■ بسبب القصف لا يتمكن المواطنون من إلقاء النظرة الأخيرة على شهدائهم
■ لم يستطع أنس النوم فتمنى الموت وكان له ما أراد
استقبل أهالي غزة العيد بالأكفان فلا توجد أسرة إلا وبها مصاب وشهيد في أحسن الأحوال إن لم تكن أبيدت عن بكرة أبيها.. عيد بطعم الدمار والموت وفقد عزيز فيما ينعم أطفالنا بالأمان, أي مقارنة ظالمة يتجرع مرارتها أطفال غزة ومن يجيب على تساؤلات طفلة عمرها 13 عاماٍ وهي تحكي مأساتها قائلة: فقدت أبي وأمي وإخوتي الأربعة وأبناء أخي وأعمامي وزوجاتهم وأبنائهم ولم يعد لدي أحد من أهلي.. تتساءل: لماذا حرمني اليهود ممن أحبهم من والدتي التي تحبني وتهتم بي ومن أخوتي الذين ألعب معهم¿ وتقول: قتل اليهود عمي أمام أولاده وحين قال ابنه ذو الست سنوات لماذا قتلتموه¿ قتلوه هو أيضاٍ. وبحرقة قالت: لماذا يحرم اليهود الواحد من رؤية أهله ومن داره ومن أرضه التي يأكل منها.
ورغم ما حل بدلال من مصائب تدك الجبال إلا أنها ختمت حديثها بكلام يعجز عن قوله أصلب الرجال: (أحنا صابرين وصامدين بهذه الأرض لو جاءوا مرة أخرى سنظل صامدين إن شاء الله سنبقى بأرضنا لأنها أرض المحشر والمنشر).
هذه الكلمات تلخص مفهوم الوطنية وروح الانتماء لفلسطين وتعطي درساٍ قاسياٍ لكل متخاذل من طفلة صغيرة.
اقصفوا الدار
من منا لم تبكه آخر رسالة كتبها الفتى أنس قنديل على صفحة التواصل الاجتماعي الفيس بوك بعد أن قضى يومه وليله لا يستطيع النوم بسبب القصف الصاروخي الذي حرمه لذة النوم فكانت رسالته بمثابة تمني الموت الذي بات راحة له فكتب: “يا ربي ارحمني لي من إمبارح ما نمت خلصونا اقصفوا الدار” فجاءه صاروخ أنهى حياته ووالده وثلاثة من جيرانه.
لم يتمالك أحد المسعفين نفسه فانفجر باكياٍ وهو يسعف أحد الأطفال فقد ظل الطفل متشبثاٍ بثيابه وهو يتوسل إليه ألا يتركه وظل ممسكاٍ بقميص المسعف ونظرات الخوف والتوسل المختلطة بالدموع تملأ عينيه.
إفلاس
لا تزال غزة القادمة وحدها من توجع كرامتنا التي باتت صلاحيتها على وشك الانتهاء وهي تكتب بدماء شهدائها الطاهرة آيات المجد والفخر على صفحات وجوهنا التي ما عادت سوى أقنعة مهترئة تستر ذلاٍ وخذلاناٍ ..غزة اليوم التي تخلى عنها القريب والغريب ما عادت تنتظرنا فلن يرعب شجبنا وتنديدنا الكيان المحتل ولن يمنع آلة القتل الوحشية من تمزيق أجسادهم فقد سئم العدو ذلنا وما سئمنا, وحين عجز عن كسر شوكة المقاومة استهدف بدم بارد منازل المدنيين ومساجدهم ومدارسهم ليظهر للعالم إفلاسه وفشله.. ومع كل يوم ترتقي أرواح الشهداء يخسر رهانه وتنكشف عورته أمام الأصدقاء والعملاء.. ومع تزايد الشهداء الذين اكتظت بهم ثلاجات الموتى في المستشفيات هناك.. ومع استمرار القصف لم يعد يتمكن الكثير من ذويهم من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة, فمن نجا بنفسه لجأ إلى المدارس ولا يعلم ما حل بأخيه أو أمه.. لم يعد أمام إدارة المستشفيات هناك إلا أن تفسح المجال وتستقبل شهداء جدد فلا وقت يسعفهم حتى يصل أقارب الشهيد ليودعوه فيدفن بعيدا عن أهله ويوارى التراب.. الكثير من الأمهات لجأن بأنفسهن وبمن تبقى من العائلة إلى الأماكن التي يرينها آمنة وتركن وراءهن قطعة من قلوبهن تحت الأنقاض في أقسى موقف تتعرض له الأم حين يستشهد ابنها أو ابنتها ولم تفتديه بروحها.. ويبلغ الوجع والألم مداه حين يدفن بعيداٍ عنها ولم تضمه إلى صدرها.
