تبدو هزيمة العدو وحلفائه ورعاته والمتواطئين معه في معركة طوفان الأقصى تتكرس وتترسخ في سلوكيات ومواقف العدو وهزائمه الميدانية الآخذة في الاتساع لتشمل مختلف الجوانب الحياتية المتصلة بالحقيقة الوجودية للكيان الاستيطاني الذي تشير كل المعطيات إلى أنه يعيش أزمة وجود وهوية وانتماء بالقدر ذاته الذي يعيش فيه رعاته بدورهم أزمات متعددة ومركبة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول القارة العجوز التي بلغت من (الشيخوخة) أن فقدت قدرتها على التمييز بين أن تكون تابعة أو فاعلة، إخفاق جعلها تدخل (مخدع الوصاية الأمريكية) الذي أفقدها كل القيم التي تشدقت بها ولم تؤمن بها يوما..؟!
بيد أن الهزيمة البنيوية التي تعرض لها الكيان الصهيوني في معركة طوفان الأقصى صباح 7 أكتوبر من العام المنصرم، والتي دون شك طالت رعاته وفي المقدمة أمريكا التي انساقت من لحظتها في محاولة لترميم جدار الانكسار الصهيوني من خلال الدفع بالكيان نحو عدوان همجي بربري واسع النطاق ضد قطاع غزة والمقاومة بعد أن رفع العدو في لحظة انكسار وهزيمة سقف بنك أهدافه دون وعي أو مراجعة وتأن، واضعا نفسه أي _الكيان _ في موقف ليس محرجا بل موقفاً يشبه من يستأسد الهزيمة ويتلذذ بجلد ذاته في صورة وكأن العدو في عدوانه على قطاع غزة لا ينتقم من المقاومة بقدر ما ينتقم من ذاته ويعاقب نفسه على هزيمته فيما المقاومة تواصل حصد المكاسب العسكرية والإعلامية والإنسانية والأخلاقية، ها هو عدوها يواصل حصد الهزائم رغم الدعم الأمريكي والغربي له وهو الدعم الذي دخل دائرة الارتباك بعد الإخفاقات الصهيونية والفشل في تحقيق بنك الأهداف المعلنة منذ لحظة انطلاق العدوان الإجرامي الذي يؤكد ومن خلال الجرائم التي أقدم العدو على ارتكابها بحق أبناء فلسطين فداحة الهزيمة والانكسار الصهيونيين وسقوط القيم الأخلاقية الأمريكية والغربية على خلفية دعمهم للكيان وجرائمه التي حركت مشاعر شعوب العالم بما فيها شعوب أمريكا والغرب التي تقف أنظمتها داعمة للكيان ومبررة لعدوانه الهمجي..؟!
على إثر ذلك برزت مواقف الإسناد لقطاع غزة وللشعب العربي الفلسطيني من اليمن ولبنان وسوريا والعراق وبغطاء سياسي وإعلامي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفيما حرصت أمريكا والغرب الذين هرولوا لانتشال العدو من مستنقع الهزيمة والصدمة دافعين هذا العدو إلى الثأر لهزيمته باعتباره (حق الدفاع عن النفس) في بادرة غير مسبوقة جعلت الحق للمحتل في الدفاع عن نفسه فيما صاحب الحق والأرض تحول إلى عدو وكأن المحتل لفلسطين هي المقاومة الفلسطينية وليس العدو الصهيوني، غير أننا وبعد قرابة ثلاثة أشهر من حرب إبادة ذهب خلالها آلاف الشهداء والجرحى وتهجر وتشرد الملايين من أبناء فلسطين، ورغم حرص واشنطن على إبقاء العدوان في نطاق القطاع وحركت أساطيلها وبوارجها لتخويف وترهيب وردع أي طرف في المنطقة من تقديم أي شكل من أشكال الدعم والإسناد لفلسطين في مواجهة وحشية الإجرام الصهيوني وحليفه الأمريكي _ الغربي غير أن كل هذا لم يحقق للعدو أهدافه ولم يمكنهم من تحقيق بنك أهدافهم المعلنة..؟!
إذ لم يستعد العدو رهائنه لدى المقاومة، ولم يسحق أو يفكك المقاومة، ولم يقض على أي من قادتها، ولم يجردها من سلاحها، وكل إنجازاته تمثلت بارتكاب مجازر بحق النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين العزل، ودمر كل شيء في القطاع، وهذا الحال أزعج أمريكا والغرب ووضعهم في مربعات جداً مزعجة ومحرجة أمام الرأي العام الدولي، ناهيكم أن هذا العدوان أسقط قيم المنظومة الأمريكية _الغربية وعرّى المجتمع الدولي بكل مؤسساته والقيم التي تشدقوا بها عن الحريات وحقوق الإنسان وعن حق الرأي والتعبير وحرية الصحافة، بل إن غزة أسقطت وكشفت انحطاط المجتمع الدولي الرسمي وأيضا النظام العربي _الإسلامي.
كانت اليمن بموقفها هي الحالة الاستثنائية التي لم تكن بحسبان أطراف العدوان، إذ أدى تدخلها وبالطريقة التي تدخلت بها ونتابعها إلى إرباك أنظمة التأمر ووضعتهم في زاوية محرجة ومزعجة في آن، تناغم الموقف اليمني مع نشاط أطراف محور المقاومة من لبنان ومواجهة ( الدحرجة) التي قدمت أكثر من مائة شهيد على طريق القدس، إلى العراق، الأمر الذي جعل الطوفان بمثابة ( مقصلة) للعدو وحلفائه، غير أن مقصلة البحرين الأحمر والعربي وباب المندب التي نصبت للعدو وحلفائه كرست حالة الإرباك وأفقدت تحالف العدوان قدرتهم في التعامل مع المشهد، فكانت جريمة اغتيال صالح العاروري في قلب العاصمة بيروت محاولة للانعتاق من انكسار غزة ورغبة في توسيع دائرة الصراع على قاعدة _ إذ أردت حل مشكلة فاعمل على توسيعها _ جريمة بيروت هي نافذة فتحها العدو بحثا عن مخرج لأزمته وانكساره وهزيمته داخل غزة، تزامنت جريمة بيروت مع جريمة مدينة كرمان في إيران وقبلهما بأيام كانت جريمة اغتيال المجاهد رضى موسوي في ضواحي دمشق، وأخيراً ما أقدمت عليه واشنطن في جريمة استهداف نائب قائد الحشد الشعبي في العراق، جرائم لا يمكن فصلها عن بعض بل تأتي في سياق متصل والغاية البحث عن مخرج للعدو يخرجه من مستنقع غزة الذي غرق فيه دون أن يحقق رغبته، غير أن صنعاء مطالبة اليوم بمزيد من اليقظة والحذر وقد يكون المجرم الذي يخطط لها هو بريطانيا هذه المرة لأن ثمة تبادل أدوار يبدو واضحا بين الثلاثي الصهيوني _الأمريكي _البريطاني..؟!
إن جرائم التصفيات والاغتيالات التي شهدتها دمشق وبيروت وكرمان في إيران لا تنفصل عن بعضها وتبقي صنعاء في دائرة الاستهداف ويبقى الحذر واليقظة من صنعاء هو المطلوب.. والأيام القادمة كفيلة بكشف المزيد من تداعيات الانكسار، فيما نصر غزة ومحور المقاومة هو الحقيقة الواضحة في المشهد والتداعيات.
Prev Post
Next Post