احتضاناً للمحتوى التحريضي ضد الفلسطينيين، بنسب بلغت 41 % و35 % على التوالي. فيما توزعت بقية المنشورات التحريضية على الشكل التالي: 18 % على منصات شركة ميتا، 18 على المواقع الإلكترونية المختلفة، و5 % على “يوتيوب”.
وكانت المحاور الرئيسية للمحتوى التحريضي ضد الفلسطينيين تتركز على منع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والدعوة لإعدام الأسرى الفلسطينيين، وكذلك التحريض على الإبادة الجماعية في الضفة الغربية. فيما تعرض مناصرو فلسطين حول العالم لحملات رقمية منظمة، تقوم على استخدام خطاب الكراهية والتحريض الجماعي ضد الناشطين والمؤثرين، عبر حسابات وهمية وحقيقية للتشهير بهم وتهديدهم.
ولفت “صدى سوشال” إلى أن التحريض الممنهج “ليس عشوائياً بل انعكاس للسياسات الرسمية لحكومة الاحتلال”، التي تسعى من خلال ذلك لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية على الأرض، مشيراً إلى أن الإسرائيليين “يستغلون الفضاء الرقمي لتبرير جرائمهم والترويج لمخططاتهم الاستيطانية”.
من خلال استطلاع للرأي، أجراه “صدى سوشال”، لمعرفة تجارب المستخدمين في فلسطين وخارجها مع نشر المحتوى الفلسطيني، تبيّن أن المنصة التي قيّدت أو حظرت محتوى مستخدميها بشكل أكبر هي “فيسبوك” بنسبة بلغة 68,4 %، تلتها “إنستغرام” بنسبة 65.8 %، ثم “تيك توك” بنسبة 36.2 %، وأخيراً “إكس” بنسبة 14.5 %. وقال المستطلعون إنهم تعرضوا لأنواع مختلفة من الانتهاكات. فأبلغ 42.1 % منهم عن أنهم منعوا من التفاعل مع المنشورات، وواجه 40.1 % إخفاء الحساب من البحث، وتعرض 33.6 % إلى تعطيل الحساب لفترة معينة، فيما وصلت نسبة من أبلغوا عن حذف حسابتهم بشكل كلي إلى 35.5 %. كما تنوعت الاتهامات التي تعرض المشاركون في الاستطلاع للانتهاك الرقمي بسببها، بين “العنف والتحريض” (64.5 %)، و”خطاب الكراهية” (52 %)، و”معاداة السامية” (24.3 %) و”تمجيد أشخاص مرتبطين بجماعات إرهابية” (42.1 %)، و”دعم الإرهاب” (38.2 %).
وبيّن الاستطلاع أن أبرز المواضيع التي شكلت سبباً لتقييد المحتوى الفلسطيني من قبل المنصات فهي المواضيع المتعلقة بالشهداء بنسبة 86.8 %، والأسرى الفلسطينيين بنسبة 45.4 %، والعدوان الإسرائيلي بنسبة 60.5 %، أما المواضيع التي تتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية فشكلت نسبة بلغت 53.3 %.

الصحافيون هدف أساسي
كان للصحافيين الفلسطينيين حصة كبيرة من الانتهاكات الرقمية الإسرائيلية بلغت 29 %، معظمها على هيئة حذف المنشورات وتقليل الوصول، وحذف الحساب بشكل كامل في بعض الأحيان.
وتلقى المركز أكثر من 1200 شكوى من صحافيين وصحافيات عن محاولات اختراق حساباتهم على منصات التواصل والمراسلة، خصوصاً “واتساب”. وواجه 7 من كل 10 صحافيين أكثر من نوع من الانتهاكات الرقمية مثل خطاب التحريض والكراهية وانتهاك المحتوى وانتهاك الأمن الرقمي. كما سجلت 34 حالة انتحال شخصية لصحافيين من قبل جهات مجهولة.

التعتيم الرقمي كأداة عسكرية
وذكّر التقرير باستهداف الاحتلال المتعمد للبنية التحتية الرقمية مع بدء حرب الإبادة على قطاع غزة، عبر قطع الإنترنت وشن هجمات إلكترونية متكررة لشلّ شبكات الاتصال.
ورصد المركز 16 حالة انقطاع كامل للإنترنت في قطاع غزة خلال العام 2024، إضافةً إلى حالة واحدة سجّلت في مخيم جنين، ولفت إلى أن الاحتلال حول قطع الإنترنت إلى “أداة ممنهجة لعزل الفلسطينيين وحرمانهم من الوصول إلى معلومات حيوية”.
كذلك، عطل الاحتلال خدمات جي بي إس في عدة مناطق، وقيّد المكالمات إلى قطاع غزة، كما عطل خدمات الـBulk SMS، مما عقد من وصول الفلسطينيين إلى حساباتهم على منصات التواصل. أدت هذه الممارسات مع قطع الإنترنت إلى تعطيل عمليات التواصل بين المدنيين وأعاق حركة فرق الإسعاف والإغاثة، وآخّر عمليات الإنقاذ. كما أثر على قدرة الصحافيين على نقل المعلومات.
ودعا “صدى سوشال” في ختام تقريره إلى بناء منصات مستقلة بخوارزميات غير منحازة ضد المحتوى الفلسطيني، والاستثمار في المهارات الرقمية محلياً وتوثيق الرواية الفلسطينية رقمياً عبر أدوات الذكاء الاصطناعي. وأكد على أن الفضاء الرقمي لم يعد هامشاً… بل تحول إلى ساحة صراع متقدمة تتقاطع فيها الخوارزميات مع السياسة.

قد يعجبك ايضا