ما يعيشه الشعب العربي الفلسطيني منذ أكثر من قرن من الزمن يشهد على انحطاط النظام الدولي ونفاقه وخضوعه لمنطق القوة واحترام الأقوى، وما يتحدث عنه النظام الدولي والأنظمة الغربية عن القيم والأخلاقيات والحقوق والإنسانية، على مدى عقود كنت شخصيا كافرا بها وغير مؤمن بها ولا أصدق كل ما يقوله الغرب ويصدر عنه ولا زلت.!!
وما يجري في فلسطين منذ 7 أكتوبر من العام المنصرم يشهد على انحطاط النظام العربي الرسمي، وعلى تجرد الشعوب العربية من بقايا خجل كان يستوطنها..!
نعم في الوطن العربي انحطت الأنظمة الرسمية وتجردت الشعوب من بقايا حياء كان يستوطنها، ولن أقول إن الشعب اليمني مثل حالة الاستثناء في المرحلة وقام بما لا تقوى على القيام به دول وأنظمة عربية تطالها أزمة فلسطين وتنعكس عليها بصورة مباشرة وتمس أمنها وحاضرها ومستقبلها.. أقول إن الشعب اليمني استثناء، لأن الظروف التي يعيشها اليمن الأرض والإنسان والقدرات حالت دون أن يقدم هذا الشعب ما يجب أن يقدمه لنصرة أشقائنا في فلسطين، وكل ما يقوم به ليس إلا تعبيرا بسيطا عما يفترض أن يقدمه ويقوم به شعبنا تجاه الإبادة والإجرام الذي يتعرض له الشعب العربي في فلسطين..
هذا الشعب الذي فقد حتى اليوم أكثر من (مائة ألف شهيد وجريح) وربما ثلث هذا العدد من المفقودين فيما هناك أكثر من مليوني نازح ومشرد داخل القطاع يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يعيشون بلا غذاء وبلا مياه، وبلا أدوية، وبلا حاجات تعينهم على مواجهة تغيرات الطقس من حر الصيف وبرد الشتاء..
أطفال يموتون جوعا ونساء حوامل وشيوخ أنهكهم الزمن وإجرام صهيوني يسعى للإبادة والتهجير القسري، من خلال القتل وارتكاب المجازر اليومية ومن خلال الحصار والتجويع، ونظام دولي منحط قادته مجموعة من (السفلة والشواذ والمثليين)! ونظام عربي أكثر انحطاطا وسفالة وشذوذا..!
وفيما شعوب العالم تتحرك ويستيقظ ضميرها وتقف في مواجهة حكامها وأنظمتها، تقف شعوب العرب لتسبح بحمد حكامها وتقدسهم بدلا من الله ورسوله ومن يجرؤ على انتقاد أي نظام أو حاكم عربي على خلفية مواقفهم من أحداث فلسطين، تجد أتباعهم وقد تحولوا إلى (كلاب مسعورة) مجردين من الأخلاق والقيم، لا يؤمنون بحق الآخر في التعبير عن موقفه ويعتبرون كل من ينتقدهم خارجاً عن الملة..!
فلسطين عرَّت العرب حكاما وشعوبا، وأسقطت كل مزاعم الغرب والعالم عن التحضر والتقدم والحريات والحقوق والديمقراطية والإنسانية، وكشفت أن كل ما سوقه الغرب والنظام العالمي عن الإنسانية وعن حقوق الشعوب واحترامها، لدرجة أن هذا العالم الذي يطالب بحق (الشواذ والمثليين) وحريتهم وحقهم في الحصول على حياة طبيعية في مجتمعاتهم وأهمية الاعتراف الرسمي والمجتمعي بحقوقهم، الذين يطالبون بكل هذا، لم يحترموا حق الشعب الفلسطيني بالوطن والدولة وحتى حقه بالحياة، استكثروها عليه، فتحالف العالم بأسره واصطف إلى جانب الاحتلال ضد الشعب المحتل وطنه والمشرد شعبه ويواجه حرب إبادة وتهجير في كل أرجاء فلسطين، ولم يحرك كل هذا الإجرام مشاعر المنحطين من الأنظمة والحكام السفلة، ولم نر إنسانية الغرب وتشدقه عن حقوق الإنسان..!
