من يعيد قراءة المشهد منذ بداية شن العدوان البربري الهمجي على بلدنا ويقف أمام محطات خلاله، سيكتشف الكثير من فوائد طوفان الأقصى ودخول سلطة صنعاء قلب المعركة وما تشهده من محاولات التقليل من شأنها خصوصاً من بعض أولئك الذين ادعوا يوماً بأنهم حلفاء للأنصار وصاروا في صف العدوان.
لقد كان هؤلاء في كل مراحل الدفاع عن البلد من العدوان يقدمون خطوات غدر وخيانة بالأنصار ويعملون مع العدوان، ولم يكن خلافهم مع العملاء والمرتزقة الذين التحقوا منذ بداية العدوان سوى على من يحظى بمرتبة العميل المفضل أو المؤتمن، والطرف العميل الذي وجد نفسه في حلف مع الأنصار، بحكم الخلاف والسباق على أن ينال حظوة مرتبة العمالة الأولى، ظل ينخر في جبهة مناهضة العدوان ويتواصل مع رعاته، وتسليم عدن جرى باتفاق بين هذا الطرف وراعيه الأساسي في تحالف العدوان “دويلة الإمارات” وذلك من خلال انسحاب قواته من جبهة عدن دون علم الأنصار، وهذه الخطوة الخيانية منحت الإمارات نصراً عسكرياً مصطنعاً في سياق ثقافة البيع والشراء الذي درج عليها هذا الطرف طوال فترة حكمه لليمن، كسب دعماً خارجياً من خلال التضحية بمصالح البلد وناسه، فلقد جعل ميناء عدن وأوقف أي نشاط له في سبيل كسب مصالح شخصية ومكافأته على هذا بمدينة سام في دبي.
وتسليم عدن في أول سنة حرب جرت ضمن هذا الإطار، سياسة البيع والشراء بمصالح البلد في سبيل بقاء أوراق الداعم والكفيل الخارجي.
ولا تقل معارك الساحل الغربي وتسليم معسكر خالد ضمن تفاهمات بين هذا الطرف الذي ظل ينخر في الجبهة المناهضة للعدوان، ولها ارتباط بامتدادها الصهيوني وهو تأمين بقاء مضيق باب المندب في قبضة عملاء الصهاينة المحليين والإقليميين.
وهناك خيانات عديدة تعرضت لها جبهة مناهضة العدوان قبل 2-4 ديسمبر 2017م، ومنها تسليم مارب من خلال عناصر كانت تدين بالولاء للزعيم وهو من أوعز لها بأن تلتحق بخصومه وتعمل في صفوفهم ( خبز يده وعجينه )، وعلى قاعدة إذا انتصر تحالف العدوان، فأنتم شفعائي وإذا انتصرنا نحن فأنا شفيعكم.
وهذه الخيانات المتكررة تؤكدها أكثر نتائج ما بعد فشل انقلاب الزعيم الذي كان ضمن تنسيق مع دول العدوان، وبعد هروب أحد أعمدتها الرئيسين ابن اخو “زعيم الانقلاب” إلى صف العدوان، تم الترحيب به، لا بل وتم دعمه مالياً وعسكرياً وتشكيل قوات عسكرية وتسليمه المنطقة الذي سلمها لهم أثناء حلفه المزعوم مع الأنصار منطقة المخا، حيث تمركز معسكر خالد المشرف على مضيق باب المندب والمغدور به سابقاً، هذا التسليم – الاستلام السابق واللاحق – يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه عميل مؤتمن ويحظى بالثقة العالية عن ما خلاه من العملاء المستجدين.
ولولا التطور الذي شهدته القوة الصاروخية والطائرات المسيّرة، حيث باتت لدى قواتنا المسلحة قدرة الوصول إلى ميناء أم الرشراش في أقصى نقطة البعيدة من خليج العقبة، وبالتالي صار مضيق باب المندب تحت مرمى صواريخنا ومسيّراتنا، وبالتالي صار وجود العملاء والمرتزقة قرب باب المندب لا أهمية له ولا يستطيعون أن يكونوا حماة له.
ولقد انبرى كثير من العملاء هؤلاء إلى التقليل من مشاركة قواتهم المسلحة في معركة غزة والسخرية منها، بالرغم من أن العالم كله يتحدث عن آثارها الكارثية على اقتصاد الكيان الصهيوني الذي يمنى بخسائر كبيرة، وكذلك إشادات كثير من أبناء شعبنا على امتداد الساحة اليمنية من المهرة حتى صعدة، ومن ناشطين عرب وحتى أجانب، والأهم من كل هذا إشادات الفلسطينيين أنفسهم بما تقوم بها قواتنا المسلحة، هذه الخطوة الجريئة التي جاءت بقرار شجاع من قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي أعطت لليمن سمعة ومكانة يفترض أن يعتز بها كل يمني، وأعادت تعريف العالم باليمن الذي كان نسياً منسيا وحتى من يعرفه لا يعرفه إلّا من خلال ارتباطه بالإرهاب والعمليات الإرهابية التي كانت تدور فيه.
وخلال ثمان سنوات حرب عدوانية – وعلى الرغم من الحصار الاقتصادي الجائر – لقد تصرفت سلطة صنعاء بمسؤولية عالية في إدارة حربها الدفاعية وتحملت الأوضاع الصعبة التي خلقتها الحرب ولم تذهب إلى إغلاق المضيق أو حتى استهداف السفن التجارية التابعة للعدوان ولم تستهدف سوى سفينة عسكرية إماراتية ضمن قواعد الاشتباك التي يقررها القانون الدولي في تنظيم مرور السفن في المضائق الطبيعية الذي يعطي الحق لمثل هذا الفعل في زمن الحرب.
ومن فوائد طوفان الأقصى، وقرار قائد الثورة الجريء والشجاع أنه أظهر كم كان حكام هذه البلد عملاء ومتخاذلين وبياعين كلام في كثير من المنعطفات الدقيقة التي مرت بالقضية الفلسطينية، رغم امتلاكهم لأوراق قوة كثيرة يمكنهم استخدامها بشجاعة وبقدر عالٍ من المسؤولية عند اللزوم، لكن اتضح أن فاقد الشيء لا يعطيه.. ويكفي وجود هذا المضيق الاستراتيجي أن تجبر فيه دول العالم كله أن تكون حريصة على أن تتمتع دولته باستقرار اقتصادي وتنمية ممتازة حتى يكون بلداً مستقراً آمناً من أجل سلامة مرور السفن في هذا المضيق، وتستطيع توظيف أهمية موقع بلدك الجيوسياسي في جعل دول العالم كلها بلا استثناء، لكي تحرص على سلامته وتنميته وتمكينه من استثمار ثرواته. ويستحيل توظيف هذا الموقع الجيوسياسي إلّا بوجود قيادة سياسية لديها مشروع يضع مصالح البلد وأمنها القومي في جدول أعمالها اليومية، وتتقي الله في شعبها ومصالحه وتدفع بإرادة أبنائه صوب النهوض.
Prev Post
Next Post