حروب الإبادة والتهجير للشعب الفلسطيني

طاهر محمد الجنيد

 

يستند الصهاينة في ارتكاب جرائم الإبادة والتهجير للشعب الفلسطيني إلى نصوص التوراة التي تبيح قتل الآخرين بلا شفقة وبلا رحمة، كما جاء في سفر التثنية الاصحاح العاشر: 10 – حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، 11 – فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك.. 12 – وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، – 13 وإذا رفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف…. 16 – أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما، وهذه النصوص التوراتية هي التي يتم تطبيقها من قبل الجيش الصهيوني على أرض فلسطين، فيقتلون الأطفال والنساء وغيرهم بدون رحمة ولا شفقة، وأما نصوص العهد القديم فإنها تحث الفلسطينيين وتدعوهم إلى قتال اليهود وعدم الاستسلام لهم “شدوا وكونوا رجالاً أيها الفلسطينيين لئلا تستعبدوا للعبرانيين، كما استعبدوهم لكم فكونوا رجالاً وحاربوا” العهد القديم، سفر حمويل الأول، الإصحاح الرابع الآية ( 9)، وما بين النصين تكمن عقيدة التحريف والتزوير لنصوص التوراة، والغاية من ذلك إثبات صحة الادعاءات الصهيونية أن فلسطين هي أرض الميعاد، وإذا كان المسلمون تعايشوا مع اليهود ووفروا لهم الحماية والرعاية، فإن الغرب عموماً لم يستطع التعايش معهم، بل عزلهم في أماكن خاصة، ولما زاد فسادهم شن عليهم الحملات الممنهجة لتأديبهم، وهنا كان التخلص منهم بترحيلهم إلى الخلافة الإسلامية، وتأسيس وطن لهم، لكنهم اتجهوا لإبادة المسلمين وتشريدهم حتى يؤسسوا هذا الوطن الذي يحلمون به.
في العهد العمري الذي أعطاه أمير المؤمنين للنصارى بعد استلام مفاتيح بيت المقدس، اشترط النصارى ألا يساكنهم في بيت المقدس اليهود، ومع ذلك سمح المسلمون لليهود والنصارى بممارسة شعائرهم ولم تتم ممارسة الإبادة والقتل والتشريد لهم.
العلمانيون واللا دينيون من اليهود الذين نادوا بفكرة الوطن القومي لليهود، يستندون إلى التوراة، ويدعون إلى تطبيق أحكامها، ولا يقبلون أن يتعايشوا مع سكان الأرض التي استولوا عليها إلا بالقوة والبطش والقتل، بل إنهم يريدون إبادتهم وطردهم منها حتى تكون خالصة لهم، صاحب فكرة الوطن القومي لليهود “هرتزل” كتب عام 1895 م “سنحاول طرد المعدمين خارج الحدود ،( بتدبير عمل لهم هناك، وفي نفس الوقت سنمنعهم من العمل في بلادنا”( 1) وهي عبارة مخففة فيها دعوة لتهجير أصحاب الأرض، وإذا كان « هرتزل » قد ركز على طرد المعدمين بناءً على عدم إتاحة مجال العمل لهم، فإن إسرائيل زنجول عام 1905 م، وقد ترسخت فكرة إنشاء وطن قومي لليهود واستوثقوا من دعم الحكومات الغربية لهم في مشروعهم الاستيطاني، يوجه الدعوة صريحة « يجب أن نستعد لطرد هذه القبائل العربية بالسيف، مثلما فعل أجدادنا »(2)، وجاءت الحرب العالمية الأولى وحقق الحلف الصليبي الذي قادته بريطانيا أولى خطواتها فتم استدراج الخلافة العثمانية إلى حرب لم تستعد لها، وكان أمر اليهود قد أقره مؤتمر كامبل بنرمان 1907 م، وهنا يقدم « وايزمان وارونسون » اقتراحاً إلى مؤتمر السلام «بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وطرد العرب منها بالقوة، وإسكانهم على ضفاف دجلة والفرات »( 3)، وهذه الآراء تتصاعد في قوتها وشدتها كلما تمكن اليهود ومن يعملون لصالحهم على تحقيق أمنياتهم في الواقع العملي ابتداءً من طرح الفكرة والسعي لتحقيقها.
