تهجير أبناء غزة.. دعوة أمريكية مارقة وفاشلة

عبدالحكيم عامر

في مشهد يعكس العقلية الاستعمارية القديمة بثوبها الحديث، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعوةً صادمة لتهجير أبناء غزة إلى خارج فلسطين، متجاوزًا بذلك كل المواثيق والأعراف الدولية التي تُقر بحق الشعوب في أوطانها، هذه الدعوة ليست مجرد طرح سياسي، بل هي امتداد للفكر العنصري الإلغائي الذي يهدد الإنسانية في صميم قيمها، وفي مقدمتها الحق في الأرض والانتماء.
ما طرحه ترامب ليس جديدًا، بل هو محاولة متجددة لإعادة إنتاج تجربة الاستعمار الاستيطاني الذي تأسست عليه الولايات المتحدة ذاتها، حين أباد المستعمرون السكان الأصليين وأحلّوا محلهم المستوطنين، واليوم، يُحاول تمرير النموذج نفسه في فلسطين، بإبادةٍ ناعمةٍ تهدف إلى اقتلاع شعبها من أرضه وإعادة توزيعه بما يخدم المشروع الصهيوني، غير أن فلسطين، وعلى رأسها غزة، أثبتت أنها ليست لقمة سائغة، وأن مقاومة أهلها قد تجاوزت كل التوقعات، فشلت أمامها آلة الحرب الصهيونية المدعومة أمريكيًا وغربيًا.
إنّ ما لم ينجح العدو في تحقيقه بالقوة العسكرية المباشرة، يسعى لتحقيقه بأساليب أخرى، مستغلًا الوضع الإنساني الصعب في غزة ليصور التهجير وكأنه “خيار إنساني” يوفر لأهلها حياة أفضل، لكن هذا الطرح لا ينطلي على أحد، فالشعب الفلسطيني واعٍ لطبيعة هذا المخطط، ويدرك أنه ليس سوى وسيلة لشرعنة الاحتلال والاستيلاء الكامل على الأرض.
تاريخيًا، لم يسبق أن نجح مشروع اقتلاع شعبٍ من أرضه ما دام هناك إرادةٌ تقاوم، والفلسطينيون – الذين أفشلوا مشاريع الإبادة الجماعية المتكررة – قادرون على إفشال هذا المشروع أيضًا، وما شهدته الحرب الأخيرة من صمود أسطوري في غزة، يؤكد أن محاولات التهجير لن تكون إلا حلقة جديدة من حلقات الفشل الأمريكي الصهيوني في فرض معادلات جديدة على الأرض.
إنّ هذه الدعوة لا تشكل خطرًا على فلسطين فحسب، بل هي ناقوس خطر يدق في وجه كل الدول العربية والإسلامية، فإذا نجح المخطط في غزة، فلن يكون بعيدًا اليوم الذي يُفرض فيه التهجير على أهالي الضفة الغربية، ثم عرب الداخل المحتل، وصولًا إلى حلم “إسرائيل الكبرى” الذي لطالما كان هدفًا استراتيجيًا للمشروع الصهيوني.
وعلى الدول العربية والإسلامية أن تدرك أن الأمر لا يتعلق بغزة وحدها، بل هو مقدمةٌ لإعادة رسم خارطة المنطقة برمتها وفق الأجندة الصهيو-أمريكية، والمطلوب اليوم ليس مجرد بيانات الشجب والاستنكار، بل تحرك عملي سياسي ودبلوماسي وعسكري يضع حدًا لهذه المخططات، قبل أن تجد المنطقة نفسها في مواجهة كوارث جيوسياسية لا يمكن تداركها.
ستبقى غزة لأهلها، وفلسطين لشعبها، مهما حاولت قوى الهيمنة فرض واقعٍ جديد بالقوة أو بالمؤامرات، فقد أثبت التاريخ أنّ أصحاب الأرض هم من يكتبون الفصل الأخير في المعركة، لا الغزاة والمستعمرون، وسيسقط مشروع التهجير كما سقطت مشاريع تصفية القضية الفلسطينية من قبل، وسينكسر الحلم الصهيو-أمريكي على صخرة الإرادة الفلسطينية التي لم تعرف الهزيمة يومًا.

قد يعجبك ايضا