من مقاصد العيد

الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه ومن والاه , والتابعين لهداه إلى يوم أن نلقى الله رب العالمين.. أما بعد
فإن شريعة الإسلام ما جاءت بشيء إلا وفيه تحقيق لمصلحة البلاد والعباد في المعاش والمعاد والله – تعالى غني عن العاملين , والإنسان هو المحتاج إلى التشريع , لأن الله تعالى لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية , إنما الذي تنفعه الطاعات وتضره المعاصي هو الإنسان نفسه قال تعالى “من عمل صالحاٍ فلنفسه ومن أساء فعليها وماربك بظلام للعبيد” سورة فصلت آية رقم {46} وقال تعالى “قل يأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل ” سورة يونس آية رقم {108} وإن من نعم الله تعالى أن شرع لنا أنواعاٍ من الفرح فالمسالم يفرح بنعمة الإسلام ويفرح بالقرآن وبالله ورسوله قال تعالى “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرْ مما يجمعون” سورة يونس آية رقم {58} كما يفرح المسلم بنصر الله للمؤمنين في أي مكان في الأرض قال تعالى “…. ويومئذُ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم” سورة الروم آيتان رقم {4,5} كما يفرح المسلم بالخير للناس لأنه يحمل في قلبه هموم أمته ويسعى إلى تحقيق الخير لها قدر استطاعته . كذلك يفرح المسلم إذا وفقه الله إلى طاعته , لأن طبيعته أن الطاعة تسره , والمعصية تحزنه وتسيئه , ففي الحديث : إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن والله تعالى يقول في خطابه للمؤمنين : ” ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولائك هم الراشدون{7} فضلاٍ من الله ونعمة والله عليم حكيم” سورة الحجرات آية {7,8} وإن من الطاعات التي شرعها الله تعالى (عيدالفطر وعيد الأضحى) وقد شرعهما الله تعالى لحكم ومقاصد متعددة منها ما يلي :
1- أن يتعلم المسلمون من العبادات الوحدة والتواصل والتماسك فحرص الإسلام على تلاقي المسلمين وتجميعهم في ترتيب تصاعديُ ورائع.
أ- فهم يجتمعون في المسجد في الصلوات الخمس يومياٍ يقفون أمام ربهم الواحد الغني بجوار الفقير , والقوي بجانب الضعيف , والمرؤوس بجانب رئيسه في أجمل مظهر من مظاهر المساواة
ب- ثم يجتمعون بصورة أكبر في صلاة الجمعة ليسمعوا بياناٍ يجمع صفهم , ويوحد كلمتهم
ت- ثم يجتمعون بصورة أكبر في صلاة العيدين حيث يخرج للصلاة الكبار والصغار والرجال والنساء ليشهد الجميع الخير ودعوة المؤمنين وليشاهدوا روعة التلاقي بين المسلمين
ث- ثم يجتمعون بصورة أكبر يوم الحج الأكبر من جميع أنحاء الأرض فيلتقي المسلمون على اختلاف أوطانهم وأجناسهم ولغاتهم , لعلهم يتخذون من هذا المشهد المهيب منطلقاٍ لوحدة حقيقية تتحقق بها قوة المسلمين وعزتهم ” ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” سورة المنافقون آية رقم {8}
2- كما أن العيد يعد فرصة رائعة للإصلاح بين الناس على كافة المستويات الأفراد والأسر والمجتمعات قال تعالى ” فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ” سورة الأنفال آية رقم {1}
3- وما أحوج المسلمين أن ينتهزوا هذه المناسبة ويعملوا على إحياء القيم السبعة التي دعا إليها الدكتور أسامة الأزهري مدير مكتب رسالة الأزهر وهي : (المصالحة , المصارحة , المسامحة , المصافحة , المناصحة , المناصرة , المصابرة)
4- ولكي تعم الفرحة لابد من التوسعة على الأهل والأولاد الفقراء في يوم العيد
5- ومن أهم الواجبات في يوم العيد صلة الأرحام قال تعالى ” والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب” سورة الرعد آية {21} وقد قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يارسول الله: إن لي أقارب أصلهم ويقطعونني , وأعطيهم ويحرمونني , وأحسن إليهم ويسيئون إلي . قال له : لايزال لك من الله ظهيرَ عليهم ومادْمت على ذلك فكأنما تسفهم المل ” أي التراب . فالمسلم الذي يخشى ربه , ويخاف سوء الحساب يقابل / الذنب بالمغفرة , القطيعة بالصلة , والإيذاء بالصفح , والأعداء بالعفو , والحرمات بالعطاء . ابتغاء مرضات الله والدار الآخرة. ومن عظمة الإسلام أن مفهوم الأرحام لايقتصر على الأهل والعشيرة والأقربين أو الأبعدين بل إن هناك رحما كبرى بين الناس جميعاٍ على اختلاف عقائدهم وألسنتهم وألوانهم . هذه الرحم هي / أن القرآن يعتبر البشرية كلها أسرة واحدة أبوها آدم وأمها حواء وهذا مايدل عليه قول الله تعالى ” يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسُ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاٍ كثيراٍ ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباٍ ” سورة النساء آية رقم {1} ورحم الله الدكتور مصطفى محمود. كان يرى أن مفهوم الرحم يتسع ليشمل كل المخلوقات البشر وغير البشر وإنها رحم الأرض التي خلقنا منها جميعاٍ ونعود إليها جميعاٍ بعد الموت الإنسان والأنعام وسائر الأحياء . قال تعالى ” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ” سورة طه آية رقم {55}
6- الطاعة نستفيد ذلك من طاعة الخليل عليه السلام لربه حين أمره أن يذبح ولده الوحيد في هذا الوقت “إسماعيل عليه السلام” عن طريق رؤيا منامية ورؤيا الأنبياء وحي فاستسلم لأمر ربه , كما استسلم الابن طاعةٍ لربه وطاعة لوالده .
إن الإسلام يأمرنا بطاعات متعددة يوم أن يلتزم المسلمون بها فهي أساس تحقيق الأمن والاستقرار تتمثل هذه الطاعات في طاعة الله , وطاعة رسوله . وطاعة أولي الأمر , وطاعة الوالدين , وطاعة المعلم , وطاعة القائد , وطاعة المرأة لزوجها لذلك كان شعار المؤمنين “سمعنا وأطعنا” ولأن الإسلام منهج رباني يحقق سعادة الدنيا والآخرة فإن المسلمين كما يفرحون في الدنيا بطاعة ربهم يفرحون في الآخرة بلقاء ربهم ويقال لهم : ” هذا يومكم الذي كنتم توعدون” سورة الأنبياء آية رقم {103} ألا ما أعظم أن يتوحد المسلمون على كتاب ربهم حبل الله المتين يتفقون على ثوابت هذا الدين , ويعذر بعضهم بعضاٍ فيما اختلفوا فيه من المتغيرات فتلك طبيعة الأمور. وحتماٍ وأذكر بقول الله تعالى “إن هذه أمتكم أمةٍ واحدة وأنا ربكم فاعبدون” سورة الأنبياء آية رقم {92}
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل

قد يعجبك ايضا