لسـت وحـدي !!

كأن الشمس كانت مهتمة فقط بإرسال أشعتها الى حيث يقف لكنه ظل مبتسما وعلى ملامحه علامات الرضى وتجاهل درجة الحرارة العالية في مدينته عدن وهو لم يظهر عليه من الموجودين بالقرب منه والذين كانت وجوههم تحمل تذمرا من ارتفاع درجة الحرارة والظمأ في نهار رمضان .
عرفت أن هاني فضل علي يعمل هنا وهذا سر حمله لإحساس يمكن رؤيته في وجهه بوضوح ولديه نقطة اختلاف عن بقية العاملين في مشفى الأمل لعلاج السرطان ” حديث الإنشاء ” فعمله طوعي تضامنا مع المرضى الذين يضيق بهم الحال ويأتو إلي هنا للحصول على العلاج المجاني والرعاية الأولية في المبنى الذي لم يكتمل بعد .
لأن وقتا طويلا مضى منذ وجدت شخصا ما يعمل فقد حاولت العثور على هدف يخفيه هاني فضل هل تنتظر ان تحصل على وظيفة هنا بعد ان تجتاز فترة عملك التطوعي¿
لكنه رد بأنه يعمل في المستشفى الجمهوري في عدن وليست لديه رغبة في الانتقال ولديه عمل خاص أيضا ومع ذلك يحرص على الاقتطاع من وقته للتطوع في هذا المرفق المجاني وأصبح هذا الوقت الأقرب إلي نفسه حد تعبيره .
أكمل هاني تعليمة كفني أشعة منذ عقدين وبدأ مزاولة مهنته في إجراء الأشعة للمرضى وتشخيص أوجاعهم ولم يبقى على معلوماته التى حصل عليها من تعليمه بل اخذ يبحث عن كل ما يتعلق بتخصصه ” مهنتي فيها كل يوم جديد ولا يمكن أن تتوقف وما لم نظل متابعين لكل تطور يحدث فيها فإننا سنجد أنفسنا خارج التخصص ” .
تتم المتابعة من خلال الكتب الخاصة بالأشعة ومن خلال البرامج الالكترونية الانترنت والتواصل مع المختصين الآخرين لمعرفة كل جديد وهذا ما مكنه من تدريب مجموعة من الخريجين الجدد الذين يعملون في تشخيص الحالات في مشفى الأمل ” أحسست بالمسؤولية تجاههم وكان أقل واجب أن نؤهلهم جيدا حتى يتمكنوا من تقديم خدمة أفضل للمرضى المحتاجين فعلا “.
“لقد تغير عالم الأشعة وأصبح أكثر الكترونية ودقة عن السابق وأصبح عمل فنياٍ الأشعة محورياٍ في أي تشخيص خاصة في معرفة الأورام السرطانية” .
تصبح الشمس عمودية أكثر مع انتصاف النهار ويحافظ هاني على ابتسامته ويبدو مبتهجا وهو يتحدث عن العمل الطوعي الذي يتمنى أن يقوم به الجميع ممن يستطيعون أن يجدوا الوقت الكافي ” لست وحدي من لديه هذه القناعة لا يمكننا أن نستمر دون أن يضيحى البعض بجزءُ من وقته في العمل التطوعي ” .
محاولة
حاولت إقناعه أن التطوع محصور فقط في المجتمعات الغربية التي أسست لثقافة التطوع حتى أصبحت جزءاٍ من برامجها لكنه أصر على أن عدداٍ كبيراٍ من زملائه لديهم الاستعداد والاقتناع بالعمل الطوعي وأن هناك كثيراٍ من البرامج وأن كانت محددة بفترة زمنية إلا أنها يمكن أن تستمر طويلا وقال أن المطلوب هو كيف نحرك هذه القدرات داخل الناس ونحثهم على العمل التطوعي خاصة في المجال الطبي ” لا تعرف ما هو مقدار الفرحة التي تغمرك وأنت تقوم بعمل ما من أجل الآخرين ممن أصابهم المرض دون مقابل بل أن المقابل هو أن ترى الابتسامة في وجه من تقوم بمساعدته ”
“صحيح أن التطوع يكاد يكون ثقافة غربية لكنه موجود بقوة لدى المجتمعات الشرقية وأن كان بصورة متفاوتة ويحتاج الى دعوة وتفعيل حتى يتسع” .
ستصل الأجهزة التي جمعت قيمتها من التبرعات وسيواصل الرجل عمله الطوعي على أي منها وفي أي وقت يطلب منه لن يتأخر بالمجيء لأنه قرر ذاتيا أن يتبرع بخبرته ووقته كما تبرع الفقراء بأموالهم من أجل إقامة مستشفى لمرضى السرطان في مدينة عدن “عندما اسمع أصواتهم أثناء الإعلان عن التبرع عبر التلفزيون اشعر بان ما يقدمونه هم بأمس الحاجة إليه ومع ذلك يتنازلون عنه فهل نكتفي نحن بالاستماع لتبرعاتهم فهذا منجز لكل من ساهم بأي شكل في الدعم سوى من جمع التبرعات أو من يعمل في المشروع أو غيرهم”.
ما زلت انتظر
حدقت جيدا بالمحاولات التي بذلها هاني فضل لإقناعي بإمكانية نشر العمل التطوعي وجعله مكوناٍ رئيسياٍ في المشاريع الخيرية وليس مجرد تفاعل آني يمضي سريعا وقد يربك العمل الأساسي ومع نجاحه في تشكيل نموذج رائع داخل مشفى ينتظر اكتماله آلاف الناس سواء من تبرعوا أو من يحتاجون إليه فإن صور ومشاهد ووقائع كثيرة ومتراكمة تؤكد أن العمل التطوعي في بلادنا وفي ثقافتنا ما زال تحت التدريب ولم يزدهر لقد ظللت أصر عليه لإخباري عن الدولة الأوروبية التي تعلم فيها مهنته وقيمة التطوع ولي اعتباراتي فنادرا ما نجد من يعمل طوعا حتى اثناء الكوارث لا نعثر على عاملين تطوعا وفي أكثر المستشفيات عامة أو خاصة بالكاد نعثر على طبيب يجري عملية مجانية لمريض لا يمتلك غير مرضه وأوجاعه وإن تحمس لإجرائها فلن يهتم بنتائجها , ولم تفارقن صورة المريض الذي تم إخراجه من داخل غرفة العمليات في أكبر مستشفى عام في البلاد بعد أن رفض الطبيب أجرى العملية له لأنه غضب من طول انتظار الطبيب وعبر عن غضبه بكلمة عتاب أخرجته من الغرفة وأحرمته من العملية المجانية التي كان الطبيب قد وافق على القيام بها بعد توسلات زملائه رأفة بحالة المريض المادية فكيف لنا أن نستوعب أن هناك من سيذهب يوميا إلى عمل تطوعي .
وصولا إلى المستشفيات المجانية أو المراكز التي تهتم بالأمراض المستعصية فإنها لا تحوي من يعمل تطوعا حتى من يجمعون تبرعات للشعوب المنكوبة كما يحدث للشعب الفلسطيني فإنهم يخصمون نسبتهم قبل أي شيء آخر ويبررون لأنفسهم ما لا يحق لهم وفجأة نكتشف انهم أصبحوا تجاراٍ وأصحاب شركات وأملاك لا تحصى , فكيف يمكن لي أن اقتنع ببساطة أن العمل التطوعي لدينا مزدهر .. ومع ذلك ما زلت انتظر ما سيحدث .

قد يعجبك ايضا