إن أول ضحايا الحروب هي الإنسانية والمصداقية خاصة إذا كان العدو لا يحمل دينا ولا قيماً تحول بينه وبين ممارسة الأكاذيب وانتهاك الحرمات، وكلما نشبت حروب وجدنا تعري كثير من السياسات الغربية والشرقية إذا كان الأمر في مواجهة المسلمين والعرب.
جاء الصليبيون قديماً بجيوشهم العظيمة وانتهكوا كل الحرمات حتى أنهم أذاقوا أبناء ديانتهم الويلات لأنهم ما زالوا يحملون بعضاً من الأخلاق والقيم العربية والإسلامية بحكم معايشتهم وعيشهم على أرض الرسالات السماوية ومهبط الوحي والأنبياء.
واليوم استوطن اليهود الأرض المقدسة وأرادوا الاستفادة من خبرات الاستعمار السابقة لكي يستمروا على أرض فلسطين، متناسين أن مقابر الإنجليز والفرنسيين وغيرهم من الأمم لا زالت شواهد حية على أن الأرض لها أهلها، كما أكد القرآن الكريم (ولقد كتبنا في الزبور ما بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) الأنبياء (105)، فالتأكيد والوعد من الله سبحانه وتعالى أن الأرض يرثها ويبقى فيها عباد الله الصالحون الذين يقومون بما أمر الله ويجتنبون ما نهى عنه، أما مسألة الاستيلاء بالقوة والغلبة عليها فهي مسألة عارضة، فالقوة لا تدوم، والانحطاط والذل والهوان لا يستمر.
الاتفاق بين المجرمين
هناك اتفاق دائم بين المجرمين في المنهج والسلوك وفي التعاطي مع الأحداث وحتى لا يبقى الكلام مرسلاً نضع بعض الشواهد على ذلك، فمن يستمع لخطاب زعماء الغرب (زعماء الدول الاستعمارية القديمة والحديثة) يجد أن مجملها هي ذاتها خطابات زعماء الكيان الصهيوني مع فارق المكان والزمان، زعيم الكيان الصهيوني في آخر خطاب له يصف الإجرام الذي يحدثه جيش القتلة والمجرمين بأنهم يقاتلون بأخلاقية ومسؤولية، ويصف المقاومة الفلسطينية بأنهم أعداء مخربون ووحشيون، ولا يختلف رأي قادة الغرب وأمريكا كثيراً عما قاله رئيس القتلة والمجرمين، فالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية لا تمثل شيئاً لأنهم لا يحملون أخلاقاً ولا ديناً ولا عهداً ولا ميثاقاً يحتكمون إليه، ومع ذلك فإنه من وجهة نظره أن سفك تلك الدماء وإبادة الأبرياء وارتكاب المجازر الوحشية مبررة وضرورية (من أجل عدم العودة إلى سفك الدماء مرة أخرى)، إنهم مجرمون بالفطرة، سفاحون متعطشون للدماء بشكل يفوق الوصف، لقد حدد أهداف الحرب التي يشنها جيشه على أهل غزة وأبناء فلسطين بأمرين، الأول: الدفاع عن إسرائيل، والثاني: إعادة المختطفين، وحتى يكون لإسرائيل وضع أفضل والمنطقة والإنسانية، أما ضمان أمن إسرائيل فمن المستحيل أن يكون للمجرم امان، طالما وأهل الأرض مضطهدون ممنوع عليهم أن يتسلحوا حتى سكيناً، لكن من حرم من كل ذلك صنع المعجزة وصنع سلاحه بنفسه وأثبت أنه قادر على أن يفعل المستحيل حتى لو حاصره أبناء شعبه ودينه وأمته، كما فعل الخونة في الدول العربية والإسلامية، أما بالنسبة للمنطقة حتى وإن طبعت الأنظمة العميلة والخائنة فإن الكلمة تبقى دائماً وأبداً للشعوب، فهي صاحبة الكلمة الفصل في إثبات الحقوق واستردادها، أما الإنسانية فها هي شعوب الأرض وأحرارها يعلنون تضامنهم وتأييدهم للشعب الفلسطيني في استرداد كل أراضيه من البحر إلى النهر.