الطبيب الإنسان
صور الضحايا وأشلاؤهم لم تحرك فينا ساكناٍ ولا نظهر موقفاٍ رسمياٍ تجاه ما يحصل من إبادة ومجازر لكنها لامست إنسانية طبيب ليس من بني جلدتنا, فقطع الطبيب النرويجي ماتس كيلبرت ومعه فريق من الأطباء آلاف الأميال إلى قطاع غزة, والمخجل أنه أعيق من دخول غزة عبر معبر رفح.. لم ينتظر طويلاٍ فتوجه إلى حاجز إيرز شمال قطاع غزة وقال: ” لا أريد انتظار تنسيق هناك أطفال لا ينتظرهم الموت في غزة” ما الذي دفع به وزملائه من التخلي عن حياتهم واستقرارهم ومستوى المعيشة التي يضمن لهم راحة جوار زوجاتهم وأبنائهم ..إنها الإنسانية التي افتقدها كثير منا.
هذا الطبيب الإنسان يعمل على إنقاذ أرواح الجرحى ولا يرتاح إلا سويعات قليلة دون أن يتقاضى أجراٍ أو يزايد على مواقفه الرائعة وهو يرى الإصابات القاتلة وما تحمله آلة العدوان من أسلحة محرمة دولياٍ تحمل الكربون الحارق والكبريت ومادة السرين المدمرة للجهاز العصبي.
ولم تعد أصوات القنابل والصواريخ ترعبه وهو يشتم الموت بكل شبر بالقطاع بل يقول: (لن أحزن إذا قتلت هنا ولو فقدت حياتي سوف أكون سعيداٍ للغاية لأن دوري أكملته بشكل صحيح من خلال إنقاذ الأطفال والضعفاء). ودعا سكان غزة إلى الصمود قائلاٍ: (لا تستسلموا فإن شعوب العالم الحر يتأملون في صبركم ويستمدون من قوتكم”.
وقد عايش الطبيب ماكس ثلاثة حروب على غزة وفي كل مرة يعزم الأمر على الدخول والمغامرة بروحه.
غزة حبلى بالمقاومين
في كل حروب الاحتلال الصهيوني يوجه صواريخه إلى صدور المدنيين والأطفال لغرض إبادة الجيل القادم, وحسب ما قاله المتحدث باسم المنظمة كريستوفر تيدي أن نسبة عدد القتلى من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 أشهر و17 عاماٍ بلغت نسبة 33% والرقم في ازدياد.
ورغم استهداف الأطفال إلا أن خصوبة النساء عالية وأعلن رئيس جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني ارتفاع نسبة المواليد الذكور في غزة إلى ألف مولود شهرياٍ, بل ظهرت حالات عديدة لإنجاب التوائم. ومؤخراٍ رزقت أسرة فلسطينية أربعة توائم في جنوب قطاع غزة مما يبعث الشعور بالطمأنينة أن معدلات الخصوبة والإنجاب بفلسطين من أعلى المعدلات في العالم, وعلى النقيض تعد المرأة الصهيونية من أقل النساء خصوبة في العالم وهذا ما يجعل الكيان في قلق من تزايد أعداد المواليد الفلسطينيين .. وظهرت دعوات ذات طابع رسمي تشجع النساء الإسرائيليات على الإنجاب لكن هذه الدعوات باءت بفشل بسبب انهيار العلاقات الزوجية والأسرية بسبب الخيانات وحالات الطلاق المستمرة وارتفاع حالات الإجهاض السري والعلني والذي تعتبر من أعلى معدلات الإجهاض في العالم وإقبال النساء على تناول الكحول والتدخين بشراهة, وهذا من شأنه أن يقلل فرص الإنجاب.. وتعد نسبة المواليد الفلسطينيين ثلاثة أضعاف نسبة المواليد اليهود مما يبشر بانقراض هذه الأقلية وأنهم إلى زوال.