«طحس» أمريكي! 

يكتبها اليوم / وديع العبسي

 

تزيد حادثة «طحس» الطائرة الأمريكية «إف 18» في البحر الأحمر من تراكم الهزائم الموجعة التي تعيشها البحرية الأمريكية منذ بدأت عدوانها الجديد على اليمن.

وتذهب قراءات الحدث بأكثر من لسان، إلى الكثير من التفاسير والتحليلات، وفي المحصلة تخلُص إلى حقيقة واحدة جعلت من كذبة «السوبر أمريكا» موضوعا للتندر. زاد الحديث البسيط في شكله والعميق في مدلوله من القناعة بأن أمريكا بالفعل ليست ذاك الكائن الخرافي الذي يمكنه بضغطة زناد أن يحيل العالم إلى خدم وحشم في بلاط واشنطن.

فالسقوط المدوي وإن كان مرجعه فنياً، إلا أنه لا يليق بمن تحاول فرض استمرار قطبيتها الواحدة، أو من تزعم قيادتها للعالم وصدارتها قائمة الدول، وتحكُّمها المطلق بمصائر الشعوب وخزائن الثروات، خصوصا وأنه يأتي مع احتدام معركة كسر العظم وتعطيل مصادر قوة الخصم، وفرض الإرادة في البحر الأحمر.

بطبيعة الحال لا يمكن التعاطي مع حادثة السقوط الأمريكي المخزي لطائرة تمثل إحدى مفاخر قوة البنتاجون، بمعزل عن الظروف المحيطة التي تسببت في هذا السقوط، لذلك رأينا كيف أن أمريكا وفي حرص على تحقيق «سبق» صحفي، بادرت للاعتراف بالسقوط قبل أن تذهب المؤسسات الإعلامية الدولية في تفسيرها له بكونه ناتجاً عن ضربة يمنية مباشرة، كما أن هذا السبق بطبيعته جاء كنتيجة حتمية لانعدام الخيار أمام الإدارة الأمريكية، بين التكتم كالعادة أو «السبق»، مكاشِفة به الشعب الأمريكي قبل أن يصله الخبر بشكل قد لا تُحمد نتائجه، فانتهى بها الأمر إلى «أخفّ الضررين»، مع ذلك فإنه حتى ارتجالها قد خانها، فكشفت عن تسبُب الهجمات اليمنية بالأمر.

وبالنظر إلى إسقاط طائرة أمريكية نهاية العام الماضي من نفس النوع في نفس المكان، فإن الأمر يعطي قناعة بأن كل الكوارث التي تتعرض لها الهيبة الأمريكية في المنطقة إنما تأتي على يد اليمن، بغض النظر إن كان الأمر مباشرا أو غير مباشر، ما يشكك في القدرة الأمريكية على البقاء في خَانَة القوة الأولى التي لا تُهزم.

أما الطائش ترامب الذي تشنج فأرعد وأزبد وثارت لدية الحميّة على الكيان الصغير المدلل في الأراضي المحتلة وقرر القتال دفاعا عنه، فكان عليه أن يتوارى نهائيا من سوء ما بُشِّر به، لربما حينها يُحسب له، رفضه هذا المآل المخزي، الذي فعلا يراكم حالة التآكل للهالة الأمريكية.

ثم في أبسط الأحوال، وفي الدولة التي تزعم قيادتها للعمل الديمقراطي وحرية الموقف، كان يفترض بالناخبين الأمريكيين أو المؤسسات داخل الدولة، المطالبة بالتحقيق في هذا الأمر. فتراكم الفشل أصبح أمراً لافتاً، ويزيد من عُقدة أمريكا في اليمن، مع تزايد الكلفة، والاستمرار في هذه المغامرة، هو ضربا من الانتحار.

تكرار الهزائم الأمريكية في اليمن، ابتداء من العجز عن تحقيق أي هدف استراتيجي لجهة استهداف قيادات أو تدمير قدرات عسكرية، مرورا بتتابع ضرب حاملات الطائرات وفراراها، وتساقط طائرات التجسس «ام كيو 9»، فضلا عن العجز في رد الضربات اليمنية من الوصول إلى عمق كيان الاحتلال الإسرائيلي وفرض استمرار حالة الحصار البحري عليه، والتأثير في وضع الملاحة الجوية الإسرائيلية، وتهديد وإرباك حياة المستوطنين، وصولا إلى تصاعد الهجمات اليمنية، وسقوط الطائرة، كلها مظاهر إدانة تؤهل لأن يضع الأمريكيين، ترامب وباقي عصابته في قفص المساءلة لإهداره سمعة البلد، وأسلحته الاستراتيجية، وإرهاقه خزينة الدولة.

أنْ «تطحس» مقاتلة أمريكية قيمتها (67) مليون دولار من على مركبة بحرية صُممت أصلا لحملها إلى جانب سلسلة من الطائرات، لا شك بأنها واحدة من مظاهر اللعنة التي بدأت تلاحق الأمريكان منذ شرعنت للمحتل الإسرائيلي قتل الفلسطينيين في غزة بالقنابل أو بالتجويع والتعطيش ومنع الدواء عنهم، والغد يحمل المفاجآت.

 

 

قد يعجبك ايضا