حادثة فريدة من نوعها سجلها احد أقسام الشرطة , حيث تقدمت امرأة ببلاغ ضد صديقتها تتهمها فيه باختطاف طفلها المعاق البالغ من العمر 10 سنوات, موضحة أنها وضعت الطفل عند صديقتها ولكن الصديقة اختفت من المنزل مع الطفل.
وبعد عملية بحث وتحر تمكن رجال الأمن من القبض على المرأة المبلغ عنها وبحوزتها الطفل ,ليتضح بعد ذلك أن هذه المرأة تعمل في التسول منذ سنوات وحين تعرفت على والدة الطفل المعاق وكونت معها صداقة استطاعت أن تقنعها باستغلال إعاقة طفلها في التسول به مقابل مبلغ مالي تدفعه لها نهاية كل يوم.
ووفقا لاعترافات المتهمة فقد وافقت والدة الطفل على ذلك وبعد فترة من الزمن عندما حل شهر رمضان المبارك طمعت الأم في زيادة مبلغ إيجار طفلها المعاق بمقدار الضعف كون المتسولون يكسبون كثيرا خلال رمضان , الأمر الذي دفع المتسولة إلى اخذ الطفل والاختفاء من المنطقة بأكملها, وممارسة التسول في شوارع أخرى بعيدة حتى تم القبض عليها.
بالتأكيد ليست المرة الأولى التي يتم فيها استغلال الأطفال المعاقين وغير المعاقين في التسول وأيضا لن تكون الأخيرة في ظل الانتشار المتزايد لهذه الظاهرة التي أصبح الكثير يمارسونها كمهنة وكوظيفة وليس من باب الفاقة والحاجة التي تْجبرهم على مد اليد للآخرين .. ولكل أسلوبه وطريقته لجذب الناس واستعطافهم , وهي ظاهرة ليست بجديدة على المجتمع اليمني. فالمتسولون موجودون طوال العام ولكنهم خلال شهر رمضان يتزايدون أضعافاٍ مضاعفة ,فتجد بوابات المساجد قد امتلأت بعشرات المتسولين, اغلبهم من النساء والأطفال وقلة من الشيوخ ,, الجميع يمد يده يبتغي فضيلة هذا الشهر الكريم ولكن من العباد وليس من رب العباد.
إلى جانب المتسولين الذين يحتلون أبواب ومساحات المساجد خلال رمضان ,هناك نوع آخر يفضلون التسول من الصفوف الأولى للمصلين وبمجرد أن ينتهي المصلون من أداء الصلاة يقف المتسول ليلقي خطبة يشرح فيها حالته والظروف الصعبة التي دفعته إلى الوقوف بمذلة أمام الناس ,وصوت آخر يرتفع من الطرف الثاني من الصف يحكي أيضا قصة حياته المؤلفة بإتقان وانه رغم صغر سنة يعيل أسرة مكونة من عدد كبير ذكوراٍ وإناثاٍ وأب عاجز وأم مريضة وهكذا, وأغلب هؤلاء يكونون من فئة الشباب.. وهناك اسر بأكملها “الأم والأبناء ورب البيت” يخرجون إلى التسول دفعة واحدة ويتفرقون على عدة مساجد, وآخر اليوم يجتمعون ويسلمون رب البيت المحصول اليومي من “الشحت”, واعترف الكثير من الأطفال والنساء الذين تم ضبطهم من قبل مشروع مكافحة التسول بأنهم أْجبروا على التسول من قبل والدهم وأصبح التسول بالنسبة لهم مهمة يجب عليهم القيام بها.. رغم أن حالتهم المعيشية جيدة.
وفي هذا الصدد كشفت لجنة مكافحة التسول في المساجد أن معظم المتسولين في المساجد أغنياء ويمتلكون بيوتا في أحياء راقية ولديهم سيارات وبعضهم لديهم محلات تجارية وأوضاعهم المادية أفضل بكثير مقارنة بالموظفين في القطاعين الحكومي والخاص.
وبحسب مسئول اللجنة فإن من بين 70 حالة تسول لم يجدوا سوى 3 حالات تعيش ظروفا معيشية صعبة وبقية الحالات كانت مخادعة.