الغرب الذي يناصر حقوق (المثليين والشواذ) في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، ويناصر ويتعصب لحقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية في بلداننا، لكنه يديننا ويشيطنا ويجرمنا إن نحن قاومنا مخططاته وتحدينا أو حدينا من رغباته أو عارضنا نفوذه الاستعماري في أقطارنا..!
نعم الغرب وفي المقدمة أمريكا وبقية عواصم الاستعمار القديم يظهرون إنسانيتهم ومشاعرهم المفرطة إذا تعلق الأمر بثقافة المسخ والانحطاط والارتهان والتدجين لمجتمعاتنا، لكنهم لا يؤمنون بحقنا كبشر (مثاليين) وليسوا (مثليين)، فهم أي الغرب وعلى رأسهم أمريكا لا يريدون أن نكون أصحاب قيم وأخلاقيات (مثالية) وحضارية وإنسانية، لكنهم يريدون أن نكون (مثليين) واتباعاً مرتهنين مجردين من القيم والأخلاقيات العربية والإسلامية لنكون بنظرهم متحضرين وبشرا أسوياء..!
فلسطين تلعن هذا العالم بأنظمته وقوانينه وانحطاطه، وقبله تلعن أنظمة العمالة والارتهان وتلعن صمت العرب والمسلمين حكاما ومحكومين، وتعدهم بأنهم سيدفعون ثمنا غاليا لمواقفهم المخزية ولنذالة مواقفهم المتجردة من كل الاعتبارات.
فلسطين سوف تنتصر وتنتصر مقاومتها رغم أنف كل المتآمرين، ورغم أنف العدو بحيشه وعدته وعتاده ورغم رعاية العالم له، وخيانة وتواطؤ العرب معه، سوف تنتصر فلسطين رغم أنف الجميع، وسيدفع العملاء والخونة ثمنا باهظا، سيدفعون ثمن خيانتهم وعمالتهم وارتهانهم وتآمرهم مع أعداء الأمة.
بالأمس وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يتحدث عن اتصالات سرية تجربها أمريكا حول فلسطين ويكشف أن هناك دولاً وأنظمة في المنطقة لا تريد قيام دولة عربية فلسطينية..!
كان يمكن أن يقول الوزير (هناك دولة لا تريد قيام دولة فلسطين) وكنا سنعرف انها كيان الاحتلال، لكن الوزير قال (هناك دول في المنطقة)..!
الشهيد القائد ومنظوره الإيماني في استدراكه لوقائع وأحداث عصرنا الحالي
عبدالجبار الغراب
أمتلك الشهيد القائد ثقافته القرآنية الواسعة في مختلف قواعدها الوافية والشاملة المتعلقة بحياة الإنسان ومن كافة جوانبها المتعددة، وحاز على الكم الهائل والوفير والواسع والغزير من المعارف الدينية والشرعية المتنوعة في مجالاتها المختلفة في إصلاحها للفرد والمجتمع وتسليحهم بالعلم والمعرفة، لمساعدتهم على بناء دولتهم، والنهوض بها. يمتلكون القرار المستقل بعيدا عن التبعية والولاء وبمختلف الإمكانيات والوسائل جاهزون لمواجهة قوى البغي والضلال، من هنا انفرد الشهيد القائد بنظرته الصحيحة الصادقة الإيمانية من أجل خدمة البشرية كلها وبلا استثناء، فالمشروع القرآني الذي حمله الشهيد القائد ليس مخصصاً لفئة أو جماعة بحد ذاتها أو دولة بعينها، بل يشمل الأمة كاملة.
ومن المنظور الإيماني العظيم النابع والراسخ في قلب ووجدان الشهيد القائد الجامع فيه جواهرها الفاضلة وخصالها الحميدة المكتسبة من مدرسته القرآنية الكاملة من خلال إلمامه بكل ما يتصل بمعرفته بالله تعالى وبهداه الكريم وصولا إلى إنشائه للمدرسة القرآنية بجامع الإمام الهادي بمحافظة صعدة والهتاف الأول للصرخة القرآنية وترديدها قبل حوالي اكثر من عشرين عاما، ليستدرك بذلك الشهيد القائد وقائع وأحداثا سخرتها أمريكا لعملائها بالنظام السابق لتنفيذ مخطط القضاء على مشروعه القرآني، فشنت عليه الحروب وعلى مناصريه لكنها فشلت وانكسرت، لتصدق بعدها قراءته الإيمانية في عصرنا الحالي لكل أقواله السديدة في وضع كامل الجهوزية والاستعداد من قبل المسلمين للمواجهة والتصدي لكافة المخاطر والتهديدات التي تدبرها قوى الاستكبار العالمي.