بين الإفك والبهتان
هناك تناغم وتنسيق إلى حد التماهي بين الكيان الصهيوني والحلف الاستعماري القديم المتجدد، حتى أن الإشاعة التي تصدر من الصهاينة يرددها الرئيس الأمريكي، ومن ذلك إشاعة ذبح أطفال اليهود، ولما استبان الكذب لم يخجل المجرمون من أنفسهم، ولم يراجعوا أنفسهم، فها هو رئيس الكيان الصهيوني يرى أن اختطاف وأسر الجنود المدججين بالأسلحة (عمل وحشي وغير إنساني) من أشخاص (جاءوا لقتل اليهود وذبحوا واغتصبوا، وعذبوا اليهود والمسلمين وأبناء أديان مختلفة)، إن الإجرام كل متكامل بينما تتحدث الأرقام عن أن هناك ما يزيد عن خمسة وعشرين ألف شهيد غالبيتهم العظمى أطفال ونساء وعزل هدمت مساكنهم وأبيدت أسر بأكملها، لكن اختطاف جندي قاتل للأطفال والنساء عمل وحشي غير إنساني، المقاومة لم تقتل اليهود إنما وجهت سلاحها للقتلة والمجرمين، وأما ذبح الأطفال فهي كذبة صدرت من الكيان الصهيوني ونشرها البيت الأبيض والرئيس الأمريكي واعتذر عن ذلك أمام العالم أجمع، وشهد على أنهم في الكذب لا يبارون، وأما القول بالاغتصاب، فهناك سجنا جوانتانامو وأبو غريب شاهدان على اغتصاب الرجال والنساء من قبل الأمريكان والصهاينة وكل الأنظمة التي فرختها وأوكلت إليها إدارة المنطقة العربية والإسلامية، فكيف تناسى رئيسهم ذلك وأعاد التذكير بأفعالهم وجرائمهم، الأسرى يخرجون ملوحين بأيديهم حين يكون التبادل ويسجلون شهاداتهم أمام العالم أجمع، إلا المجرمون يرون أن الطهارة جريمة والإفك قمة الإنسانية والإجرام أفضل فنون النخاسة والاستعمار الجديد.
إن المتابع للأحداث يرى أن السياسة الإجرامية هي ذاتها السياسة الممارسة على أرض الواقع من قبل الجيش الصهيوني ومن تحالف معه، ومثل ذلك سياسة الاستعمار بدوله القديمة التي كان لها موطئ قدم على أرض الأمة العربية والإسلامية ومع ذلك فإن الغباء المتأصل يريد أن يستفيد من مكامن الفرقة والشتات التي أوجدها بين أقطار العالم العربي والإسلامي حتى يطيل بقاءه على هذه الأرض ويستأثر بخيراتها، لكن ذلك لن يدوم، فقد خرجت أمريكا من أفغانستان لا بإرادتها وإنما بإرادة شعب الأفغان ومسألة التحكم والاستئثار بخبرات الأنظمة المنطوية تحت رعايته لن يستمر إلى الأبد والمسألة لا تعدو أن تكون متربطة بالوقت الذي يسير لغير صالح الأنظمة العملية والخائنة ولا لصالح الاستعمار بنسختيه القديمة والجديدة، فالشعوب- كما يقال (غول حاد) أما الأنظمة غول هادئ، وإذا لم تتم تلبية مطالبها فإنها سرعان ما تقدم التضحيات لتحقيق غاياتها، فهل تراجع الشعب الجزائري الشقيق عن تحقيق الاستقلال رغم التضحيات التي بذلها؟ ومثل ذلك الشعب الفلسطيني اليوم يرسم ملامح الاستقلال وسيصل إليه وسيندحر الخونة والعملاء، ويا رجال غزة علمونا الإباء في زمن الذل والمهانة ومرغوا أنوف المجرمين في التراب، والحقوهم بمن سبقوهم وحققوا قول المولى سبحانه وتعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) آل عمران (139).
Prev Post