إجبار على التسول
لا تقتصر مشكلة التسول في شهر رمضان على أبواب المساجد فقط وإنما تمتد إلى غير ذلك ,حيث يظهر العشرات من الرجال والنساء والأطفال في الشوارع والأسواق وأمام منازل رجال الأعمال والتجار وكذلك المؤسسات والشركات.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه دراسات اجتماعية مختلفة أن نسبة كبيرة من المتسولين هم تحت خط الفقر ,تشير دراسات أخرى إلى أن هناك نسبة ربما توازيها ممن يمتهنون التسول كمهنة ووظيفة.. وبحسب مركز دراسات وبحوث العمل فإن نسبة من المتسولين يمارسون التسول بناء على طلب رب الأسرة أو الزوج ومعظم هؤلاء من النساء اللاتي يجبرهن أزواجهن أو أولياء أمورهن لتلبية الاحتياجات الشخصية لرب الأسرة ومطالبه اليومية مثل تعاطي القات وشرب الشيشة وغير ذلك من الاحتياجات الشخصية.
وأثبتت الدراسات الميدانية أن من أكثر أساليب التسول استخدام النساء للأطفال كوسيلة لجذب تعاطف الناس للتسول.
و قدرت دراسة حديثة شملت ثماني محافظات يمنية العدد الكلي للأطفال المتسولين بحوالي 30 ألف طفل وطفلة دون سن الـ18 ولا يشمل هذا العدد كبار السن من الذكور والإناث الذين خرجوا للتسول لأسباب مختلفة.
وأفادت الدراسة التي بعنوان «ظاهرة التسول وأثرها الاجتماعي والتربوي في اليمن» بأن ظاهرة التسول واضحة في المدن اليمنية الكبرى أكثر من غيرها وفـــي العاصمة صنعاء عشرات الآلاف من المتسولين كما أنهم يتواجدون بكثرة في مدن محافظات تعز وعدن والحديدة.
واعتبرت الدراسة ظاهرة التسول خصوصاٍ الأطفال من أكثر الظواهر والمشكلات الاجتماعية التي تنامت وبرزت على السطح حتى أنها غدت من الأمور المقلقة والمستهجنة وقد مست شرائح سكانية كبيرة.
وعزت الدراسة الأسباب والظروف المؤدية إلى تنامي ظاهرة التسول في اليمـــن إلى «العامل الاقتصادي ويتمثل في فــــقر الأسرة وتدني مستوى المعيشة وعجز الأسرة عن إشباع الحاجات الأساسية لأفرادها بخاصة الأطفال وكذلك بطالة رب الأسرة والشباب والأمية والهرب من المدارس وانحسار قيم التكافل وإحلال القيم الفردية محل القيم الجماعية والتفكك والعنف الأسري».
هناك الكثير من الحكايات التي كشفت واقع امتهان بعض الأشخاص للتسول وتكوين ثروات كبيرة من وراء تلك المهنة أبرزها حادثة إفلاس البنك الوطني للتجارة والاستثمار أواخر العام 2005م التي كشفت عن خمسة ملايين ريال رصيد احد الشحاتين في البنك جمعها خلال عمله في التسول ليخسرها دفعة واحدة.
حادثة أخرى مشابهة لامرأة في الخمسين من عمرها عاشت حياتها هي وأبناؤها على التسول بحجة الفقر والحرمان وحين توفت وجد أبناؤها في غرفتها نحو ثلاثة ملايين ريال قالوا أنهم لم يكونوا يعلمون عنها شيئا في حياة والدتهم.
وما يؤكد تحول التسول إلى مهنة سهلة للكسب والارتزاق لدى البعض ولجوئهم إلى الحيلة والخداع لممارسة هذا العمل واقعة سجلتها إحدى المحاكم ,حيث تم ضبط شخص قام بتزوير أحكام قضائية لعدد من المتسولين تؤكد أنهم يستحقون المساعدة, وأفاد الشخص أثناء التحقيق معه انه زور أحكاما قضائية لنحو 11 شخصا بغرض التسول بها مقابل نسبة معينة يأخذها من محصول التسول.