ليسير الشهيد القائد في البناء لمسيرة النور والعطاء والتنوير وفق أسس رفيعة وقيم ومبادئ سامية أساسها كتاب الله المبين والتثقيف بثقافة القرآن الحكيم، وبوسائل متنوعة كالملازم الدينية والكتب وإقامة المحاضرات التثقيفية والندوات والتي كانت لها نواتها الأولى في تأسيسه للمشروع القرآني المتنوع في مجالاته والأهداف، الثابت في قاعدته الأساسية المبنية وفق أسس صحيحة منهجية قائمة وشاملة بكل محتويات تعاليم الدين الإسلامي لجعلها عمود الارتكاز للتصحيح لكافة الأفكار والمفاهيم والثقافات المغلوطة التي شوهت الإسلام، والإسهام الفعال في بناء المجتمعات الإسلامية وفق قاعدة ومنهج الثقافة القرآنية، والتي نظر من خلالها الشهيد القائد للبعيد من أجل البناء والتقدم والتطوير والنهوض والاستدراك بوقائع الأمور وبكل ما يدور في العالم من أحداث هي في أصلها موجهة ضد العرب والمسلمين مفتعلة من قوى الشر والاستكبار، ومن هنا ينبغي على الجميع تصحيح الجوانب السلبية السابقة لجعلها محطات للاهتمام والمتابعة والاستعداد لمواجهة كافة المخاطر والتحديات والصعاب.
تعددت البدايات التصحيحية لمشروع المسيرة القرآنية في صعودها التدريجي والفعال والناجح في تصحيحها للأفكار المغلوطة لهذه الأمة والمزروعة منذ عقود بفعل فاعل مدروس، وبتدبير ممنهج وخطير، أعدته وخططت له قوى الاستكبار لغرس أفكارها الشيطانية بالمجتمعات الإسلامية عبر أدواتهم الخونة والأنذال المتأسلمين والحكام الموضوعين على الكراسي والعروش لخدمة وتنفيذ مطامع الامريكان والصهاينة، فالمشروع القرآني مشروع عام للأمة برمتها وليس محدود بفئه بعينها أو بلدآ بحد ذاته، لتبدأ مرحلة الصعود في انتقاله من محافظة صعدة اليمنية وتوسعها وبهتاف الشعار وترديد الصرخة وسلاح المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية متناولها بالاستخدام، لتتصاعد تدريجيا ويعم صداها في عموم اليمن، وبلوغها عالمياً وإعلان مقاطعة المنتجات لدول قوى الشر و الاستكبار العالمي ورفعهم للشعار في اغلب الدول العالمية، وما الأحداث الحالية الحاصلة والحرب التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة الأخير، إلا دليلاً لوقوف الشعب اليمني لنصرة المستضعفين والتي عبر عنها سابقاً بالعداء لأمريكا وإسرائيل عبر الشعار وهتاف الصرخة التي أطلقها الشهيد القائد وسلاح المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الأمريكان والصهاينة، وما اثبته اليمنيون بالمواجهة المباشرة عسكرياً مع الأمريكان والإنجليز أعطى المزيد من التأكيد لنجاح المشروع القرآني في بلوغه للأهداف التي تتمناها كامل الشعوب الإسلامية.
الموقف اليمني الشجاع والتاريخي العظيم والمعلن لنصرة القضية الفلسطينية وبواقع فعلي عملي عسكري بإطلاقهم للصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وحصارهم لسفن الكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر ومنعها من العبور والمرور إلى موائنه حتى يتوقف العدوان ورفع الحصار على غزة، وصولاً إلى تأكيدهم الثابت على موقفهم المساند لفلسطين في مواجهة العدوان الأمريكي والبريطاني، أعطى دلالاته الكبيرة بحقيقة المشروع القرآني العالمي إنسانياً وأخلاقياً وفكرياً، وعظمة المؤسس له وبلوغه مراحله الكبرى في الوصول لمختلف أصقاع الكرة الأرضية.