استولت بريطانيا على فلسطين ووضعتها تحت الانتداب فعملت على استقدام اليهود وتكفلت العصابات الصهيونية والقوات الخاصة بارتكاب جرائم الإبادة ضد سكان القرى والمدن وبأبشع الوسائل، وهنا نجد « وايزمان »يعترف بذلك فيقول « لا أذيع سراً اليوم، إذا قلت: إننا اتفقنا مع بريطانيا على تسليمنا فلسطين خالية من العرب قبل نهاية الانتداب »(4) ، وتشكل الجيش الصهيوني من عصابات القتل الإجرامية تحت رعاية ودعم سلطان الانتداب البريطاني الذي أعطاه السلاح والمؤن وعاونه على ارتكاب المذابح المتعددة للأهالي في القرى والمدن الفلسطينية، ولم يتم الإعلان عن تأسيس الكيان الإسرائيلي إلا وقد أنجز المجرمون المهمة في تفريغ القرى والمدن الفلسطينية، وإحلال اليهود هناك بدلاً عن سكانها، وهي ذاتها الخطة التي يمارسها وضباط وجنود « جالانت « و « نتن ياهو » الجيش الصهيوني، ولكن تحت قيادة تدمير المجتمع » وتعتمد على ،« دالت » جيش الاحتلال، والتي تعرف بخطة العربي في فلسطين بأهله ومؤسساته وقراه ومدنه، وبمعنى آخر: إزالة كل آثار المكان الإنسانية والعمرانية، لا يبقى لليهود فيها إلا قاع صفصف ليس فيها . ديار أو نافخ نار » (5).
خلال أيام الحرب وعلى مدى ( 240 ) يوماً منها ارتكب الجيش الصهيوني( 3.247 ) مجزرة استشهد فيها ( 36.439 ) من الذين وصلوا إلى المستشفيات وأكثر من عشرة آلاف مفقود، إجمالي الشهداء من الأطفال والنساء ( 26.000 )شهيد وشهيدة، ويبلغ إجمالي الجرحى ( 82.627 ) وهناك أكثر من (1.095.000 ) مصاب بالأمراض المعدية نتيجة النزوح، وهذه الإصابات والقتل ) والإبادة موجهة ضد مليونين ومائتي ألف مواطن هم سكان قطاع غزة، التي ألقى عليها العدو
( 78.000 ) ألف طن متفجرات، دمر أكثر من ( 88.300 ) وحدة سكنية تدميراً كلياً وجزئياً
( 303.000 ) وألقى بالسكان إلى العراء، وتبلغ الخسائر الإجمالية حتى الآن ( 33 ) مليار دولار.
لم تؤثر تلك الجرائم ولا الإبادة الجماعية، ولا الجرائم ضد الإنسانية، في مشاعر حكومات ودول الأنظمة العملية والمطبِّعة، أو تحرك ضمائرهم وعقولهم للتفوه بكلمة ضد الإجرام المسلط على أهل فلسطين، بل دفعهم حقدهم لمناصرة المجرمين ودعمهم بكل أشكال الدعم المادي والمعنوي، ووصل الأمر إلى تقديم الضمانات للقتلة بتعويض خسائرهم حتى لا يتم إيقاف الحرب الإجرامية، لذلك استمرت الحرب وطال أمدها، فاليهود والمتحالفون معهم حريصون على المال، وحريصون على الحياة، قال تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سََنةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ) (البقرة: 96 )، الشهداء يتساقطون، والمنافقون يفضحون واحداً تلو الآخر، وأنظمة وزعماء وقادة وغيرهم، وبينما تتداعى الأمم على غزة من الأنظمة الصليبية والصهيونية والخونة والمجرمين، سقطت أوراق التوت التي استعملها الصهاينة لجذب تعاطف دول الغرب لتأييدهم، ها هي الجماهير هناك تدرك حقيقة اليهود وممارساتهم الإجرامية بالصوت والصورة، وهو مكسب عظيم لتلك الدماء التي سالت فداء لقضية فلسطين وتحريرها من دنس الاحتلال الصهيوني، ومن إجرام الحلف الصليبي والخونة والعملاء.
_______________________________________________
5) مأخوذة بتصرف من كتاب، سلمان أبو سنة، (حق العودة مقدس ،4 ،3 ،2 ،1وقانون وممكن)، وكتابه الآخر (اعترافات المؤرخين الجدد، وتقرير جامعة الدول العربية- اضطهاد العرب في إسرائيل، وتقارير منظمة العفو الدولية عن الأراضي المحتلة، ود. خيري مريكب عن القضية الفلسطينية.

قد يعجبك ايضا